أهلا وسهلا بالأخ كروان عــبده.
في نقاش دار بين مؤمنين من طائفتين مختلفتين إختلف المحاوران ، أو بالحري تفَّردَ كلُ واحد منهما بوجهة نظر معَّينة عن المرأة في مسألتين هي: هل يجوز أن تصعد الى المذبح؟ وهل يجوز أن تُعَّلم ؟، لأنَّ الكتابَ المقدس ، في ظاهر النص، يمنعها عن كلا الفعلين. ثم أضاف كروان ما يلي : 1- إذا كانت آراؤُنا خاطئة فما هو الصحيح ؟
2- وعلى ماذا تستند الكنيسة الشرقية الآثورية بهذا الموضوع ؟
الكتابُ المقـدس !
إستند المحاوران الى الكتاب المقدس. فقد جاءَ في الكتاب ، في العهدين القديم والجديد، أنَّ اللهَ قدوسٌ ويطالبُ شعبَه أن يكون هو أيضا مثله قدوس (أح11: 44-45؛ 19: 2؛ متى 5: 48؛ 1بط1: 15؛ 1تس34: 7). وقد إعتبرَ العهد القديم طمثَ الأنثى نجاسة ً(حز22: 10؛ أح 15: 19؛ 18: 19؛ 20: 18). بل إعتبر حتى الولادة نجاسة كالطمث ولهذا منعت الشريعة المرأة الطمث دخول المقدس مدة نجاستها وهي سبعة أيام للطفل الذكر وأسبوعان للطفل الأنثى. وألحقت بها ثلاثة وثلاثين يوما للوالدة أم الذكر وستة وستين يوما للوالدة أم الأنثى (أح12: 2-5). ويجب تطهير المرأة من نجاستها قبل دخول الهيكل.
أما عن منع المرأة من التدريس في الكنيسة فقد جاءَ ذلك على لسان مار بولس حيث يكتب لتلميذه طيمثاوس عن آداب النساء :” على المرأةِ عند التعَّلم أن تحافظ على السكوت بكل خضوع. ولا أجيز للمرأةِ أن تعَّلمَ ولا أن تتسَّلطَ على الرجل” (1طيم2: 11-12). وسبق أن دعا المرأة إلى السكوت وعدم التعليم أثناء الأجتماعات العامة بين المؤمنين(1كور14: 34) . أما عن من أخطأ آدم أم حواء فيقول الرسول :” لمْ يُغوَ آدم ، بل المرأةُ هي التي أُغويَت فوقعت في المعصية “(1طيم 2: 14) وآستنتجَ منها كروان أنَّ ” آدم لمْ يخطأ “!
الكتابُ المقدس أيضًا !
وطلبَ السائلُ ” ما هو رأيي”. أولا : إنَّ الأيمان لا يقوم على آراء هذا أو ذاك. بل يقوم على تعليم الله في الكتاب المقدس بعهديه ، مُفَّسَرًا بقوة الروج القدس من قبل الكنيسة. لأنَّه ” ما من نبوءةٍ في الكتاب تقبل تفسيرا يأتي به أحدٌ من عنده .. لكنَّ الروحَ القدس حملَ بعضَ الناس على أن يتكلموا من قِبَلِ الله “(2بط1: 20-21)، وهو أيضا يُرشدُ الكنيسة ” الى الحق كله “(يو16: 13) ويلهمُها فيذكرها بتعليم الرب يسوع ويفهمها معناه (يو14: 26) ولاسيما خوَّلها أن تعلمَ الحقيقة (متى28: 19).
ثانيا : نقرأ في العهد القديم وكأنَّ اللهَ يُنَّـقلُ موسى كلامه ، وهذا يُسَّطرها كما يفعلُ كاتبٍ في عصرنا. إنَّ الله أوحى مباشرة الى موسى الوصايا العشر. ولتطبيق تلك الوصايا سنَّ موسى الشريعة وكَّثر من قوانينها ليسهلَ فهمها على الشعب الجاهل و”غيرالمؤمن” (تث14: 11).
فالشريعة من موسى كما قال مار بولس ولا تُخلص، فليست مُلزمة :” إنَّ دعاةَ العمل بأحكام الشريعة لُعنوا جميعا.. وأما أنَّ الشريعة لا تبَّرُ أحدًا عند الله فذاكَ أمرٌ واضحٌ.. لأنَّ الشريعة لا ترجع بأصلها الى الأيمان” (غل2: 16؛ 3: 10-13). ومار بولس أكَّدَ قولَ الرب يسوع :” موسى أعطاكم الشريعة “(يو7: 19-23؛ لو2: 22).
قيـلَ لكم … أما أنا فأقـولُ لكم !
وأكدَّ يسوع أنَّ تلك الشريعة كانت ناقصة فجاءَ يكملها (متى5: 17)، أى يفَّسرُ معناها الحقيقي ، ثم يدعو الى التمسك بروحها وليس بحرفها كما فعل اليهود وآقتدى بهم آباؤُنا القدامى (رم9: 31-32). وهكذا أعلن يسوع بشكل رسمي :” سمعتم أنه قيلَ لكم .. أما أنا فأقول لكم .. وهكذا ذكر متى من جملة ما ذكر ستة مواضيع غيَّرَ يسوع مفهومها ، منها ” العين بالعين ..و محبة القريب وبغض العدو “(متى5 : 21-48). لا فقط فعل ذلك يسوع شخصيا ولكنه خوَّلَ أيضا كنيسته سلطانه وصلاحياتِه في التغيير فقال :” ما حللتم .. أو ربطتم على الأرض يُحَّلُ ويُربطُ في السماء “(متى16: 19؛ 18:18؛ يو20: 23) ، وأضافَ بأن من لا يسمع منهم يكون يعصى اللهَ نفسَه (لو10: 16؛ متى10: 40).
وتصَّرفَ الرسلُ ، والكنيسة من بعدهم عبر الأجيال، على ضوء هذا التعليم. فغَّير الرسل ُ السبت بالأحد، والختانة بالمعمودية، واللاويين بالشمامسة الأنجيليين. كما لم يبقَ طعامٌ حرام. بل كله مسموح (أع10: 13)، ويتقدس بالصلاة (1طيم 4:4).
الروحُ يُحيي ، أما الحرفُ فيميت !
والكنيسة أيضا تأملت كلام المسيح وآفتهمته بقوة الروح القدس الذي يستمرُ،عبر الأجيال، ويكشفَ الحَّقَ كله ، فرأت أنَّ كلَّ ما خلقه الله هو حسن (تك 1: 31؛ 1طيم4: 3). واللهُ هو الذي نظَّمَ الدورة الشهرية عند الأنثى ، وهو الذي بحكمته نظمَ ولادة الأنسان فكيف يكونان نجسين ؟. ثمَّ لم يمنع حتى ولا موسى الأنثى من الصعود الى المذبح طوال حياتها بل فقط فترة ” نجاستها “. وما أن تتطهَّر منها تعودُ الى حياتها الطبيعية. فبأي حَّق ، وما هو المبرر حتى نحن المسيحيين ، وبعد الفي سنة ، نكون أفسى من موسى ولا نتعلم الدرس من الرسل ونُنَّجسُ ما طهَّره الله “(أع 10: 15)، ونمنع المرأة من دخول المذبح؟. أ ليس المذبح مكان تقدمة ذبيحة يسوع ؟. ومن كان واقفا على مذبح الجلجلة غير النساء “مريم أم يسوع ، مريم المجدلية ، ومريم أم المدعوين إخوة يسوع ” (يو19: 25)؟. المطلوب منا ان نكون قديسين (1تس4: 7) وليس أن نطبقَ شريعة موسى!.
من أُغويَ و من أخطـأ ؟
ذكر مار بولس أنَّ الرجلَ لم ” يُغوَ” ، بل المرأة. ولكن لم يتحدَّث عن من أخطأ!. مار بولس هنا بصدد تثبيت النظام وآداب المرأة ،كما يفعل في كل الكنائس (1كور11: 16؛ 14: 40) ويذكرها بما سَّنه هو وليس المسيح وبلَّغه المسيحيين” كتابة أو مشافهة “(2تس2: 15؛ 1 كور11: 2)، حسب متطلبات الرسالة في عصره وكيف تشاركُ المرأة الرجلَ في نقل بشارة الأنجيل. فهو ليس هنا بصدد حقوق المرأة الأيمانية. فلم يكتب بولس هذا فقط. بل لقد تحَّدثَ أيضا عن مساواة المرأة بالرجل (غل3: 28). وأكَّدَ بأنَّ مسؤو لية الخطيئة الأصلية تقع على عاتق الأنسان الكامل أي الذكروالأنثى معا (رم5: 12-19). فإن كان الشيطان إتصلَ بحواء ليغويَها فلأنها لم تكن هي قد تلقت الوصية فكانت أسهل على الإغراء ، وكان أسهل عليها ، بلطفها ودلالها، أن تغويَ بدورها آدم. ولكن لمْ تتعَّرَ عندما أكلت. ولم يعترض عليها آدم. بل إنغرى بدوره بتمليق الشيطان وأكل. وعندئذ فقط إنفتحت أعينهما وآفتهما أنهما قد تعَّريا من نعمة حضورالله. وكان عتاب الله له وقصاصه انه لم يمارسْ دوره القيادي ، بل تخاذل وسمع لزوجتِه (تك3: 1-17).
ربما للمرأة عذرٌ لأنها لم تسمع مباشرة أمرَ الله. وقد يكون آدم أخفى عنها شيئا. فهي فقط الباب الذي منه دخل الكذاب. فلو لم يخالف آدم أمرالله لما كان فعل حواء إثمًا يقع مفعوله على كل الانسانية. لكن الرجل أخطأ. ولهذا قصاص حواء خفيفٌ جدا مقارنة بعقوبة آدم. هي تخضع فقط للرجل. أما الرجل فقد خسرَ النعيم الذي كان يتمتع به ويتألم في مسيرته الأرضية. هذا ما حدثَ في الخِلقةِ الأولى.
المسيحي خَـلقٌ جديد !
لقد تجَّددت الخليقة في المسيح (2كور5: 17). وفي الخِلقة الثانية،على الجلجلة وفي القيامة، ترى دورالمرأة بنَّاءًا في حين تخاذلَ الرجال. المرأة واقفة تحت الصليب ، والمرأة أول من تراءَى لها يسوع ، والمرأة أول من بشرت بقيامةِ المسيح. ولا فرقَ بين التبشيروالتعليم. و إن كان بولس قد فرض نظام إظهارالمرأة في الكنيسة خضوعها لزوجها، فهو نفسه ايضا يعلمنا بأنَّ نساءًا إشتركنا في “إيضاح دين الرب إيضاحا تاما “(أع 18: 16) لمن جهلوه ، كما ذكر قائمة بنساءٍ تعاونن معه في البشارة (رم16: 1-15). وأهم من ذلك أنه كشفَ لنا أنَّ الرسل كانت ترافقهم نساءٌ مؤمنات معاونات في الخدمة ، قائلا :” أما لنا الحقُّ في أن نستصحبَ إمرأة مؤمنة كسائر الرسل وإخوة الرب وصخر” ؟(1كور9: 5).
وهكذا عندما نطّلع على الكتاب كله عندئذ نرى الأمور بشكل أوضح وأصح. ولهذا يكون رأيي أنا رأي الكنيسة كلها ، وكما جاء في العهد الجديد، أنَّ المرأة ليست نجسة حتى تحرم من دخول المذبح ولا هي قاصرة حتى تُمنع من التعليم. والخدمة التي تؤديها الراهبات خاصة في التعليم هي موضوع فخر وآعتزاز. ويَسُـدن شاغرا لن يقوَ عليه غيرهن. وكل راهبة ليست سوى ” أنثى ” دعاها الله الى خدمةِ كنيستِه. وما يمكن للراهبة أن تؤديه كونها إمرأة تقدر أن تؤديه مثلها أية إمرأةٍ كانت. والكنيسة هي التي تنظم خدمتها كما تنظم أيضا خدمة الرجل.