أهلا وسهلا بالأخ جمال يوسف
إهتَّم الأخ جمال بوعد قلب يسوع الأقدس، بـ” نعمةِ الثبات الأخير”، للذين يتناولون في الجمعة الأولى من الشهر مدَّةَ تسعة أشهرٍ متتالية. والنعمة هي أنَّ من يؤَّدي تلك العبادة سيحصلُ على فرصة التوبة وتناول القربان، الزاد الأخير، قبل السفر إلى الأبدية. فسألَ : هل يكفي قبول الأسرار الأخيرة ؟ وإذا طرأَ قطعٌ على تسلسل الجُمَع التسع، بسبب سَفَرٍ مثلاً أو عائق آخر، فهل يمكن متابعة التناول، بعد القطع، وإكمال العدد تسعة ؟ أَم أنَّ القطعَ يُبطلُ تلك العبادة و على المؤمن أن يبدأ سلسلة تسع جُمع جديدة، ولا يجوز القطعُ بينها؟.
الأسرار الأخيرة !
يقصُدُ بالأسرار الأخيرة سِرَّي التوبة والقربان المقَّدَس. والتوبة تعني تصفية الحساب مع الله قبلَ الموت بالتوبة. والتوبة تعني الندم على الأفعال السَّيئة والخطايا، والأعتراف بها أمام الكاهن ونيل حَلة الغفران عنها والقصد بعدم العودة الى تكرارها. والقربان يعني تناول جسد المسيح قبل الأنتقال الى الحياة الأبدية. ويُسَّمَى” الزوادة الأخيرة”، أي قوت الطريق الى السماء. وهذا يعني أنَّ المُحتَضِر يضع نفسَه في موقفٍ سليم على رجاء ألا يخسرَ الحياة الأبدية. فالتوبة والتناول يسندان الجهاد الأخير للمُحتضِر حتى لا يفقدَ رجاءَه ولا ييأس من رحمة الله. فالأمر يَخُّصُ إنسانًا يحتَضِر على وشك مفارقة الحياة الأرضية. وليس بوسعه أولاً أن يفعلَ أكثرَ من هذا. وثانيًا هذه هي الزوادة الأخيرة التي تُسَّلِحُه بها الكنيسة فتقَّدم له العون الممكن للعبورالسليم الى حياة الخلود. والتوبة مع قوت الله كفيلان بحمايتِه من تجربة اليأس والقنوط وتغليبِه على العدو الشرير. لكن هذا لا يعني أن المَّيتَ ينتقلُ حالاً الى السماء. بل يعني أنَّ التائب بصدق والمُتزَّودَ بإيمان بقوت الرب لن يهلك حتى لو بقيَ عليه دينٌ ما للتكفير عن كلِّ الخطايا بالشكل المطلوب. وهذا يوفيه في المطهر، ثم ينتقل الى رؤية الله وجهًا لوجه. و لهذا إذا لم يمُت المحتضر بل عاشَ فترة زمنية أخرى، فعند ساعة الموت يحتاج من جديد إلى الأسرار الأخيرة. لأنه لربما أخطأ وضعفَ إيمانه بعد إنتعاشتِه الأخيرة. و سُمِّيتْ بـ ” الأخيرة ” لأنها تكون آخر فعلٍ يقوم به قبل الموت.
الجُــمَع التســع !
أما عن الجُمع التِسعَ الأُوَل من الأشهر بالتوالي فلم يتطرق الوعد إلى حالة حصول القطع فيها. لكن الطلب واضحٌ وصريح : ” جمع أشهر متتالية”. وهذا قد يحتاجُ الى تضحيةٍ أو أقَّله الى تنظيم مُسبَق لضمان أداء تلك العبادة كما هو مطلوب. من كل بد عرفَ يسوع قبل أن يُبَّلغ القديسة مرغريت ألاكوك بالوعود الأثني عشرة، ولاسيما الوعد الكبير، بأنَّه تحدُث أحيانًا مُعَّوقاتٌ عسيرة يصعبُ على العباد أن يتغَّلبوا عليها. لكنه لم يشأ أيضًا أن يتغافلَ المؤمن ويُهملَ السهر والجهاد من أجل الحياة الأبدية. كما لم يشأ أيضًا أن يكون المؤمن ، طوال حياتِه، طفلا لا دور له في الحياة. بل يريدُ أن يكون رسولا له ومُجاهِدًا مثله من أجل الحياة. أراد منه أن يحملَ صليبَه ويقتفيَ آثاره حتى الجلجلة. لذا على المؤمن أن يتقيَّد بوعي وإيمان وتصميم بمطلب يسوع. ويحسبَ حسابه قبل أن يبدأ بتلك العبادة. وأن يُتابعها بجهاد، أي يعمل كلَّ ما بوسعِه حتى يكَّملَ مقصَدَه. طبعًا إنه لأَمرٌ مفهومٌ أنَّ الرَّبَ لا يُكَّلف أحدًا و لا يسمح لأبليس أن يُجَّربَ أحدًا فوقَ طاقتِه، “بل يهبكم مع التجربة وسيلةَ النجاةِ منها و القدرةِ على آحتمالها” (1كور10: 13). فعلى المؤمن أن يُحاول كل إمكانياتِه : أولا أن يتجنَّب الظروف التي تمنعه من إتمام عبادتِه ، مثلا عدم السفر في تلك الأشهر التسعة. أو ضمان وجود كنيسة وكاهن وقداس حيث يذهب فيقدر هناك أن يعترف ويتناول. هذا في الوضع الطبيعي. أما عند حدوث وضع طاريءٍ يُعيق العبادة، فيتصَّرفُ العابدُ بما يتوفرُ له. مثلا عند دخول المستشفى أو الحجز الأجباري، يمكن دعوة كاهن يحضر فيُعَّرفُه ويناوله. وفي أية حالةٍ وقع فليتصَّرفْ بأفضل شكل يمكنه حتى لو إحتاج بتكليف أهل أو أصدقاء لمساعدته على ذلك. زبدةُ القول ألا يتكاسل أو يتماطل في تكميل مقصده بل متابعة ما بدأ به. النية الحسنة وآستقامة القلب مطلوبان في كلِّ الأحوال وقبل كلِّ شيءـ حتى في الوضع الطبيعي.
فإذا حاولَ المؤمن التغَّلُبَ على كل المعوقات و وقع رغم ذلك قطعٌ في الجُمع، فأنا برأيي يمكنه أن يتابع عبادته ويُكَّمل العدد تسعة من الجُمع كما لو لم يحدُث القطع. وهنا يبقى هو المؤمن صاحبَ القرار، بنزاهةٍ وآستقامةِ الضميرٍ، في ما إذا له هو تقصيرٌ سبَّبَ القطعَ أو لم يتحَّداه، وكان بإمكانه ذلك، أو كان القطع ضدَّ إرادته وفوق طاقةِ التغَّلب عليه. الله أبٌ عليمٌ ” يفحصُ الكلى والقلوب” (مز7: 10)، ورحيمٌ يحُّسُ بمعاناة أبنائه، فلا يحاسبُهم مثل البشر، بل يتعاملُ معهم بصفته الخالق. لا نقدر أن نغُّشَ الله، بل بنقاء القلب وصفاء النية نحكم بأنفسِنا في ما نعملُه ، ونثقُ برحمةِ الله. في كلَّ الأحوال من الأفضل دومًا إستشارة كاهن الرعية، كلَّ حالةٍ بوحدها، في متابعة تكميل الجمع أم بدء سلسلة جديدة، للأطمئنان ولراحةِ الضمير.