أهلا وسهلا بالأخ عمــاد.
قـرأ الأخ عماد في الأنترنت عن أنَّ الكتابَ المقدس مليءٌ بالتشاؤُم ولا تفاؤُلَ فيه. فسألَ :
1- هل هـذا صحيح ؟ وكيف يمكن ذلك ؟
الفـألُ والتفــاؤُل !
يقولُ المثل :” تفاءَل بالخيرِ تجـدُه”. لكنَّ سائلي قرأ في الكتاب :” لا تتشاءَموا من شيءٍ ولا تتفاءَلوا بهِ “(أح19: 26). وكملها بما جاءَ في سفرِ التثنية :” لا تمارسوا ما تمارسُه الأمم من الرجاسات. لا يكن بينكم من يُحرقُ ابنَه أو إبنتَه ذبيحةً في النار، ولا من يتعاطى العَرافة ،ولا الشذوذ، ولا الفألَ ولا السحرَ، ولا من يرقي رِقيةً، ولا من يسألُ جانا أو تابعة، ولا من يستشيرُ أرواحَ الموتى. هذه كلُّها رجسٌ عند الربِ إلهكَ “(تث 18: 10-12). و النص الذي قرأه في الأنترنت كان مختلفا بعضَ الشيء. فعوضًا عن ” ولا الفأل ” جاءَ ” ولا التفاؤُلُ “. وكأنَّ التفاؤُلَ مُحَّرَمٌ على المؤمنين بالله.
إنَّ المفهومَ الشعبي لمعنى ” التفاؤُل ” أنه ضد ” التشاؤُم “. في التشاؤُم تكون الصورة قاتمة تقود الى الإحباطِ واليأس. وقد حُسبَ حضورُ بعض الطيور شُؤما ينذرُ بخسارةٍ وخرابٍ و موت. وكذلك بعضُ الأرقام. فإنَّ الرقم 13 هو عند بعض الشعوب، والرقم 17 عند غيرها ، جالب شؤم وضيق. أما التفاؤُلُ فيُعطي صورةً مريحة و أملاً في حصول خير يتمناهُ صاحبَ الشأن. فالمتفائلُ ينظرُ دوما من زاويةٍ إيجابية مُشَّجعة ويتطلعُ دائما الى الخير الذي يمكن أن يحصل.
الفألُ يعني << الخير >>. والتفاؤُل يعني << توَّقُع الخير>>. والفئالُ << لُعبةٌ للصبيان يدفنون شيئًا في كومة تراب ، ثم يقسمونها الى نصفين ، ويسألون الفريق الغريم عن الدفين في أيهما هو>>. انها لعبة ” إحزر” مثل المحابس قد تلعب للهو وقد تُستعملُ لآمتحان الحظ.
جاءَ في الحديث ” أنه يُحّبُ الفألَ ويكرهُ الطِيرَة “. ويعني أنه يُفّضلُ ان يتمنى المرءُ ويتوقع خيرًا. في حين يكرُه أن يتشاءَم المرءُ ويُجَّربَ حَّظه بائسًا. وقد أخذت كلمةُ الفأل بُعدًا سلبيا كما ذكر الكتاب بمعنى أن الناس يُجَّربون حظهم لقراءةِ المستقبل و معرفةِ المصير، بطرق سحرية وبالأتصالِ بقِوىً خفية وليس بالأتكال على اللـه. وقد حَّذر منه الكتابُ في الشواهد المذكورة.
الكتابُ المقدس والتفـاؤُل !
يبدو أنَّ المقال الذي قرأه السائلُ في الأنترنت يُحاولُ أنْ يُعطي عن الكتاب المقدس صورة تشاؤمية إذ بَّدَل كلمة الفأل ، التي يرفُضها الكتاب في شكلها السلبي ، بالتفاؤل بحيث يبدو للقاري بأنَّ الكتابَ يرفضُ شكلها الأيجابي. كأنه يُحَّرمُ بذلك على المؤمنين أن يتفاءَلوا خيرًا. نسيَ أنَّ الكتابَ المقدَّس ، من بدايتِه والى نهايتِه، رسالةُ أمل وخلاص للأنسان. أولَ ما سقطَ الأنسان فخافَ وآختفى من وجه الله وعدَه الله بأن ينتقمَ له من الحية فيسحقَ رأسها ويستعيدَ إمتيازه في صداقة الله والتمتع بخيراتِه (تك3: 15 ؛ رؤ12: 5). وبعدَ الطوفان يُعطي اللهُ البشرية أملا جديدا بالحياة وأعطاهم فألَ عدم حدوث طوفان آخر وعلامته ” القوسُ والقزح ” (تك9: 11-13). ولأبراهيم يتعَّهدُ الله بالبركة (تك12: 2-3). ولموسى يقول الرب :” نظرتُ الى معاناةِ شعبي.. سمعتُ صُراخَهم من ظلمِ مسَّخريهم وعلمتُ بعذابِهم فنزلتُ لأنقذهم ..وأُخرِجَهم الى أرضٍ رحبةٍ تدُّرُ لبَنًا و عسلاً “(خر3: 7-8).
ويفتتحُ العهدُ الجديد صفحَته بالخبر السار:” تباركَ الرب .. لأنه إفتقدَ شعبَه وآفتداه ، فأقامَ لنا مخَّلصًا قديرًا.. كما وعد من قديم الزمان ..خلاصا لنا من أعدائنا، ومن أيدي جميع مبغضينا ..حتى نعبده بلا خوف.. طوالَ أيام حياتِنا “(لو1: 68-71). وهذه الخيرات والبركات ليست للحياة الأبدية بل للزمنية على هذه الأرض. لأنَّ التفاؤُل بالخلاص يشمل الحياة منذ تجَّسدِ المخلص ،” ..أنا أبَّشركم بخبر عظيم يفرحُ له جميعُ الشعب : ولد لكم اليوم مخَّلصٌ هو مسيحُ الرب ..المجد لله في العلى وعلى الأرضِ السلام ..” (لو2: 10-11، 14). ولم تكن وعود الرب كلها متعَّلقة بالحياة الأبدية بل شفى المرضى وأقامَ الموتى وأشبع الفقراء وقال عن توبة زكا :” اليومَ نال الخلاص هذا البيت .. ” وأضاف ” لأن ابن الأنسان جاءَ ليبحثَ عما كان هالكا ليُخَّلصَه (لو18: 9-10). ولما سأله الرسل عن إستحقاقِ إتّباعِهم له أجابهم يسوع :” الحقَ أقول لكم : ما من أحدٍ تركَ بيتًا أو إمرأةً أو إخوَةً أو والدين أو بنين من أجل ملكوتِ الله ، إلا ونال أضعافًا في هذه الدنيا ، ونال في الآخِرة الحياةَ الأبدية “(لو18: 28-30 ؛ مر10: 28-30). ملكوتُ الله ليس في السماء فقط بل على الأرضِ أيضا. لأنَّ رسالة الخلاص موَّجهة الى الناس الأحياءِ في الجسد وليس الى الأموات.
والشهادةُ ليسوع تكتملُ على الأرض. ورسل المسيح العاملين في كرم الرب يستحقون أجرهم على الأرض (لو10: 7)، وبعضُهم أجرًا مضاعَفًا (1طيم5: 17). لأنَّه هكذا ” قضى الله للذين يُعلنون البشارةَ أن ينالوا رزقَهم من البشارة “(1كور9: 14).