أهلا وسهلا بالأخت ريـتا غَنَّــام
ســألت الأخت ريتا ما يلي : ” هل يمكن الصيام بعد القيامة ، أم يجبُ الأنتظارُ الى ما بعد صعود يسوع الى السماء “؟.
القيامة والصـوم !
القيامة ضمان خلاصنا. هي ذكرى تحريرنا من قيود الشر والشرير، وفتح باب نور الحياة وغذائها أمامنا على مصراعيه. فهي إبتهاجٌ وفرحٌ وسعادة وراحةٌ وهناء. إنها مصدرُ الحياةِ وضمانها. أما الصيامُ فهو وسيلةٌ للوصول الى هذا المصدر. إنه أحد” أفعال الديانة ” الثلاثة التي وصفها الرب ،” الصدقة والصلاة والصوم” (متى6: 1-18) التي تُجَّسدُ الفضائل الألهية الثلاث ،” الأيمان والرجاء والمحبة ” (1كور13:13)،{ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 1968-9). والصوم ” جهادٌ وتوبة يُهَّيئُنا للأعياج الليترجية ، ويُمَّكننا من السيطرة على غرائزنا ومن حُرّية القلب ” (ت.م.ك.ك. رقم 2043). والتوبة علة فرح للتائب و للسماء أيضا (لو15: 5-7، 9، 23-25).
بين القيامة والصعود زمن الفرح لأنَّ” العريس بين أتباعه”. أتباع يسوع فرحون ومبتهجون بآنتصار يسوع. سبق فصاموا قبل القيامة، جاهدين ضد الشروحاربوه في أجسادهم بالصوم . والآن يفرحون ويُعَّيدون لأنهم إنتصروا في المسيح ومعه على الشر. ويسوع يحتفلُ معهم بنصره ويباركُ فرحهم. فليس الوقتُ وقت الصيام التوبوي. لذا لا تفرضُ الكنيسة لا صياما ولا قطاعةً في هذه الفترة. ولكنها لا تمنعُ صيامًا يُؤَّديه متصَّوفون أو من عامة الشعب لا بروح التوبة، إنما بروح الجهاد فقط والوقاية من الشر الذي لا يبطل عن هجومه وعدوانه. و حتى بروح الزهد في الدنيا يمكن للمؤمن، كما يقول أحد ملافنة الكنيسة الكلدانية، أن يصوم ” الدهرَ كله” بما فيه من آحاد وأعياد. ويمكن أن يؤديَ صومه الى فرحه وسعادته ويُسبب الفرح في السماء أيضا. أما فرحت الخاطئة بدموع توبتها عندما أعلن يسوع غفران خطاياها ؟(لو7: 48). ذلك لأن توبتها كانت نتيجة حبها لله. وكذلك الصيام في زمن الفرح يمكن أن يُضاعفَ فرح الذي يؤديه بمحبة الله. عاشت القديسة ريتا عقودًا من عمرها تعاني من ألم شديد في رأسها، مشارَكةً منها بآلام يسوع حتى يوم القيامة وكل الأعياد في تلك السنين، ولم تُكَّفرها الكنيسة، بل أعلنتها قديسة كبيرة.
فلا الصوم يمنع الفرح ولا الفرح يحرم الصوم. فإذا كانت الكنيسة لا تفرضُ صومًا بين القيامة والصعود، فلكي تُذكر بأنَّ العريس الألهي هو مع كنيسته بآستمرار، وأنَّ كلَّ أيام السنة يمكن أن تكون أعيادًا يفرحُ بها المؤمنون حتى في وسط ضيقاتهم ، وأنَّ الصوم لا قيمة له بذاته إذا لم يقترن بالمحبة، وأنه ممكن في أيّ وقت إذا إقترن بالمحبة والأيمان. لأنَّ الصوم تعبير عن الرجاء بالحياة الأبدية والأستعداد لها بخزن ” كنوز في السماء لا تنفد” (لو12: 33). هكذا طلب الرب ،” لا تطلبوا ما تأكلون وما تشربون، ولا تقلقوا..”، لأنَّ الحياة الحقة والسعادة ليستا بالأكل والشرب. بل” الحياة خيرٌ من الطعام” (لو12: 23 و29 ). ولهذا لم تمنع الكنيسة أبدًا الصيام بين القيامة والصعود. إنها تدعو الى الفرح ولاسيما الروحي. وهذا ممكن حتى لأنسان صائم.
بعد الصعود تدعونا الكنيسة من جديد الى ممارسة الصوم كوسيلة لمقاومة الشر وسلوك درب القداسة لئلا تأخذنا نشوة القيامة فننجرف الى كسل تلبية كل طلبات الجسد. إنَّ الحياة عند المسيحي هي المسيح (في1: 21)، والمسيح تألم وحسب ألَمه مجدَه (يو13: 31). هكذا المسيحي يشارك المسيحَ آلامَه ومجدَ قيامته (في3: 10-11) كلَّ أيامِ حياتِه.