أهلا وسهلا بالأخ أيـاد أيـوب.
كتب الأخ أياد عن ” فيض النار من قبر السيد المسيح بشكل إعجابي” فأضاف أسئلته : ” لماذا هذا التأريخ بالذات ؟. لماذا يدخل بطريرك الروم الأرثذوكس وليس رئيس أساقفة الأرمن إلى القبر كلَّ عام ؟. لماذا لا تشارك جميعُ الطوائف المسيحية في هذا الحدث ؟. وبالتحديد الطائفة الكاثوليكية ” ؟.
التأريخ !
يحدثُ الأمر لأنَّ السبت عشية القيامة يُعرفُ بِـ” سبت النور” بسبب عماد الموعوظين في ذلك اليوم لأنَّ المعمودية ” عبور من ظلام الخطيئة الى نور الحياة”. وكانت تقام في القدس ، في الكنيسة الكبرى، رتبة النور. كان ” الأسقف يُشعلُ النور ويرتل المزمور 113. ثم آنتقلت صلاة رتبة النور الى قبَّة القيامة حيث قبر المسيح. ثم صار نور السبت يرمز الى المسيح نفسه ” نور العالم”. يأخذ البطريرك النور من القبر المقدس، يشعلُ شمعته من قنديل القبر, وعند خروجه يرتلون اشعيا ” قومي آستنيري فقد وافى نورك، ومجد الرب أشرق عليك”(اش60: 1)، ويشعل البطريرك شموع المؤمنين ويذهبون إحتفاليًا من قبة القبر الى الكنيسة الكبرى. إعتبر الشعبُ النور نازلاً من السماء. وترددت روما في قبول هذه رتبة النور” (كتاب : روعة الأعياد، للأب منصور المخَّلصي، 1984).
بتاريخ 18/ 4/ 2020 كتب عن هذا النور مراسل مجلة National Geographic و أعطى معلومات مفيدة. قال:” سنة 1009م هُدمت كنيسة القبر على يد حاكم المنطقة، لأنَّ حاكم اورشليم المسلم غضبَ على ” الغِشِّ الذي يقعُ في نار القيامة السنوية”. وسنة 1238م أيَّد البابا غريغوريوس الـ 9 وقوع الغش في إلأدّعاء بعجوبية النار فمنع أتباعه من الإشتراك في الإحتفال بها “.
ما يجري اليوم في القدس !
أنقلُ خبرًا شاهدته وسمعته من فيديو يوم 19/ 4/ 2020. كنت أتابع ضجَّة أخبار” النار المقدسة” بسبب كثرة الأسئلة عنها، والبدء بنقلها بالطائرات الى بلدان أخرى. ظهر كاهنٌ يوناني من قدس يشهدُ لنور سبت القيامة ويلومُ المُشَّككين فيها، لاسيَّما من كاهن كاثوليكي صديق له. قال:” قبل السبت بثلاثة أيَّام تأكَّدَ الجيشُ الإسرائيلي من خُلُّوِ قبر المسيح و الفضاء حواليه من كل انسان. وسَدَّ باب الكنيسة وختمه بالشمع. ليتأكد الناس ان النور آتٍ من السماء بمعجزة. تقاطر الناس يوم السبت أمام الكنيسة والجنود يحرسون الباب. حضر الأسقف والمسلم حافظ مفتاح الكنيسة والعضو الأرمني لمراقبة العملية وتأكدوا من سلامة الأبواب وفراغ الكنيسة. ثم دخل الأسقف القبر ليصَّلي ليرسل الله النار العجائبية. وعاين العالمُ كلُّه تلك النار عندما خرج الأسقف من الكنيسة”. ولم يذكر كيف آشتعلت شمعة الأسقف!!.
وآنهالت الأسئلة : إذا كانت النار من السماء لماذا لا تظهر ايضًا في عيد الكاثوليك؟. هل الله منحاز؟. ما دخل القوات الحكومية بهذا الأمر وهو إيمانيٌّ بحتٌ، ولا تؤمن الدولة لا بالمسيح ولا بالمعجزات؟. لماذا هذا الحرص الشديد أقفال وأختام وحرّاسٌ؟. ومن يدري ماذا جرى داخل قبة القيامة من وراء الأبواب المقفلة، وهناك باب داخلي خاص بخدم الكنيسة ؟. الدعاية والإعلام خارج الكنيسة هو : أيَّدَ اللهُ صحة عيد الأرثذوكس ونبذ عيد الكاثوليك. التقويم الشرقي صحيحٌ ، تبعناهم في الميلاد ليتبعونا في القيامة؟.
هكذا أُخذت تلك النار المُسَّماة بـ” العجائبية ” منحى زرع التفرقة بين مختلف الكنائس المسيحية، وبالتالي تسخيف الأيمان المسيحي ونسفه. في حين سبب إختلاف موعد العيد هو التقويم اليولياني الخاطيء علميًا.
بطريرك الروم ! أو الأرمن ؟
تعيش كنيسة القبر بالذات حالة ” الوضع القائمStatus quo ” أي تحت نظام بروتوكولات قررته الدولة العثمانية المتسلطة. بسبب رغبة كل كنيسة أن تمتلك كنيسة القبر، تنازعوا بينهم فقسمَّت الدولة مواقع سلطة كل واحد وأيام مسؤوليته وأوقات إستعمالها كي يسود السلام. فالأرمن والأقباط يشتركون مع الروم في بعض المسؤوليات والحقوق لكونهم أرثذوكس. وللكاثوليك أيام خاصة للخدمة وأقسام خاصة من الكنيسة. ويبدو ان الروم أكثر سيطرةً أو عددا فنفوذًا. فلا أحد يتجاسر ان يتنازل عن حَّقٍ ولو ليوم لئلا يُحرم منه بعده نهائيًا. ولا أحد يُطالبُ بزيادة نفوذٍ فالدولة الحاكمة هي السلطة. ويبدو من الأحداث أن الوضع القائم لن يتبدل لأنه يخدم التقويم الخاطيء.
أما أن يشترك الجميع في إظهار النور العجائبي فليس الكل مقتنعًا بصحة الإعجاز، و منهم من يرفضُ الضجَّة المفتَعَلة والإعلام العنيف لفرضِ الأيمان بالمعجزة، حتى لو كان الحدث صحيحًا، ومنهم ، لاسيَّما الكاثوليك ، يشُّكون بالإعلام ومقتنعون بوقوع غِشٍّ في الأمر، لأنَّ الأسقف يقدر أن يشعل شمعته من قنديل القبر. ولعبة الفسفور الأبيض الذي يشتعل من ذاته لا تنطلي اليومَ على أحد.
كما عرفنا انْ سبق ومنع البابا أتباعه من الإشتراك في الإحتفال بالنار المقدسة في القدس. لأنَّ الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية لها رتبة نورالقيامة وتحتفلُ بها بدون ضجَّة أو إعلام سياسي أو طائفي. أنا نفسي قد حضرتُ بل وأقمت تلك الرتبة عشرات المرَّات في سبت النور إحتفاءًا بالقيامة لجماعات لاتينية. تقام الرتبة في بداية القداس في حوش الكنيسة حيثُ تُهَّيأُ نارٌ في منقل كبير وتُجلبُ شمعة كبيرة خصّيصة ، يباركُ الأسقف النار وينقش الشمعة برموز السنة، و إضاءَة الكنيسة منطفئة، ثم يشعل المحتفل الشمعة من تلك النار الجديدة قائلاً :” ليُبَّددْ نورُ المسيح القائم بمجد ظلماتِ القلب والفكر”. يحملُ الشماسُ الشمعة ويرفعها مرتّلا ” المسيح نورُ العالم”. يرُدُّ عليه الشعب ” الشكر لله “. ثم يطوفون بآتّجاه المذبح و الشماسُ يكررُ عبارته والشعب يردُّ عليه. ومن تلك الشمعة الكبيرة الجديدة يُشعلون شموع المذبح. وتبقى قائمة بجانب المذبح، طوال السنة، مشتعلة أثناء كل قداس مُذكِّرةً بالمسيح النور الحقيقي للعالم.