أهلا وسهلا بآلأخ م.ت
كتبَ آلأخ م. ت ، بمناسبة عيد آنتقال آلعذراء، ولم أقدر كتابة آلجواب حالاً بسبب عمليةٍ في آلعين التي نجحت بنعمة الله وحمده ، يقول :” نعلن إنتقال آلعذراء مريم الى السماء بآلنفس وآلجسد. طيِّب. في هذه آلحالة أين يوجد جسدُ مريم الى يومنا هذا؟. هل من آلمعقول أن يبقى جسدٌ حيٌّ الى اليوم ؟ هذا سؤال عقلاني. قد يطرحه ايُّ شخصٍ عادي وحتى أولادنا في آلمستقبل. سألتُ عدَّة مرّاتٍ وكان آلجوابُ مختَصَرًا وغير مُقنع … أما يجبُ أن نفهمَ بكلامٍ مُقنِع” ؟.
جواب أولي مباشر !
جسد مريم هو آلآن، كما نعلنه، ” في آلسماء “. وهذا ممكن. كما هو ممكن أن يبقى على آلأرض جسدُ بعض آلقديسين لم يطَلهم آلفساد، مثل القديسة ريتا دي كاشيا منذ 566 سنة, و آلقديس شربل منذ 125 سنة، والقديس البابا يوحنا 23 منذ 60 سنة وغيرهم. أما في آلسماء فجسد يسوع هو ألنموذج. وآلأنجيل لا يكذب عندما يقول :” رُفعَ يسوعُ الى آلسماء ، وجلس عن يمين آلله “(مر16: 19). والرسل شاهدوا ذلك وشهدوا لنا؛ ” إرتفع الى آلسماء وهم يشاهدونه … وقال لهم آلملائكة : هذا الذي صعد عنكم الى آلسماء سيعودُ مثلما رأيتموه ذاهبًا إلى السماء ” (أع1: 9-11).
أما ما يفرق عن إنتقال مريم فهو هنا معاينة الرسل المباشرة لصعود يسوع. بآلنسبة الى مريم لم يروها ترتفع، بل وجدوا قبرها فارغًا مثل قبر يسوع (يو20: 2-9). وأعلنت لهم السماءُ أنَّ جسدَها نقل إلى آلسماء لتكون مع إبنها وتكمل معه ” دور آلشراكة وآلتعاون ” في خلاص آلبشر. إنها آلشريكة في آلفداء. وليست أصلاً هي التي إرتفعت بقدرتها ، بل آلمسيح فادي آلبشر، سيِّدُ آلكون (يو5: 22) نقلها نفسًا وجسدًا إلى السماء ، لتبقى معينة بآستمرار:” يا آمرأة ،هذا إبنُك .. هذه أُمُّك” (يو19: 26-27). لقد أعانته على آلأرض فأطاعت آلله وولدت يسوع وربته و ساندته وقدمته فديةً على آلصليب لتحرير آلأنسان عن آلخطيئة. وآلآن ايضًا تطيعه فتهدي آلبشر إلى آلأيمان بآبنها وتساعدهم ، كما ساعدت الرسل، لتولدَهم أبناءَ للسماء. لأنها آلمرأة التي عملت مع آلإِمريء على آلفداء لإصلاح ما أفسَده آلزوج آلإنساني آلأول (تك3: 6-7؛ ويو2 : 3-5 ؛ 19: 26-27). ومصيرُ كلِّ فريق مشترك بين آلعضوين. آدم وحواء خسرا، بعصيانهما معًا، رفقة آلله جسديًا، ويسوع ومريم، إستعادا بطاعتهما معًا وبراءَتهما، هذا آلحقَّ. وسيشترك آيضًا جميعُ آلمؤمنين آلمطيعين لله بهذا آلحق.
كيف يبقى جسدٌ حيٌّ ؟
يبقى الجسد حيًّا ما دام تُنعِشُه روح، أي لم تنفصل عنه. روح الأنسان لا تموت بل تخلدُ. أما آلجسد فيموت عندما تنفصلُ عنه آلروح ويفسد، يبلى ويزول بتفكُّك عناصره آلمادية. حتى نفهم هذا نعود إلى خلقة آلإنسان. ” جبل آلربُّ آلإله آدم ترابًا من آلأرض. ونفخ في أنفِه نسمةَ آلحياة. فصار آدم نفسًا حيَّة ” (تك2: 7). فآلحياة هي من حياة آلله آلخالق، من نفسِه. و آلله لا يموت، وكذلك ما هو منه. أما عند آلموت، لأنَّ كلَّ ما يبتديء ينتهي، فآلجسد يتغَيَّر. كان هذا قبل آلخطيئة. فعاشَ آلأنسان مع آلله في آلفردوس بآلنفسِ وآلجسد. لكن آدم وحواء أخطَئا بآختيار ثمر آلأرض، ما للجسد، على سماع كلام آلله. إختلفَ آلوضعُ ولم يكن ممكنًا بعدُ أن يحيا آلجسد مع آلله آلروح، فقد تدَنَّس آلجسدُ :” إستحى آلأنسانُ وخاف آلله وآختبأ ” (تك3: 7-10). فنزل آلحُكم حسب إختيار آلأنسان : ” بعرق جبينك تأكل خبزك حتى تعود إلى آلأرض، لأنَّك منها أُخِذتَ. فأنتَ ترابٌ وإلى آلتراب تعود” (تك3: 19) وغادر آلجنة. وسيقول مار بولس :” لا يمكن للحم وآلدم أن يرثا ملكوت آلله “(1كو15: 50).
عليه لم تقدر حتى أجسادُ موسى وايليا رؤية وجه آلله، مشاركة آلحياة معه إِذ قال آلله :” أما وجهي فلا تقدرُ أن تراه. لأنَّ الذي يراني لا يحيا “(خر33: 20؛ 1مل19: 11-13). وحتى في آلموت لم ينتقل جسدهما إلى حياة آلسماء بل ” مات موسى على جبل نبو ودفنه آلرب في آلوادي ، في أرض مؤآب ، تجاه بيت فغور، ولا يعرفُ أحدٌ قبره ” (تث34: 5-6). أما ايليا ” فآرتفع في آلعاصفة نحو آلسماء..”. وطلب أنبياءُ رفاقٌ لإليشع أن يبحثوا عنه قائلين :” نفتِّش عن سيِّدك، فلعَّل روحَ آلرب حمله ورماه على أحد آلجبال أو في أحد آلأودية “(2 مل2: 15-16). أما حضورهما مع يسوع عند تجليه على جبل طابور فهذا تأكيد على نيلهما آلخلاص، ودورهما آلبارز وآلمهم في آلمسيرة آلأيمانية نحو آلمسيح. وظهرا في جسدهما آلروحاني، كما سيحدث لكل مؤمن بآلرب، إِذ ينال جسمًا روحانيًا حسب قول بولس آلرسول :” يُدفنُ جسمًا بشريًا ويقوم جسمًا روحانيًا “، لأنَّ ” آللحم وآلدم لا يمكنهما أن يرثا ملكوت آلله. ولا يمكن للموت أن يرث آلخلود” (1كور15: 44-54). وجسد آلإنسان آلملوث بآلخطيئة يعود إلى عناصره آلترابية.
جسد يسوع ومريم !
يحدث هذا بسبب آلخطيئة آلأصلية. أما يسوع ومريم فآختلفَ وضعُهما. إِذ لم تنسل آلخطيئة إلى جسديهما. يسوع لا فقط لآنَّه” الكلمة آلإلهية آلمُتَجسد”، ولكن أيضًا لأنَّ آلله هيَّأَ له جسدًا
(عب10: 5) إِتَّخَذَه من مريم آلعذراء التي صانها آلله، عند آلحبل بها، من آلخطيئة آلأصلية. فكانت مريم بنعمةٍ وآمتيازٍ إلَهيين بلا خطيئة أصلية، أي في حالة آدم وحواء قبل سقوطهما. هذا ما صرَّحت به مريم نفسُها في لورد سنة 1858 جوابًا لسؤال كاهن رعية لورد عن هويتها، وذلك عن طريق برناديت. ومن جسد ناسوتها أخذ يسوع ناسوتنا، لذا لم يتدنَّس جسدُهما، وبآلتالي لم يخضعا لشريعةِ آلعودة ألى آلتراب. فقد أطاعا آلله في طلبه منهما، :” ها أنذا آتٍ، يا آلله، لأعمل بمشيئتك” (عب10: 7)، و:” أنا أَمَةُ آلرَّب، فليكن لي كقولك ” (لو1: 38). وقد تنبَّأَ داود عن عدم فساد جسد الرب يسوع (مز16: 8-10). وهذا آلأمتياز مَدَّدُه يسوع لمريم، مثل إمتياز آلحبل بها بلا دنس، لئلا يرى جسدُها آلفساد. وكما تغَّير جسد يسوع إلى روحاني مُمَّجد بعد موته هكذا تغَّير جسدُ مريم، عند رقادها، ونقله يسوع إلى آلسماء حيث يليق به آلمقام، وليس في تراب آلأرض حيث يسود آلفساد. فهو آلآن يتمتَّعُ في آلسماء في فردوس آلله مُكَلَّلاً بآلمجد وآلكرامة مع جسد آبنها آلمسيح.
شهادةُ آلكتاب !
وقد أشار سفر آلرؤيا إلى مجدها هذا، واصِفًا إيّاها بآلمرأة التي ” تلبسُ آلشمسَ ، وآلقمرُ تحت قدميها، وعلى رأسها إكليلٌ من إثني عشرَ كوكبًا “، ثم يواصلُ آلحديثَ عن حرب إبليس، ” ألتنّين أوالحيَّة آلقديمة، ألشيطان”، ضِدَّها بعد أن خسرَ معركته ضدَّ آلمسيح ” في آلسماء، ونقل معركته إلى البر وآلبحر”. ولمَّا فشل ضِدَّها أيضًا و” صارت في مأمن منه” غضب ” آلتنّينُ فذهب يُقاتلُ باقي نسلها، الذين يعملون بوصايا آلله وعندهم شهادةُ يسوع ” (رؤ12: 3-17).
يجب أن نقتنع !
أما آلقناعة فهي ثمرةُ ثقافة آلإنسان وإيمانه بحدوده وبوجود أبعادٍ أُخرى لابدَّ له أن يُقيمَ لها حسابًا في سلوكه. كان آدم وحواء جاهلين، ولا أحد غيرُهما من آلبشر. كان هناك خالقٌ خَيِّرٌ ولهُ مباديُ، طلبَ منهما آلتقَّيُدَ بها للحفاظ على آلإمتيازات آلمضمونة. وكان أيضًا مخلوقٌ ، ألحيَّة وهي آلملاك آلمتمرد وقد تقمَّصَ جلدَها، الذي أثارَ آلشكوك فيهما بعدَ أن حَرَّفَ وصيَّةَ آلله. ثم كذب عليهما وآدَّعى زورًا بأنهما سيكونان آلهةً إذا خالفا أمرَ آلخالق. ودفعهما الى إختبار ذلك مؤَّكدًا أنهما لن يخسرا شيئًا مما لهما. فبسبب جهلهما وعدم خبرتهما ” بآلخير وآلشر” إقتنعا برأي آلخليقة وآنحازا إلى إختيار سلوك آلخليقة وعصيا أمرَ آلخالق، ولم يربحا شيئًا بل خسرا ما كان لهما.
أما آليوم فبعد مئات ألوفِ آلسنين من آلخبرة بين آلخير وآلشر، وآلاف آلسنين من كشف آلحَّق آلألهي بات أمرُ آلقناعة مرتبطًا بآلآختيار بين مشيئة آلله آلحق، وبين آلإنحيازات إلى آلشهوة في آلفكر وآلخير آلمادّيين وآلزمنيين. وحرَّية آلإختيار تُرَّجحُ كفة آلميزان. فأُمور آلحياة آلزمنية آلمتعَّلقة بآلحواس معروفة بآلجنوح إلى شهوة آلبطن من مال وملذّات؛ و شهوة آلفكر من جاهٍ وشهرة وأمجاد؛ وشهوة آلعظمة من كبرياءٍ وتسَّلُطٍ وآستغلال. بينما أمور آلحياة آلأبدية مُتعَّلقةٌ بآتّباع آلحق الذي كشفه آلله للآنسان ويطالبُ آلتقَّيدَ به، وآلمحبة لله وللأنسان هي آلدربُ الذي يضمن إتَّباع آلحق. فعلى آلإنسان أن يعرف حدَّه وجهلَه وقدرته في آلفكر أو آلعمل. عليه أن يعرف أنه بحاجة إلى نور آلله وعونه ليختار آلصحيح. وهذا هو آلأيمان.
ابراهيم آمن بآلله ووثقَ به وآقتنعَ أنَّه سينال آلنسل آلمرغوب ضدَّ كلَّ آلمعطيات آلفكرية أو آلقدرات آلبشرية : من عقم وعجز بسبب آلشيخوخة، ونال رغبته آلمشروعة (رم4: 18-22). حتى يقتنع آلواحد يجب أولا أن يخرج عن ذاته. ثم أن يؤمن بحدوده. ويؤمن بأنَّ آلله آلخالق لا يُهمل أبناءَه بل يطلب منهم أن يسمعوا كلامه. ولآسيَّما أنه يستمرُّ في رعايتِهم وتوجيههم عن طريق كنيسته التي من خلالها يقود فكر آلعالم في نور آلحق. وليس خاطِئًا كلُّ ما يرفُضُه آلجسد وفكر آلإنسان. أما ما يقوله آلأيمان آلمستقيم فلا بدُّ منه أنه آلحق، لأنَّ آلإيمان هو:” آلوثوقُ بما نرجوه، وتصديقُ ما لا نراه، وبه شهد آلله للقدماء” (عب11: 1).