من هــوَ ؟
هو القدّيس أفرام المًكَّني بـ ” شمسِ السُريان ، وكِنّارةِ الروح “. تحتفلُ الكنيسة الجامعةُ بتذكارِهِ في ذكرى وفاتِه يومَ تسعة حزيران 9/ 6، بينما تُعَّيدُ له الكنيسةُ الكلدانية في الثامن عشر من حزيران. وهو أشهر وأغزر الكُتّاب الآراميين ومن المُعَّلِمين البارزين في الكنيسة ، وقد أعلنه البابا بنِديكتوس الخامس عشر، سنة 1920م، مَلفـانًا للكنيسة الجامعة.
وُلِدَ أبْرِمْ { ܐܲܦܪܹܝܡ بالآرامية من فعل ܐܲܦܪܝܼ أَبْري ويعني أَثمَرَ، أَفرايِم بالعبرية وEphrem باللغات الأوربية }، سنة 306م في نصيبين الواقعة مقابل مدينة قامشلي السورية إنَّما وراءَ الحدود داخلَ الأراضي التركية ، من أُمٍّ مسيحيةٍ وأبٍ وثنيٍّ إهتدى ، في شيخوختِه ، الى الأيمان المسيحي وآستشهدَ مع زوجتِه في زمن إضطهاد شابور الثاني مَلك الفرس.
لم يعِشْ أفرامُ طفولةً مسيحية بسبب دين والدِه. وآعتمد فقط سنة 324م وهو في سِنِّ الثامنة عشرة. تتلمذ على يد مار يعقوب أُسقف نصيبين الذي عيَّنَه بعدَه مُعَّلِمًا في مدرسةِ الكنيسة التي تأَسَّسَتْ سنة 325م ، ثم إستلمَ مسؤوليةَ إدارتِها وآستمَّرَ في ذلك حتى وفاتِه.
إِشْتَهَرَ أَفرامُ بقداسةِ سيرتِه، وسُمُّوِ معارِفِه وعُمقِ إيمانِه وقُوَّةِ ذكائِه، ولاسيما بتواضُعِهِ و فقرِهَ. رفضَ أن يُسامَ كاهِنا. ظلَّ يخدمُ الكنيسةَ طوالَ حياتِه كشمَّاسٍ إنجيلي : يُعَّلمُ ويُؤَّلِفُ و يُؤَّسِسُ جوقَ المُرَّتلين والشمامسة أمام الرب ويُدَّربُهم على أَداءِ الألحان الدينية، كما فعلَ داودُ في زمانِه (1أخ25: 1-31). وهكذا كان أَفرامُ رائدًا في تأسيس جوقات الترتيل في القداس والمراسيم الطقسية الأخرى، بينما كان البطريرك شمعون برصَبَّاعى رائِـدًا في تنظيم الترتيل، لاسيما في توزيعه على جوقتين متقابلتين عند الأداء (المجدل، ماري، روما 1899م، ص17). وقد سَمَّى القديسُ يوحنا فمُ الذهب أَفرامَ، وبحَّق، ” كِنّارةَ الروح ” لِما أَتحَفَ به كنيستَه من مؤَّلفاتٍ لاهوتية وروحية وكتابية ومقالات.
إِشْتهرَ أَفرامُ أيضًا بتأليف الألحان الكنسية. وبعضُها يُستعملُ إلى هذا اليوم. سبقَه برديصان بتأليف الأغاني التي حواها آراءَه الضّالة والفاسدة. شُقَّ ذلك على أفرام. ولمَّا علم بوجود نسخةٍ من ترانيم برديصان عند إمرأَةٍ من قرابتِه، يُعتَقد أنَّها أُختُه، طلب منها المخطوطة.
إستجابتْ لطلبِه شرطَ أن يستجيبَ لطلبها، ورغبتها الشِّريرة ضِدَّ مباديء العِفَّة المسيحية. وافَقَها القِدّيسُ رغبتَها عَلنًا، لكنَّه أضمرَ في قلبِه شيئًا آخر. أَخذَ منها الكتاب وتصَفَّحَه مَلّيًا فوقف على معانيه وأوزانه الموسيقية المعروفة لدى الناس. ثمَّ طلى أوراقَه بالغَرى وكبسَه حتى تلف. ثمَّ أرجعَ الكتاب التالف إلى صاحبتِه ودعاها إلى تحقيق رغبتِها إيفاءًا بوعدِه. قادَها الى ساحةِ المدينة المزدحمة بالناس وفرشَ لها عباءَتَه المُهترِئة. إستنكرت ذلك و رفضت العرض. عندها تبَّرأَ أفرامُ من وعدِه لها. قضى بذلك على شَّرِ نشرالضلال والفساد . وكتبَ أفرامُ أشعارًا على نفس أوزان برديصان وألحانِه، فكان سهْلاً عليه تعليمُها للناس وقد حواها عقائدَ الأيمان المستقيم والأخلاقِ الحميدة. وجاءَ ذلك سيفًا على فكر الهراطقة ، كما قيلَ عنه، وعلى جهدِهم في نشر الضلال.
أُتُّهِمَ أفرامُ مرَّةً بالزنى. كان الجاني الحقيقي ساعورَ الكنيسة وآسمُه أيضًا أفرام. ولكن نُسِبَت الجريمة إِلى أفرامَ مدير ِالمدرسة لتشويهِ سُمعَتِه. لكنَّ اللهَ لمْ يتخَّلَ عن عبدِه، بل أظهرَ الحقَّ إذ جعلَ المولودَ الجديد ينطقُ، كما نطقتْ أتانُ بلعام (عدد22: 28-30)، في أولى ساعات ولادته ويكشفُ أباهُ الحقيقي قبل أن يموت.
ولمَّا وقعَ الصُلحُ بين بيزنطية وفارس سنة 353م، إِتّفقوا على إستعادةِ فارس مدينة نصيبين ، فآنتقلَ منها أفرامُ إلى مدينة الرها، أُورفا الحالية. هناكَ أعادَ، بعدَ عشر سنوات ، فتْحَ المدرسةِ و واصلَ التدريس حيثُ لحِقَه طلابُ مدرسة نصيبين وأساتِذَتُها، وهم كلُّهم فُرسٌ، حتى سُمّيَتْ المدرسةُ بآسمهم ” مدرسةَ الفرس “. وآستمَّرَ أفرامُ يُديرُها مدَّة عشر سنوات إلى أن وافته المنية في 9 / 6 / 373م.
عاشَ أفرامُ زاهِدًا في الدنيا، لا يتناولُ غيرَ خُبز الشعير والملح والبقول، ولا يشربُ غير الماء، ولا يلبسُ غيرَ” رُقَعٍ ضَمَّها إلى بعضِها “!. عاشَ في طهارةِ الفكرِ وقداسةِ السيرةِ ، متواضِعًا، رحومًا، جامعًا بين محَّبةِ الله والقريب. أمَّا مُؤَّلفاتُه فأتت بالآراميةِ غالبيتُها شِعرًا حتى قالَ عنه المؤَّرخُ اليوناني سوزومين (423م) أنَّه كتبَ زهاءَ ثلاثة ملايين بيتًا من الشعر. وأكثرُ مؤَّلفاتِه دينية : لاهوتية ، روحية ، وكتابية أي تفاسيرُ الأسفار المقدَّسة. ضاع من مؤلفاته الكثير. ومن بعضِ مآثرِه وميامره ما حَرَّرَه في توبة أهل نينوى، وتُرَتَّلُ في صوم الباعوثة ، وقِصَّة يوسف الصِدّيق إبن يعقوب. وكُتبُ كنيسةِ المشرق الطقسية مليئةٌ من صلواتِه وتسابيحه ومداريشِه وترانيمه القربانية.
لتكُن صلاتُه معــــنا : تحمينا ، تُـنَّجينا ، وتٌنصِرُنا.