أهلا وسهلا بالأخ نجــاد بوداغ
سأل الأخ نجاد عن: ما هو حكمُ المتوفي الذي لا يُصَّلون الجناز عن روحِه ، بل فقط تـرانيم ؟
ما هو الجــناز ؟
إنَّه رتبةٌ دينية تجريها الكنيسة من أجلِ المَيْت، عند دفنه أوبعدَه، ترفعُ فيها الصلوات و تُشفعُها بتأملاتٍ روحية وقراءاتٍ من الكتاب المقدَّس لتُقَّويَ رجاءَ المؤمنين بالحياة الأبدية وتؤَّكدَ لهم أنَّ الميت لم يُمحَ من الوجود بل مازال حيًّا. والحَّيُّ يشعرُ بالراحة أو بالضيق. و بما أنَّ الأحياءَ، لاسيما من قرابة الميت، يتألمون لهذا الفراق ولا يعرفون المصير الثابت و الأكيد لفقيدهم فتدعوهم فقرات الجناز الى تحَّدي مصيبتهم بثقتهم بالله أنه يجازي الميت عدلاً ويُشركه في راحتِه التي وعدَ بها للمؤمنين به والسالكين طريق المحبة في الحَّق والبر . فتشَّجعهم على الصبر والعزاء وترك حملهم عند الرب. كما ترفعُ الأدعية الحارة الى الله ألا ينظر الى أخطاء الميت ونقائصه بقدر ما يستعمل معه رحمته الواسعة بحَّق دمه الذي سفكه من أجل خلاص البشر.
ورتبة الجناز تحوي أيضا على ترانيم وهي إما مزامير مُرتَّلة أو تعليمًا إلَهيًا أو أدعيةً. إنَّ الترنيم يرفع النفسَ في الأجواء الروحية نحو الله فيُخَّففُ من ثقل ألم الفراق الجسدي. وكلُّ شيءٍ في الرتبة مبنيٌّ على الأيمان بالمسيح وبالحياة الأبدية وطلب الراحة للميت ولذويه. الجناز يأتي في مرتبة لاحقة للوفاة. ويُجرَى على أساس العلاقة بيننا وبين الميت من جهة ومن أخرى بيننا وبين الله. علاقتنا بالميت هي أننا نشترك مع بعضنا في الحياة بالمسيح. إننا كلنا أعضاءُ في جسم المسيح الواحد ألا وهو الكنيسة. وكلنا مدعوون الى مقاسمة الحياة الأبدية سويةً مع الرب. بالأضافة إلى أننا تقاسمنا حياة الأيمان بنيل الأسرار الألهية نفسها. لذا نحن واحد بالمسيح في السَّراء والضَّراء. وعلاقتنا بالله أيضا مبنية على ايماننا ورجائنا. وكما نعيشُ على الأرض حياة جماعية مشتركة وحياة فردية خاصَّة بكل واحد منا هكذا بعد الوفاة يعيش الموتى حياة مشتركة بينهم ومع الله ومع الأحياء بواسطة يسوع المسيح الواحد الذي هو ملك السماء والأرض، نور الأحياء وعزاء الموتى.
الوفــاة والمحاسبة !
لما كان يسوع على الصليب إسترحمَه لص اليمين فقال له :” اليوم تكون معي في الفردوس “. وعده وضمن له الراحة الأبدية. أما لص اليسار فلم يتمتع بنفس الأمتياز. لأنه لمْ يُبدِ الندامة على شروره ولا سألَ مثل رفيقه الرحمة. وإذا لم يخلص، لم يرتح مثل رفيقه، فقد نال مصيرًا مغايرًا للراحة. هذا نعرفه. أما عن أمواتنا فلا نعرفُ مصيرَهم الأبدي. نعرف فقط من الأنجيل، من مثل العذارى ـ متى25: 1-13، أنَّ المَّيت يتحَدَّدُ مصيرُه ساعة الوفاة. والتعيسُ الحَّظ لا يقدر أن يفعلَ لنفسِه شيئًا. أما بالنسبة الى سعيدي الحَّظ فنعرفُ، أيضًا من الكتاب ـ متى5: 25-26 و1كور3: 15، انَّ بعضَ الخالصين لا يتمتعُّون حالَ وفاتِهم بالنعيم الأبدي بسبب عدم التكفير العادل عن الخطايا المغفورة وبالتالي عدم الأستعداد المطلوب لمواجهة قداسة الله، وجهًا لوجه ـ 1كور13: 12، فيحتاجُ ذلك الشخص الى تطهيرٍ. وبما أنه لا يقدرأن يقَّللَ من دينِه ويجتهدَ لتخفيفِ حكم التطهير ومدَّتِه، فتُقيمُ الكنيسةُ الصلاة، الجناز، عن روحِه مُتشَّفعَةً له بحَّق آلام المسيح ودمه المسفوك تكفيرًا عن خطايا البشر. وهذه الشفاعة هي من صلب رسالة المسيح وتعليمه، هو الذي تشَّفعَ من أجل كلِّ البشر، الأموات بالخطيئة، من آدم وإلى آخر إنسان يولد على الأرض، وسَلَّمَ رسالة شفاعتِه الى الكنيسة لتتابع عملَه الفدائي الا نهاية العالم.
الجناز أم الترنيم ؟
مصيرُ المُتوَّفي لا يتوَّقفُ إذًا على الجناز أو الترنيم. بل يتقَّرَرُ على ضوء أسلوب الحياة التي عاشها والأعمال الفاضلة التي قام بها لأنَّ الدينونة والمحاسبة تقوم على الأعمال :” بماذا يفدي الأنسانُ نفسَه ؟ سيجيءُ ابنُ الأنسان في مجدِ أبيه مع ملائكته، فيُجازي كلَّ واحدٍ حسبَ أعمالِه ” (متى16: 26-27). إذن يُحاسبُ اللهُ الأنسانَ عندما يموت، وتنتهي فترة أعماله، ويحكمُ عليه بموجبها، أي هل وكم إستثمرَ كلُّ واحدٍ مواهبَ الله له، كما أخبر يسوع في مثل الوزنات (متى25: 14-30). أما الجناز فهو صلاة فقط تتشَّفعُ له إذا كان قد نالَ الخلاص ولكن عليه إيفاءَ ضريبةِ الخطايا التي غُفِرَت له بالتوبة ولم يتألم في الأبتعاد عنها وتقديس الذات وإعادة مستوى البرارة والمحبة الى القياس الألهي. ومثلنا في ذلك لصُّ اليمين الذي إعترفَ بخطاياه وتاب عنها طالبًا غفران الله، وكَفَّرَ عنها بآلام صَلبِه بسببها،: “نحن عقابُنا عدلٌ نِلناه جزاءَ أعمالنا ” (لو23: 41). بالنسبة الى اللص إستطاع أن يتشَّفع لنفسِه وهو بعدُ حَّيٌّ فلم يحتاجْ الى صلاةٍ خاصّة تعينُه. وأيضًا من يموت من الناس وهو في حالة القداسة لا يحتاج لا الى جناز ولا الى ترانيم. ولكن كيف نقدر أن نعرفَ ما في باطن الأنسان؟. لذا تُسعفُه الكنيسة عند الدفن بالدعاء له ، ولاسيما من أجل تقوية ايمان أهله و رجائهم بالحياة الأبدية فالعزاء والأحتفاظ بالسلام الباطني. وكما ذكرنا أعلاه إنَّ الجناز صلوات وترانيم، وانَّ الترانيم هي في غالبيتها إما دعاء لأجل الميت أو تعليمُ عزاءٍ لذويه. إنَّ رتبة الجناز التي تؤَّديها الكنائسُ الرسولية كانت أبسط بكثير مما هي عليه الآن. ربما بدأت بتلاوة أو ترتيل مزمور أو أكثر. وكانت المزامير في بداية الكنيسة هي صلاتَها وترنيمَها ثم تطوَّرت مع الزمن وأصبحت رتبة مُنتَظمة لاسيما في فترة إستقرارِها بعد الأضطهاد. ورُفِدَت بفقراتٍ جديدة أو أُلغيَت لتتوالم مع ظروف الزمن فتُؤَّديَ دورها في مرافقة المَّيِت وأهله لأسعافِ الأول في حاجتِه وتغذية إيمان الأهل ليواجهوا مُصابَهم الأليم بالرجاءٍ في الحياة الأبدية.