مار جرجيس وتهـديداتُـه !

أهلا وسهلا بالأخت سيليفيا صباح.

أرسلت الأخت سيليفيا صورة رسالة يبدو أنها إستلمتها من غيرها دون تعليق أو سؤال. ومحتوى الرسالة هو الآتي: ” مارينا طالبة كلية. أصابها مرضٌ خبيث. ظهرَ لها مار جرجس وشفاها ، دون أن تطلبَ منه !. طلبَ هو منها أن ترسل خبر المعجزة هذه الى 31 شخصًا(!). فعلت ذلك. إستلمها موظفٌ وأهملهَا وفـقدَ، على إثر ذلك، وظيفته بعد 38 يوما. بينما إستلمها رجل آخر، شبه منبوذ، وفعلَ ما طلبَ منه فـ” تكاثرت أمواله بعد 31 يوما “!. والدرس : كلُّ من يهتم بها ويوزعها سوف يحدثُ له شيءٌ عظيمٌ في حياتِه ، بعد 21 يوما!.

لمـاذا أُرسلت الرسالة لي ؟

هل أُرسلتْ لأكملَها ، وإذا أهملتُها يُقاصصني مار جرجيس ؟. أم أُرسلتْ لأطلع عليها وأبديَ فيها رأيي؟. إن كان لتخويفي ولنصب كمين لي فأنا لا أومن بكذا ” خُـزَعْبلاتْ “!. إنَّ هذا الشيء لا يأتي إلا من ابليس وعملائِه. وابليس قد غلبه يسوع وسحقَه وليس بإمكانِه أن يؤذيَ أحدًا إلا من إستسلمَ له. وكذلك القديسون ليس من شيمتهم أن يؤذوا أحدًا. المسيح طلبَ من أتباعِه أن يكونوا مثله كاملين في سلوكهم (متى5: 18)، وأن يغفروا ولا ينتقموا (متى 18: 32-35) وأن يُحبوا ويرحموا لا أن يكونوا أنانيين ويبحثون عن مجدهم مثل أهل العالم (يو13: 34؛ 15: 19). فالقديس هو من يقتدي بالمسيح ويسمع كلامه ويتصَّرفُ مثله. يسوع لم يجبر أحدًا على إتباعِهِ (يو6: 66-67)، ولم يُعاقب أحدًا لأنه أهانه أو أذاه ومنع تلاميذه ايضا من المعاقبة (لو9: 50-55)، بل غفر لهم وحتى لصالبيه (لو23: 34). فكيف يمكن لأحد أن يكون قديسًا وهو يعاكسُ ويقاومُ تعليم المسيح؟.

لا تُظهروا برَّكم للناس !

هذا ما قاله يسوع (متى6: 1). فكيف يريد “مار جرجيس”(!) أن يكون قديسًا وهو يطلبُ المجد من الناس؟. ولماذا يحَّددُ عدد من ترسل اليهم بـ “31” شخصا؟. المسيحُ أرسل رسله الى العالم أجمع (متى28: 19) وطلب منهم أن يُوصلوا بشارته الى كل الناس (أع1: 8). لأن بشارته حق وخير. وهو يريد الحق والخير لكل الناس. ومن المفروض أن يسمع تلميذه اليه ويُنفذُ أمرَه. أم يكون مار جرجيس يتصرفُ ـ حاشاه ـ مثل الشيطان فيبحثُ أن يغُّشَ البعضَ ويجعلهم عملاءَ له ينَّفذُ بواسطتهم نواياه السيئة فيُشَّوهُ الأيمان بهرطقات من هذا القبيل؟.

أقام يسوع تلاميذه شهودا له على حبه وعنايته وغفرانه ، وخداما لكلمتِه ولم يسمح لهم لا أن يدينوا الناس (متى7: 1)، ولا أن يتسلطوا عليهم (مر10: 42-45)، ولا أن يعاقبوا حتى الخطأة منهم (يو8: 7). كما طلب منهم أن ” يشفوا المرضى، ويقيموا الموتى، ويطردوا الشياطين مجانا ..”(متى10: 8).

لماذا إختلاف المُـدة ؟

ذكرت الرسالة أن العقاب أُنزلَ بعد 38 يوما ، بينما جوزيَ المطيعُ بعد 31 يوما، في حين وُعدَ بالمكافأة بعد 21 يوما من تنفيذ المطلوب!. لم تشر الرسالة الى أي مُبَّرر لهذا الأمر. إنما لا يخفى الأمر على متابع هذه الأمور. الوعد بـ 21 يوما حُدّدَ لأجل إغراء القاريء و تشجيعه في إرسال الرسالة. ولكن قد لا يتحقق هذا الوعد ـ لأنَّ من يوعدُ يكذبُ ويُغري فقط ! ـ وحتى لا يتراجع أو يكتشفَ اللعبة فأعطى الخبر أن واحدا نال جائزته في 31 يوما ، وبهذا يدعو المخدوعَ الى الصبر والأستمرار بالأيمان بهذه الهرطقة. ولا يقدرُ المخدوع أن يعترضَ على مرسل الرسالة { لأنه مجهول الأسم والهوية والعنوان }!. فإما أنْ يحترقَ بنار أعصابِه أو يفقد إيمانه. وأما انَّ القصاص تأجل الى 38 يوما فحتى يستمر في إستمالةِ المتمَّرد لعله يقتنعُ ويخضع للأمر، حتى بعد فوات المدة المحددة، ويرسلُ نسخة من الرسالة الى غيره حسب المطلوب.

الى قـرائي الأعــزاء !

” إيّـاكم أن يُضلكم أحد ” (متى24: 4). هذا كان تحذيرُ الرب يسوع لتلاميذه ، ويُسمعنا إياه على مر العصور، من أنبياءَ وقديسين مُزَّيفين وكذابين يدعون الحق ويتظاهرون بالقداسةِ والكمال ، فيشَّوهون الأيمان ويستصغرون القيم الأخلاقية ليقيموا عوضا عنها مثل هذه الهرطقات ، انهم ليسوا إلا ” أرواحًا مُضلة ومذاهب شيطانية لقومٍ مرائين كذابين كويت ضمائرُهم ..”(1طيم4: 1-2). وقد حّذرَ الرسول من أمثالهم قائلا : ” إيّـاكم أن يخلبَكم أحدٌ بالفلسفة والغرور القائم على سُّنةِ الناس وأركان العالم، لا على المسيح “(كو2: 8).

أديروا ظهرَكم لأمثال هذه الرسائل وآفتحوا إنجيلكم وآقرأوا فيه تعليم الرب. ليس كلَّ ما تقرأون معصوما من الخطأ. ولا هو دوما الحقيقة الساطعة بعينها. تعَّلموا أن تثَّقفوا إيمانكم بمطالعة الكتاب المقدس وحضور ندوات دينية حتى لا يبدو أعداؤُكم ـ أعوان ابليسَ ـ أفضل منكم أو أثقفَ. لا تنسوا أنَّ المسيح قد غلب العالم وأعطى المؤمنين به أيضا أن يغلبوه.

القس بـول ربــان