الأحــد الثـامـن للدنـح !

هذا الأحد يُحتفل به مُستقِلاً كلَّما وقعت القيامة بعد 20 نيسان. في السنين الأخرى يُدمجُ مبدئيًا بالأحد السابع ويُعتَبَرُ ذلك الأحد والأسبوع ” حْرايى – ܐ݉ܚܪ̈ܵܝܹܐ”، كما ينتهي عادةً كلُّ سابوع. لأنَّ الأحد الأول من كل سابوع يكون مع أسبوعه ” قّذمايى ـ ܩܲܕܼܡܵܝܹ̈ܐ ” والأحد الأخير من كل سابوع يكون مع أسبوعه حْرايى ـ ܐ݉ܚܪ̈ܵܝܹܐ “. حتى آحاد موسى تبدأ بـ قَذمايى ـ ܩܲܕܼܡܵܝܹܐ” ثم تتعاقب بتسلسل حسب عددها.

تتلى علينا اليوم القراءات : اش44: 23- 45: 3 ؛ اف1: 15- 2: 7 ؛ مر1: 1-11

الرسالة: أفسس 1 : 15 ــ 2 : 7

يرفعُ بولس صلاة شكرٍ عميقة بسبب إيمان أهل أفسس. كان أغلبُهم وثنيين. ولم يتوَّجه إليهم بولس إلا بعدما قضى ثلاثة أشهر يُجادلُ الجالية اليهودية، وأُصيبَ بخيبة أمل لأنَّ قليلين منهم قبلوا البشارة وآمنوا بالمسيح يسوع. لكنه لم يتخَلَّ عنهم كلّيا بل ظلَّ يتواصل معهم عن طريق الذين آمنوا منهم. وآستطاع بعد جهدِ سنتين أن يكسبَهم للمسيح وكلِّ اليونانيين أيضًا (أع19: 8-10). كتب لهم من سجنِه في روما يُشَّجعُهم على الأستمرار في عيشِ إيمانهم.

أشكرُ اللهَ بلا آنقطاع لأجلكم !

شعرَ بولس بعمقِ إيمانهم وسُمُّوِ روحيتهم، ما لا يحدثُ دائما وفي كلِّ الجماعات. بينما سبق ولام أهل غلاطية وكورنثية على تقلُّبهم وتمَّرد بعضهم على جِدَّةِ التعليم وتمَّسكهم بتقاليدَ من الماضي الوثني أو اليهودي. عرفَ أهل أفسس أن يُعَّبروا عن إيمانهم بمحَّبتهم للأخوة الآخرين. والمحبة مهمة جدًّا وهي العنصر الأساس للحياة المسيحية وميزة التلمذة (يو13: 34-35). إذن لقد إمتلك أهل أفسس شريان الحياة المسيحية. وهذا دليل نجاح مهمة الرسول وعِلَّةُ إفتخارٍ وفرحٍ وآرتياح. وبولس يُعَّبر عن هذه المشاعر ويَعترفُ بنفس الوقت أنَّ الفضلَ في ذلك لله وليس للمُبَّشر. لأنَّ الله، إذ عرفَ طيبة معدنهم وصفاءَه، أفاضَ عليهم هبة إيمان صادقٍ عميق فعَّال، حتى “سمعَ به جميعُ سُكَّان آسيا ” (أع19: 10).

قال الرب:” من له يُعطى ويُزاد فيفيض “(متى25: 30). ويولس يشكرُ ويفيضُ في الصلاة طالبًا من الله أن” يُزيدَهم نعمةً” فيهبهم حكمةً تساعدُهم على معرفة يسوع، معرفة حقيقية و تامة، في جوهره لا في مظهره فقط. إن كانوا يُحّبون فلأنَّ الله قد عرفَهم (1كور8: 3). و إن كان الله قد عرفهم فهُم أيضًا عرفوا الله(غل4: 9)، وبقي أن يعرفوا مشيئة الله، كما كتب لأهل كولسي بنفس الوقت ومن نفس المكان، وأن يُترجموا هذه المعرفة في واقع الحياة و” يسيروا سيرة جديرة بالرب ترضيه كلَّ الرضا، مُثمرين كلَّ عملٍ صالح، وبالتالي يعظموا في معرفةِ الله” (كو1: 10).

والسُمُّوُ في معرفة الله تكشفُ الخيرات والأمجاد التي وَعدَها الله للمؤمنين بيسوع المسيح, فإن كان الأنسان لا يرى الحياة أبعد من الزمن والسعادة والمجد خارجَ الجسد ومُتطلباتِه و أحاسيسِه، إلا إنَّ المؤمن بالمسيح يعرفُ أنَّ الحياة الحقيقية هي الحياة الأبدية التي تقوم على معرفة الله (يو17: 3)، أي مشاركة حياتِه في راحةِ المجدِ والسعادة. هذا هو رجاءُ المؤمن وقد كشفه و وعدَ به الرب يسوع، سَمّاه بولس إكليل البر(2طيم4: 8)، ودعاه الرب ” كنز السماء”. فعل الله كلَّ ذلك ليعرف الناسُ جبروت الله وحُبَّه العظيم وسخاءَه الفائق الوصف. أقام اللهُ المسيحَ ومَجَّدَه لأنه سمعَ كلامَه فأرضاه وآتّكلَ عليه فنال المجد. أصبحَ سُلطان كلِّ الكون في الأرض والسماء (متى28: 19)، فوقَ ” كلِّ رئاسةٍ وسُلطانٍ وقُوَّةٍ وسيادة جاعِلا كلَّ شيءٍ تحت قدميهِ” (آية21-23)، ومُقيمًا إيّاهُ “رأسًا للكنيسة “. قاد موسى الشعبَ الأول الذي خان وتمَّرد، أمَّا يسوع فهو قائد الشعب الجديد ” ولن يكون لرئاستِه وسُلطانِه لا حَّدٌ و لا نهاية ” (لو1: 32-33). ويكون مع شعبِه جسدًا واحِدًا، وبه يعيش ويمارسُ رسالتَه الخلاصية إلى نهاية العالم.

كنتم فيما مضى أمواتًا !

يُذَّكرُ الرسول ماضي أهل أفسس قبل المسيح، وهو ماضي كلِّ شعبٍ والبشرية جمعاء. الكل أخطأ في الأنسان الأصل. والخطيئة تُميتُ مُقتَرفَها لأنها تفصله عن الله وتحرمُه عن مُتعةِ مشاركةِ خيراتِه. كانت البشرية تئِّنُ وتشقى لأنها تخضعُ ” لرئيس القوَّات الشّريرة “، وتتبعُ روح العالم ” الذي يتحَّكم الآن بالمتمَّردين على الله (آية 2: 2)، ولم تَعُد إلى فردوس الحياة مع الله. ظلَّ الأنسان، قبل المسيح، يعيش شهوات الجسد ويُكَّملُ رغباتِه وأهواءَه. هكذا مكثَ الأنسانُ آدَميًا تحت حكم الغضب، لأنَّ زلاّتِه ظلَّت تُهين قداسة الله وتُقاوم دعوةِ الأنسان إلى القداسة. أما المسيح ففتح أمام الأنسانية سبيل الروح ودعاها الى نفضِ إنسانية آدم الجسدية عنها و لبس إنسانية المسيح الروحية بالأعتماد بآسمه (غل3: 26-27). وآمن أهل أفسس، مثل كلِّ المسيحيين، بيسوع المسيح وقبلوا شريعتَه وآعتمدوا بآسمه. وتلك المعمودية حررتهم من قيد الخطيئة وآنضَّموا الى موكب المسيح مُتَّجهين صوبَ الفردوس المقفول. صليب المسيح كسر سيف الحرس وشَقَّ الحجابَ الحاجز بين الله أبنائِه.

أحيانا مع المسيح !

ماتت الخليقة الأولى بالخطيئة، لكن المسيح بموتِه عن الخطيئة أحياها وجَدَّدَ صورتها. و بمعموديتنا تُبنا مع المسيح فأماتَنا نحن أيضًا معه عن الخطيئة، ولمَّا قام أقامنا معه أحرارًا عنها (رم6: 2-5) . وعند تحَّررنا منها إنتعشنا فرجعت روحُ الله إلينا، وجعلتنا أبناءَ لله وإخوة ليسوع المسيح. ولمَّا إتحدنا بالمسيح في موته نبقى متحدين به في مجد قيامتِه ونتمَتَّع براحة نعيمه. فيسوع جالسٌ الآن في السماء عن يمين الله ونحن، إنسانيتنا، نتمجَّد معه. و سنظَّلُ معه إن بقينا أمناءَ للنعمة التي وهبها لنا. هو نال المجد عن إستحقاقٍ لأنه أرضى الله في كلِّ شيء وأطاعه حتى الموت لينال لنا تجديد خليقتنا. ولما ناله وهَبَنا فرصة الخلاص. لم نستحق نخن ذلك، فهو هبة مَّجانية من رحمة الله ومحَّبتِه، و لا فضلَ لأحد في ذلك غير المسيح، ولا يحُّق لأحد أن يُفاخرَ بغيرالمسيح، والمسيح مصلوبًا. لأنه بالصليب قهرالخطيئة فالموت.