أهلا وسهلا بالأخت ربيـكا دانـي.
كتبت الأخت ربيكا بأنَّ بعض الكهنة يصَّرحون في محاضراتٍ أو مواعظ بأنَّ صوم الباعوثة وخميس الفصح ينتهي مع القداس الأخير ويمكن الأفطار بعده ، فسألت :
هل هـذا صحـيح ؟
نعرفُ أنَّ أولَ صوم ديني ذكره الكتاب المقدس أقامه موسى بإيعازٍ وطلب من الله. لم يذكر فيه متى يبدأ ومتى ينتهي.قال فقط: “في اليوم العاشر من الشهر السابع{ أى حوالي 25/9 } تذللون نفوسكم بالصوم ولا تعملون عملا.. لأنه في هذا اليوم يُكَّفرُ عنكم لتطهيركم”(أح16: 29-30). ويوضّحُ بعده بأنه يوم الكفّـارة ويقولُ :” هو سبتُ عطلةٍ لكم. تذَّللون فيه نفوسَكم بالصوم من مساء اليوم التاسع من الشهر الى مساء اليوم العاشر ولا تعملون عملا” (أح23: 32).
إذن الصومُ أولا بهدفه وليس بتوقيتاتِه، وإنه يشملُ يوما كاملا من 24 ساعة. ويقول إشعيا عن ذلك: ” صومٌ أردته يوما واحدا يتضعُ فيه الأنسان”..ويصفُ ما هي دلائلُ الصوم في العلاقات الأجتماعية ويُضيف ” تسيرُ في الأستقامة.. وتدعو الرب فيستجيبُ لك وتستغيثُ فيقول : ها أنا.. تبتهجُ بي أنا الهُـكَ” (اش58: 5-14). فالتشديدُ دوما على ما يرافق الصوم من سلوك التوبة والبر في العدل والمحبة.
الصوم إذن يوم واحد من الغروب والى الغروب. ولو تساءَلنا لماذا هذا الترتيب وليس غيرَه فلأنَّ النهار كان يبدأ، ولا يزالُ حسبَ الطقوس الشرقية، منذ الغروب والى الغروب التالي. فكان طبيعيا أن يحَّددَ موسى بدء الصيام من مساء اليوم السابق حتى يكون اليوم كاملا. و من هنا تقلدت الشعوب والكنائس الشرقية أن تبدأ صومها ولا تأكل شيئا بعد الغروب حتى يكتمل اليوم بالغروب التالي. ويقال بأن الشعوب الشرقية كانت قديما تتناول وجبة غذائها الثقيلة مساءًا.
أما الغرب فحساب اليوم عندَه يختلف. بالنسبة الى الغرب يبدأ اليوم الجديد من الساعة 12 ليلا وحتى الساعة 24 منه ، من منتصف الليل الى المنتصف التالي. وبالنسبة الى الصوم يدوم 12 إثنتي عشرة ساعة فقط وليس كاليهود 24 أربعة وعشرين ساعة. ربما كان الغرب يتناول وجبة غذائه الثقيلة ظهرًا. وهكذا درج الصوم في الكنيسة في الغرب. ولما عادَ بعضُ أبناء الكنائس الشرقية الى حضن الكنيسة الكاثوليكية تأثروا بنظامها أيضا فتَّبنوا صوم 12 ساعة و من منتصف الليل الى منتصف النهار.
لماذا تلاميذك لا يصومون ؟
هكذا إنتقدَ تلاميذ يوحنا يسوع. وكان جوابه “عندما يُرفع العريس من بينهم حينئذٍ يصومون” (متى9: 15). أى لم يضع يسوع شريعة للصوم ولم يُحَّدد مثل موسى أوقاته وشروطه. بل تركَه لتُقَّرره الكنيسة حسب ظروف الزمان والمكان والأنسان. لأن الهدف أن الصوم وسيلة لتقديس الأنسان. والكنيسة الأم أدرى بحاجة أبنائها وما ينفعهم. عليه يمكن أن يحتلف من بلد الى آخر ومن كنيسة الى أخرى ، وحتى من إنسان الى آخر. لا يُعطي الطبيبُ الدواءَ نفسَه لكل الناس بل يفحص مرضاه ويُخَّصصُ لكل واحد علاجه ودواءَه الخاص.
أنما ليس طبيعيا أن يتعَّرجَ المؤمن في مسيرته الأيمانية فيمشي تارة كالشرقيين وأخرى كالغربيين. ولآ أن يمارس نصفَ صومه كالغربيين والنصف الآخر كالشرقيين. فالصيام إما من الغروب والى الغروب، وإما من منتصف الليل والى منتصف النهار. وكذلك بالنسبة الى الأطعمة ليس صحيحا أن أتقيد بشريعة الشرقيين وآكلَ كل طعام من دون تمييز، وأتقيد بشريعة الغربيين أن أتناول فنجان قهوة صباحا وأنا صائم ؟. يمكن الأختيار بين الطريقتين. ولكن يجب التقيد بإحداها. فإذا أردتُ الأفطار بعد قداس الباعوثة أو الفصح فعَّليَ أن أكون صائما من قبل 24 ساعة. أما إذا آخترتُ الصيام على الطريقة الغربية فلا يحُّقُ لي أن أحلَّ صومي بخصوص تناول الزفر إلا بعد منتصف الليل.
ليس المؤمن هو الذي يُقرر كيف يصوم صوم الكنيسة ومتى؟. صوم الكنيسة الجماعي يجب أن نتقَّيد به كما تُعلنه الكنيسة. فالكنيسة تُقرر وتُحَّدد أو تسمح وتعذر البعض عن الصيام. ليس للكاهن صلاحية أن يُقرر حسب فكره. الكاهن يُبَّلغ بأمر الكنيسة فعليه أن يعرفَ فعلا ما هي ” وصية الكنيسة “، ويُساعد المؤمنين على التقيد بشريعة الكنيسة لا على مخالفتها. أما الأصوام الخاصة بالأفراد، أى ما يفرُضُه المؤمنون على أنفسهم لأسباب وبهدف خاص، فهم أحرارٌ في تحديد نوعه ومدته.
وتعليم الكنيسة الكاثوليكية بخصوص الصوم هو ما يلي :
{ ” تقع وصايا الكنيسة في سياق الحياة الأخلاقية المرتبطة بالحياة الليترجية والمتغذية بها. والصفة الألزامية لهذه الشرائع الصادرة عن السلطات الرعائية (الأساقفة الرعاة) غايتها أن تكفلَ للمؤمنين الحَّدَ الأدنى الذي لا بدَّ منه في روح الصلاة، وفي الجهد الأخلاقي، وفي نمو محبة الله والقريب “} ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 2041) هذا عن هدف الوصية بشكل عام وعن والزاميتها. أما عن الصوم فتقول : { ” الوصية الرابعة<< إنقطِعْ عن أكل اللحم، وصُمْ الصومَ في الأيام التي تُقّرها الكنيسة>>
تؤذَمن أوقاتَ الجهادِ والتوبة التي تُهَّيئُنا للأعياد الليترجية، وتُمَّـكننا من التسَّلط على غرائزنا ومن حُرَّيةِ القلب “} (ت.م.ك.ك. ، رقم 2043). هذا بخصوص تعليم الكنيسة.أما بخصوص قوانينها فجاءَ ما يلي :
{” ق 882 :- يجبُ على المؤمنين أن يتقيدوا في أيام التوبة بالصوم أو القطاعة تقَّيُدًا يتفقُ و أحكام الشرع الخاص في كنيستهم المستقلة “( كل طائفة حسب نظامها ).
ق 883:- بند 1+ إنَّ المؤمنين المقيمين خارج حدود رقعةِ ولايةِ كنيستهم المستقلة ( بالنسبة الى الكلدان خارج العراق ) يستطيعون، في موضوع أيام الأعياد والتوبة (الصوم) ، أن يمتثلوا إمتثالا كاملا للأحكام القائمة في المكان الذي يعيشون فيه.
ق 883:- بند2+ في الأُسَر التي ينتمي الأزواجُ فيها الى كنائس مستقلة مختلفة يجوز، في موضوع أيام الأعياد والتوبة المقررة ، اتّباع هذه أو تلك الكنيسة المستقلة. “}. هذا تعليم الكنيسة وشريعتها ، وكل ما يُخالفُ ذلك فهو من ابليس (متى5: 37) !!.