وضع حَّـد للعلاقات الأجتماعية !

أهلا وسهلا بالأخت نـدى هرمزي

كتبت الأخت ندى تقول : ” هل يحُّقُ لنا ، كمسيحيين، أن نضع حّدًا للعلاقات الأجتماعية غير الصحيحة ، الخالية من المحَّبة الحقيقية “؟. و تضيفُ :” لا أقصدُ القطيعة النهائية ، وحتى إن كُنَّا نتمنى لهم الخير، ونكُّنُ لهم الغفران ؟

علاقات غير صحيحة ؟

ماذا تعني ” غير صحيحة “؟. إنَّ العلاقة تنبني على أُسس هي : إمّا على المحَّبة ، وهي تشمل الأقرباء والأصدقاء والجيران والزملاء ومن نتعامل معهم بسبب التواجد المشترك في المكان ( القرية ، المدينة ، أو الوظيفة ). وإمَّا على المصلحة ، وهي التعامل التجاري بين زبائن أو شركاء. وإمّا على الأحترام المتبادل ، بسبب المواطنة والسكن المشترك في منطقة ما أو بلاد ننتمي اليها، أو عمل في قطاع مشترك كشركة أو جمعية أو مؤسسة …

تكون العلاقة ” غير صحيحة ” إذا خالفت الأنظمة المرعية التي تربط الأفراد ببعضها و تؤّدي الى نتيجة سلبية. وعندئذ لا فقط يحُّقُ بل يجبُ وضع حدٍّ لكذا علاقة مع محاولة إما تصحيح مسارها أو إنهائها كليا. لأنَّ علاقة إجتماعية غير صحيحة تؤذي وتهدم ، بينما العلاقة تقوم على أساس التفاهم والحوار اللذين يبنيان الحياة ويسعدان الأفراد. والتفاهم و الحوار يتحققان حيث المحبة والأحترام والنية الصافية والمستقيمة بالتبادل.

هل يحُّقُ للمسيحي … !

المسيحي إنسان يعيش بين الناس ويتأثر بهم. يأخذ ويُعطي معهم. كلُّ إنسان ، صورة الله ، يجب أن يتعَّلمَ من الله ويتقَّيدَ بمشيئته. وكل إنسان أخٌ لكل إنسان. فعلى كل الناس أن يتصرفوا مع بعضهم كإخوةٍ وأبناء لأبٍ واحد. لكن الزمن والمكان فرَّقَا بين ناس وناس. و آختلاف الأديان عقَّدَ الأمور بعضَ الشيء. لأنَّ كلَّ دين رسمَ خارطة أخلاقٍ لأتباعه. ومن المفروض أن تتفقَ كل الأديان على خُلُقٍ واحدٍ ما دامَ اللهُ واحدًا. لكنَّ الإشكال هو أنَّ كلَّ دين قدَّمَ اللهَ بشكل خاص مختلف عن غيره. ومع الشكل إختلفت المباديءُ الخلقية. ويتأثر أتباع الديانات بأخلاق غيرهم. رغم ذلك يقول الرسول بولس :” لقد دعاكم الله أن تعيشوا بسلام ” (1كور7: 15). وهنا يعني أن يتحَّكمَ ضمير كل إنسان بحياته.

أخطأ إليك أخوك … !

وعن الضمير حَدَّثنا يسوع المسيح كالآتي :

كل علاقة سيّئة، فردية أو جماعية، يجب محاولةُ إنهائِها بإصلاحها. وإذا لم تصلح فوقاية النفس من عدواها، أي مردودها السييّء، كي لا تؤذي، وكي يعيش المرءُ بسلام. قـال : ” إذا خطِيءَ أخوك.. عاتبه بينك وبينه. إذا سمع لك تكون قد ربحتَ أخاك”. بالصلح تستقيم الأمور وتعود المحبة والإخاء فتهنأُ الحياة. أما إذا لم يتم الصلح ” خذ معك رجلاً أو رجلين” ، أي محاولة أقوى وأضمن لنجاح مهمة الصلح. و” إذا رفضَ أن يسمعَ لهم، فـقُل للكنيسة”. أي لا تيأس بل أَلّح في الصلح لأنه خيرٌ ويدع الطريق مفتوحًا أمام المحبة والتآخي والسلام. لا تسند تصَّرُفَك الى سلوك المقابل السيّيء فترُّدَ عليه بالمثل. حافظ على إيمانك وقناعتك بأن كلام الله هو نور الحياة. والله يريد الإخاء والسلام. وإذا فشلت جهود البشر فلا تُنَّصبُ أنت نفسك حاكمًا وتقَرّرْ كيف يكون ردُّ فعلك. أنت متساوٍ مع هذا الأخ الخاطيء في الطبيعة والكرامة. ولا تحسب نفسَكَ أفضلَ من الذي تدينه. بل ” فَضِّل الآخرين على نفسك ” يقول الرسول (في2: 3). ولا يحُّقَ لكَ أن تدينَه،” لا تدينوا لئلا تُدانوا ” (متى7: 1)، و بالكيلِ الذي تكيلون يُكالُ لكم” (لو6: 38). فربما الذي تراه خاطئًا يراك أخطأَ منه. فلستَ مُخَّوَلاً بتقييم سلوك الآخرين. هناك جهة رسمية مُخَّوَلة بالتمييز بين الصح والخطأ والحكم في الأمر. إنها الكنيسة التي ” لن تقوَ عليها أبوابُ الجحيم “. فآعرُض عليها الأمر. وهي جديرة بأنَّ تُمَّيز بين الخير والشَّر وبأن تُوَّجه سلوكَ أبنائها. لربما أنت غيرُ صادقٍ مئة بـ %. أو لربما تحتاج أنت أيضا الى تغيير رؤيتك وقناعتك. على أية حال الكنيسة تعلنُ ماذا يجبُ فعله. فإذا أيَّدت الكنيسة رؤيتك وموقفَك وأدانت المقابل الذي انت تتشَّكى منه أو تتّهمُه بمروقه عن درب الحق، ورفضَ الخاطيءُ الأنصياع الى حكم الكنيسة، عندئذ ” ليكُنْ ذاكَ بالنسبة إليك كوثنّيٍ وعَشَّار” (متى18: 15-17). أي لا تختلطُ معه لئلا تصيبكَ عدواهُ فتفسد أخلاقك أيضا. هنا القطيعة. أي أن تتجَنَّبَ الإخوة المؤمنين الذين يرفضون أن يتقَّيدوا بشريعة الرب يسوع. وآستنادا الى هذا المبدأ طالب بولس أهل كورنثية أن يُقاطعوا الزاني العلني مُتخِذًا الحُكم ومعلنا إياه بآسم يسوع ، قائلا :” عندما تجتمعون بآسم ربنا يسوع و قدرته سَلّموا هذا الرجل الى الشيطان..” (1كور5: 4-5).

تجَنَّـبوه ليخجل !

المقاطعة ليست حُكمًا مُؤَّبدًا. بل إجراءٌ مؤَّقتٌ وفُرصةٌ ممنوحة للخاطيء حتى يتوب. جيّدًا نَوَّهت السائلة الكريمة بأنَّ القطيعة التي تتحدث عنها لا تخلو من نية مستقيمة بل ” ما زلنا نتمَّنى لهم الخير ونكُّنُ لهم الغفران”. فالقطيعة ليست لا إنتقامًا ولا دينونة أبدية. هي فقط إجراءٌ تقويمي ووقائي. هذا الذي تبَّناه مار بولس إزاء المخالف من أهل تسالونيقي ، فقال : ” لا تمَّلوا من عمل الخير. وإذا كان بينكم من لا يُطيعُ كلامَنا .. فراقبوه وتجَّنبوهُ ليخجلَ. ولا تُعاملوه كعـدو، بل إنصحوهُ كأخ ” (2تس3: 13-15).

الكتاب يفيدُ في التعليم … !

هكذا أكد بولس لتلميذه طيمثاوس (2طيم3: 16). إننا نجدُ في الكتاب المقدس ضالتَنا من التعليم والتقييم. عند الجهل نذهبُ اليه لنتعَّلم. وعند الشَّك نلجأُ اليه لنُبَدّدَ أوهامنا. وعند الضيق نستشيره ليُذَّوبَ آلامنا. لأن ما جاءَ فيه ” عبرةٌ لنا ” (1كور10: 6 و11)، و” كُتبَ لتعليمنا ” (رم15: 4). الكتاب المقدس نورنا والعهد الجديد دستورنا ، به نقيس آمالنا و طموحاتنا ونحَّدد سبيلنا واليه نعود في أفراحنا وآلامنا وندرأُ أخطارَنا.

القس بـول ربــان