الأحـد الثالث للرسل

تتلى علينا اليوم القراءات : اش1: 1-9؛ تث1: 3-17 1كور7: 1-7؛  لو10: 25-37

القـراءة : إشَعيا 1 : 1 – 9 :–  اللهُ الخالِق تعرِفُهُ كلُّ الخلائق ما عدا الأنسان الذي نسيَه وأهمَلَه. ولكن رغم ضلال الشعب فقد بقيَتْ جماعةٌ قليلة أمينةً لله.

القـراءة البديلة : تثنية 1 : 3 – 17 :– الله هو الكُّلُ في الكُل في نشاةِ الشعب : إختارَه، أَورَثَهُ أَرضَ الميعاد، و وَفَّرَ له كلَّ ما يحتاجُ إليه من قيادةٍ وإدارةٍ ودُستور.

الرسالة : 1 كورنثية 7 : 1 – 7 :–  يُقارنُ الرسولُ بين الزواج الزمني والبتولية الأبدية وهي تكريسٌ كلِّي لله. كلتا الحالتين مُقَدَّستين لأنهما دعوة من الله. وكلُّ مؤمن ٍ مدعُوٌ من الله إلى واحدةٍ منهما.

الأنجيل : لوقا 10 : 25 – 37 :– يُعلن يسوع عن ضرورة المحَّبة لأنَّها وحدها تكفلُ الحياة وتبقى للأبد. ويُوَّضِحُ محَّبةَ القريب بمثل السامريِّ الصالح.

ماذا أعمل لأرثَ الحياةَ الأبدية  ؟

لقد إنفرَدَ لوقا بسرد هذا الخبر المعروف بـ ” السامرِّي الصالح “. وكلُّ عبارة من آياتِه تحتاجُ الى شرحٍ وتفسير. إنَّما ركَّز الأنجيليُّ على نقطتين : من هو القريب ، وكيفَ نُحِّبُه مثل الله. ليس الأمرُ جديدًا على الوحي. فقد فرضَ اللهُ منذُ أن كَوَّنَ شعبَه على يد موسى أنْ يُحِّبَ الأنسانُ ” قريبَه ” ولا يفصِله أو يُفَّرقَه عن محَّبة الله نفسِه (تث6: 5؛ أح19: 18). و تستمِرُّ شريعةُ المحَّبة في نسيج الوحي الألهي حتى خِتامِه بحيثُ يقولُ الرب يسوع ” المحَّبة لله وللقريب تختصرُ الشريعةَ وتعليمَ الأنبياء” (متى22: 40). وسيقول يوحنا الرسول :” إذا قالَ أحدٌ : إنّي أُحِّبُ الله وهو لا يُحِّبُ أخاهُ كان كاذبًا ” (1يو4: 20). وأكَّدَ بولس أنْ لن يبقَ للأنسان شيءٌ بعد الموت غيرَ” المحَّبة ” التي تدوم للأبد، ولن يصمُدَ ويتفوَّقَ في ميزان العدالة الألهية إلاّ أعمالُ الأيمانِ العاملِ بالمحبة (1كور13: 1-3 ؛ غل5: 6). 

لا يوجدُ لا آنقسامٌ في المحَّبة ولا أنواع حتى تختلفَ محبة القريب عن محّبة الله. للمحَّبةِ الصادقة وجهٌ واحد. ولكن تختلفُ أسبابُ المحبة. فنُحِّبُ اللهَ لأنَّه خالِقٌ وأَبٌ ومُخَّلِصٌ وراع ٍ . أمَّا القريب فنُحّبه لأنه أَخٌ ، إبنٌ مثلنا لله، وشبيهٌ وشريكٌ في الخلاص. للمحبة الصادقة أساليب متنَّوعة، إنَّما ليس بنفس الهدف. نحبُّ الله لنرُّدَ له الحُّبَ بالحب ونُمَّجدَه مُعترفين بفضله ونكسبَ رضاهُ فيستجيبَ لنا عندما نسأله. أمَّا القريب فنُحبُّه لنحيا أُخُوَّتنا معه ونُسَّليَه في معاناته، ونضمنَ له عوننا في ضيقِه وحاجتِه، ونسندَه في جهادَه ضدَّ شدائد الزمن ، و نتكاتف معه في العيش الكريم. لم يُحَّدد الله ” كَمًّا ” للحب. إنَّه بلا قياس ولا حدود: ” أَّحبوا حتى أعداءَكم .. سامحوا سبعين مرَّة سبع مرَّات في اليوم الواحد!.. إِفعلوا للناس ما تريدون أن يفعله الناسُ لكم “.. بهذه المحَّبة نضمن الحياة الأبدية مع الله. الله هو محَّبة. والأبدية حياة الله هي إذن محَّبة. فحتى نرث تلك الحياة، أن نرثَ مُلكَ الله، يجب أن نُحَّب.

ومن قريبي ؟            

هكذا إستفسَر الشاب الغني. من السهل أن نُدركَ من هو القريب. قد نُفَّكر أنَّه الذي لنا معه صِلةُ قرابةٍ دموية. أو أنَّه الذي يسكن بقربِ منزلنا، جارٌ لنا. هؤلاء يُعتَبرون” القريب الأول “. أما قال المثل: ” الجار قبل الدار”. أكيد. إنمَّا فتح لنا المسيح رؤية أشمل للقرابة. القرابة تأتي أولاً من خلال علاقتنا بالله، ” أبينا السماوي”. وفي هذه الرؤية يُصبحُ ” كلُّ إنسان” قريبَنا بدون تمييز وبغَّضِ النظرعن:  قرابته أو بُعده أو غُربَتِه أو جنسه أو قومِه أو لُغَّته أو حضارتِه أو وطنه أو حالته الأجتماعية أو فقرِه أو غِناه أو شقائِه أو عِزَّتِه وجاهه أو دينه .. هو مثلنا إبنٌ لله ومدعو أن نعيش معًا عند الله للأبد.

ذهبَ الأنجيليُّ أبعدَ وأوضح، على لسان يسوع، أنَّ” القريبَ الأول” هو الأنسانُ الذي يحتاج  ،لأنَّه في ضيقٍ لا يقوى وحدَه أن يتخَلَّصَ منه. وهو أيضًا الذي يمُّدُ يدَه إليك طالبًا منك عونًا وخدمةً تحُّلُ له مشاكل عديدة، أو يُنقِذُه من خطرٍ ما. فيضعُ الواحدُ نفسَه محَّلَ الذي في الضيق والحاجة، ماذا يرغب من الآخرين، أيٍّ كانوا، وينتظرغير أن يحُّلوا له مشكلتَه التي عصت عليه وتُهَّددُه بما لا يُحمدُ عقباه. بهذا المعنى وضع يسوع قاعدته الذهبية :” عاملوا الآخرين مثلما تريدون أن يُعاملوكم ” (متى 7: 12).

كما أنا أحببتكم  !

أن نُحَّب لا مَفَّرَ منه. أمَّا أن نُحَّبَ مثل الله ، فماذا تعني؟. لم يُعطِ لوقا الجواب. بل ترك القاريءَ اللبيب أن يتأَمَّلَ النَّصَ جيّدًا، ويقرأَ الوحيَ بين الأسطُر. ويأتي الكتاب من جديد ليُغيثَنا فيقول:” أن تُحِّبَ، لأنَّ اللهَ محبَّةٌ “، وأنتَ ” إبنٌ لله. وإن كنتَ إبنًا فأنتَ وارثُ بفضلِ الله ” (غل4: 7). وإرْثُ الله هو المحبة لأنَّ المحبةَ جوهرُ حياة الله، وصورتُه الأنسان. ولذا قال الكتاب أيضًا :” من لا يُحَّبُّ لم يعرف الله، بل ولا عرفَ نفسَه” (1يو4: 8). وبما أنَّ الله هو الحقُ والقداسة ونبعُ المحَّبة، فكلُّ محَّبةٍ لنا تُقاسُ قيمتُها وصِدقُها بمحَّبة الله نفسِه. لا يُحَّبُ الله لأنه بحاجة، ولا لأنَّه متضايقٌ أو ينتفعُ بها لنفسِه. الله لا هو بحاجة ولا يتضايق و لا ينتفع فيقتني من الناس مجدًا أو جاهًا. بل يُحَّب خلائقَه لذواتِهم لأنَّه قبل أن يُوجَدوا أحَّبَهم ، ولأنَّه أحَّبَهم أَوجَدَهم ليكونوا مثله ومعه.

أ ليسَ هكذا يُحِّبُ الوالدان أولادَهم قبل أن يُحبَلَ بهم، ولأنَّهم يُحِّبون ويريدون مثل الله أولادًا يشاركونهم الحياة فيوجِدونهم؟. وبما أنَّ أولادَ كلِّ الناس هم ثمرةُ المحبة يُصبحُ كلُّ الأطفال إخوةً في المحبة. وهكذا يُصبحُ كلُّ البشر عائلةً واحدة: الكبارُ السِنّ آباءًا و أمَّهات { ومع بعضهم إخوة}، والشبابُ إخوةً وأخواتٍ{ أولادًا للكبار، و آباءًا للصغار}، والصغارُ بنينَ وبناتٍ { إخوة بينهم وأبناء وأحفاد للأكبر منهم} (1طيم 5: 1-2). هكذا تكون المحبةُ شريانَ الحياةِ للعلاقات الأجتماعية. هكذا أحبَّنا الله. وهكذا تصَّرف يسوع. فليس غريبًا أن يُعطيَ سلوكَه نموذجًا يقتدي به تلاميذُه، ” أَحِّبوا بعضُكم بعضًا كما أنا أحببتكم ” (يو14: 34؛ 15 : 12) دون تفرقةٍ أو تمييز، دون رياءٍ او نفاق، دون محاصصةٍ أو محاسبة. فالذي يُحِّبُ كالمسيح يُبرهنُ على أنَّه عرفَ الله، وأنَّ اللهَ فيه،” من أَحَّبَني حفظَ كلامي. وأحَّبَه أبي. .. و نجعلُ عندَه مقامنا ” (يو14: 23). حياةُ الأنسان خالدةٌ للأبد. كلُّ شيءٍ يزول..أمَّا المحَّبةُ، و لأنَّها شريانُ الحياة، ” فلا تزولُ أبدًا ” (1كور13 : 8). وكلُّ من أحَّبَ يحيا مع الله للأبد.