أهلا وسهلا بالأخ رأفت ججـوكا
سأل الأخ رأفت بخصوص صلاة بركة حلقات الخطوبة وقال :
- هل هذه الصلاة هي للبركة فقط ؟
- أم هي جزءٌ أولي من رتبة الزواج في الكنيسة ؟
- وإذا لم يكتمل الزواج بين المخطوبين المباركين ما هو موقف الكنيسة ؟
- وهل تُحَّلُ هذه الصلاة { يقصد البركة } عند فسخ الخطوبة ؟
تأريخيًا !
إعتبرت قوانين حمورابي الخطوبة هي العقدُ الرسمي للزواج. أما الزفاف أو إقامة العُرس فكان إحتفاءًا بآنتقال المرأة إلى بيتِها الزوجي. وكان ممكنًا أن تتأخر إقامتها عند والديها الى حين تهيئة ذلك البيت، مع عيش العلاقة الزوجية وإنجاب الأطفال. وكان زوجها يُصرفُ على مخطوبتِه وأولادِها. وكانت قوانين حمورابي سائدة في ما بين النهرين، منها دولتي بابل وآشور. وكان الشعبُ اليهودي يتبعُ تلك القوانين لأنها إدارية وليست عقائدية ايمانية. و هكذا نقرأ في الأنجيل عن مريم العذراء أنها كانت مخطوبة ليوسف (متى1: 18؛ لو1: 27 ؛ 2: 5). وفي نفس الخبر يُسَّمي الأنجيل مريم ” زوجة يوسف وآمرأتَه” (متى1: 19 و20 و 24). كما ذكرَ أنها حامل قبل أن تنتقلَ الى بيتِها الزوجي وفي آنتقالها قال :” فجاءَ يوسف بآمرأتِه الى بيتِه “. لم يخلقْ حملُها إشكالا لا لمريم ولا للجيران أو الأقرباء والمعارف. أمَّا الإشكالُ فوُجدَ فقط عند يوسف، لأنه مُتأكِدٌ من أن الجنين ليس طفلَه، ولأنه لمْ يعرفْ من هو أباه ولا قدر أن يُفَّسِرَ سِرَّ حملها. وإذا فكَّرَ بتركها سِرًّا فلكي لا يتَّخذ بحَّقها إجراءًا قانونيًـا فتُعاقبْ وهو مُقتنعٌ ببراءَتِها. أمَّا بالنسبة الى الناس فكان أمرُ حملها قبل التعريس إعتياديًا لا يَطرحُ أيَّ سؤال لأنها شَرعًا مُتزَّوجة و زوجها معروفٌ رسميًا.
المسيحية والخطوبة !
تبَّنت المسيحية قوانين الزواج المحَّلية لمفعولِها الإداري. وآعتبرَت الخطوبة العقدَ الرسمي للزواج. ومَّيزت أيضًا بينه وبين الأحتفال بالتعريس. سَمَّت الأول ” ???????????? مْخيروثا ” ويعني ” إمتلاك أو خُطبة امرأة”. والثاني ” ????????? بوراخا أو ???????? كولالا” ، ويعنيان تكليل أو تزويج مع صلاة بركة وتتويج. ويشهدُ تأريخ الكنيسة على أنَّ الخِطّيبَ كان مُلزَمًا بإعالة خِطيبَتِه. وكان مُلزَمًا بالتعريس. وإذا قصَّرَ أو خالفَ كانت تسري عليه قوانين الطلاق الرسمية حتى يتخَّلى عنها. ولكن مع مرور الزمن وتطورات الحياة الأجتماعية والظروف المعاشية قلَّت الخطوبة وآكتُفيَ بعقد الزواج مُباشَرَةً قبل الأنتقال إلى البيت الزوجي. فصارت الخطوبة الأولانية والتعريس إحتفالاً واحدًا لا يفصل بينهما شيء. ما آختلفَ فقط هو أنَّ المراسيم الدينية الأيمانية للعقد تتم في الكنيسة، والتعريس خارج الكنيسة فيما يسبق العقد أو يتبعه. ولكنْ من ميزة الأنسان أنه لا يستقر طويلا على بَرٍّ واحد. وعليه صارت الزواجات يُحتفلُ بها سريعًا دون إعطاء المخطوبين فرصة التعارف والتقرير الشخصي المدروس والمختار. فشعرت الكنيسة بغبن وتقصير تجاه المتزوجين بعد أن تكاثرت المشاكل والطلاقات. فقررت الكنيسة، الكلدانية مثلاً سنة 1853م، الأستعانة بفترة تهيئة قبل الزواج لتُعطيَ المخطوبين فرصة التعَّرف على بعضِهما قبل الزواج والتأكُّد من إمكانية العيش المشترك وبالتالي التقليل من خطر الخلافات واللجوء الى الطلاق. وأَلزَمَ القرارُ من يُقبلون على الزواج أن يحتفلوا، قبل الزواج، بخطوبةٍ رسمية و بمباركةِ الكنيسة، تطولُ مدتها الأقصر شهرًا و القُصوى سنةً. توفرُّ لهم فقط فرصة الإلتقاء والتعَّرف والتوافُق والأنشداد إلى البعض. ولذلك لم تُلزم الخطوبةُ بالزواج لاحقًا. إنمَّا نظمَّت فسخ الخطوبة بصيانة حقوق الطرف البريء من ناحية المصاريف والهدايا.
صلاة البركة !
نستنتجُ إذًا مما سبق أنَّ صلاة بركة الحلقات، في الخطوبة، ليست جُزءًا من عقد الزواج اللاحق في الكنيسة. والدليل على ذلك أنَّ الحلقات يُعادُ تبريكُها يوم الزواج. بل هي تهيئة له . تُعلنُ الكنيسة أنَّ الحلقات هي علامة رغبة إثنين مُحَدَّدين في الأرتباط ببعضهما بالزواج مستقبلاً ويتهَّيئان له. فتباركُها لهما ليكون الربُّ معينهما في ذلك فيتمَّ كلُّ شيء حسب مشيئة الله ومصلحة المخطوبين. فحضور الكاهن والصلاة تُشيرُ إلى أنَّ الخطوبة تتم في جَوٍّ إيماني بين أبناء الله فتطلب لهم أن يتوَّفقوا في حياتهم ويستعِّدوا له تحت خيمة الله ليرعاهم. وإذا إنتهت الخطوبة بفسخها لا بالزواج، نتيجةَ إكتشافِ ما يُعرقلُ أو يصُّدُ باب الزواج، أي يكتشف الخطيبان أنهما غير متوازيين ولم يَخْتَرهما الله لبعضِهما فلا تمنعهما الكنيسة. لكنها لم تسُّن حاليًا نظامًا لترتيب أمور ما وقع بينهما من مصاريف وهدايا، من ذهب خاصّةً، إنَّـما تُرشدُهما إلى إتفاق أخويٍ بينهما يصون كرامةَ كلِّ الأطراف.
أمَّا حَلُّ الصلاة أو البركة فكيفَ ” يكون”؟. إنَّ الصلاةَ دعاءٌ رفعته الكنيسة إلى الله تسأله أن يكون في عون الخِطيبين ويُرشِدهما إلى منفعتهما الحقيقية. وآستجابَ الله فأرشَدَهما إلى تركِ بعضِهما لأنَّهما ليسا لبعضِهما. وإذا تزوَّجا فسيسوءُ حالهما ويتندَّمان. فهل نسترجعُ من الله طلبَنا لأنَّه لم يتماشَ مع أفكارنا بل عملَ الخير مع أبنائِه؟. وهل تنَدَّمنا لأننا طلبنا عون الله؟. إذا تندَّمنا فلماذا إلتجَأنا إليه؟. وهل إلتجَأنا إليه بالصلاة ليختمَ فعلَنا فيُؤَّيدنا في موقِفِنا، أم سألناه أن يحكم في فعلنا ويباركَه إن كان صائبًا؟. طبيعة الصلاة هي أننا في حاجة أو في حالة صداقة، وأننا نعرُضها بدّالةٍ بنوية و ثقةٍ على أبينا السماوي ليحكمَ فيها ويُلَّبيَ طلبَنا إن كان مستقيمًا ويبني حياتنا الأيمانية. فهل نعترضُ عليه لأنَّه خالف توَّقعاتنا وتخطيطنا؟. ثمَّ كيفَ تُحَّلُ الصلاة؟. هل هي خيطٌ معقود نحُّلُ عقدته؟ أم هي عريضةٌ نسحبَها من إستعلامات السماء؟. هي سؤال نال الجواب، فأين الخطأ أو النقص حتى نتراجع عنه؟. حدثٌ تمَّ وآنتهى !!! لا يقبلُ التغيير، لأنه غيرُ ممكن. من المفروض أن نشكر الله لأنه أحَّبَنا فآستجابَ لنا و أحَّبَ أولادنا فوقاهم من مُصيبةٍ كانت ستحُّلُ بهم وتُشقيهم عوض إسعادِهم.