أهلا وسهلا بالأخت نوره مسيح كـكــا.
تقول الأخت نوره أنها فخورة بأنها مسيحية وكاثوليكية. ولكنها تلاحظ بأنَّ هذه الألفاظ أصبحت تقليدية ونرَّددُها عفويا دون أن نهتم بعمق ما تعنيه. لذا تمنَّت لو يتعَّرف عليها الناس من خلال تصرفها المسيحي الكاثوليكي لا من خلال جنسيتها وهويتها القانونية. فطرحت سؤالا ، تقول :
ما مغزى الصور والتماثيل في كنيستنا ؟
لماذا نقَّبلُ الصور والتماثيل أحيانا كثيرة ؟
إنَّ شريعة موسى منعت كل صورة وتمثال يوضع في الهيكل. لأن التماثيل المتداولَ عليها كانت ترمز الى كائنات تعتبرُ آلهـة ً. لا بل وصل الحَّد الى الأدعاء بأنَّ آلهة ما متجسدة في تلك التماثيل فتقَّدم لتلك التماثيل مراسيم العبادة والتكريم. أما في المسيحية فأصبحت الصور والتماثيل تعبرُ عن فكرة دينية أو شخص رضيَ اللهُ عنه لقداسةِ سيرتِه للآهتداءِ بمثال حياتِه الى الحقيقة الآلهية. عندما كان المسيحيون مُضطَهَدون في روما كانوا يجتمعون فيما بينهم في المقابر، المعروفة بالدياميس، التي كانت تحوي أجساد المسيحيين المتوفين او المُسْتَشْهَدين. وكانت السلطات الوثنية تتعقبهم حتى هناك. فحفروا خنادق طويلة بين القبور ، مع فسحات بينها في بعض المناطق لتجمع المؤمنين والأحتفال بالقداس. وحتى يوهموا العدوَ ويُبعدوهُ عنهم وضعوا صورًا أو تماثيل صغيرة كإشارات يتبعها المؤمن الى مكان الصلاة، بينما لا يفهمها الوثني فلا يصلهم إذ كانت شبه الأنفاق كثيرة ومتعَّرجة بحيث يتيه فيها غير الخبير بها. وهكذا خدمت الصور والتماثيل المؤمنين وساعدتهم على الألتقاء ببعضهم وإقامة الصلاة والقداس معا.
ودرج بعد الأضطهاد أيضا إستعمالُ المؤمنين للصور والتماثيل في معابدهم للتعبير عن بعض الأفكار اللاهوتية أو العقائد الأيمانية كـ : التجسد، والثالوث، والغفران ، والقيامة و أحداث أخرى من حياة يسوع. كانت تلك الصور والتماثيل بمثابة ” وسائل إيضاح ” تساعدُ المؤمنين على التعمق في أسرار إيمانهم أو على الأستنارة بفضائل القديسين ليقتدوا بهم. وقد ثارَ بعضُ المسيحيين ضد تكريم الصور في الكنائس في القرن السادس/ السابع الميلادي و ساند الحركة وأيَّدَها أباطرة بيزنطيون حتى منعوا الصور داخل الكنائس،ذلك بين سنة 717 و820م. لكنَّ الأمبراطورة تيودورة أعادت حقَّ تكريم صور المسيح والقديسين في الكنيسة سنة 843م. وكان القديس يوحنا الدمشقي(675-749م) أحد أشَّد مناصري تكريم الصور. و لا تزالُ الكنيسة تؤيدُ أنَّ بإمكان الصور والتماثيل، إذا أعتبرت في رموزها ، أن تؤديَ دورًاثقافيا وسلوكيا للجماعة المسيحية.
تقبيلُ صور الوالدين أو الأولاد !
إنه واقعٌ طبيعي أن نرى جدران البيت مزدانة بصور الأهل تكللُها أزهارٌ أو تيجان حتى من ذهب!. إنه لأمرٌ بديهي أن يحترمَ الواحد ذويه ويُكَّرمَهم ويُقَّبلُ صوَرهم. ولا يعني ذلك أبدًا أنه يعبدهم أو يعتبرهم آلهة. إنها تذكرنا بأشخاص أعزاء إختفوا عن أنظارنا لكنهم أحياءُ في قلوبنا. ولا نقدر أن نعَّبر لهم عن حبنا ولا عن وجودهم في وجداننا إلا بتلك القبلات والزينة التي نحَّوطُ بها صورهم. نحاورُ الصور وكأنها تنقل مشاعرَنا وكأننا نستلهمُ منها روحيتَهم وحيويتهم ومثالهم، وكلما تمَّيزوا به ويُلهمنا لنكون مثلهم. أصبحت صورهم وسيلة الأرتباط الحسي بيننا.
هكذا صورالمسيح والقديسين وتماثيلهم تُبقي أصحابَها لنا أحياء وتمثلهم لنا بحياتهم وسلوكهم وتحُّثنا على عدم نسيانهم لأنهم أحياء، والى الأقتداء بهم لأنهم أرضوا الرَّب، والرجاء مثلهم بالحياةِ الأبدية. صورُهم تُجَّسدُ لنا نضالهم ضد الشر والفساد وتكفلُ لنا النجاحَ والراحة ، رغم كل مشَّقات الحياةِ وآلامَها، لأننا نستقي النعمة والقوة مثلهم من الله نفسِه ولا يُخَّيبُ الله أملنا إذا وفينا بواجبنا وأصدَقنا بنياتِنا وثابرنا في جهودِنا للشهادة للحق والحب. هذه القيم تبقى حَّية وبشكل حسي أمامنا بواسطةِ تلك الصور والتماثيل. وإذا طبعنا عليها قبلة نحَّملُها ايماننا بهذه القيم وحُّبَنا لأصحابها فليس ذلك لا جريمة ولا غريبًا ، لأننا نعتبرهم أهلنا و نعترف بأنهم أحياءُ فينا، ونفتخر بهم، ومن مثالهم نستلهمُ القوة والعزم على متابعة مسيرتنا الأيمانية وسط هذا العالم الملحد والفاسد.