هل يوجد تناقض في الكتاب المقدس ؟

أهلا وسهلا بالأخت ربيكا دانـي.

قرأت الأخت ربيكا في الكتاب المقدس ما يلي : ” ويُكَّلمُ الرَّبُ موسى وجهًا إلى وجهٍ كما يكلمُ الأنسانُ صاحِبَه… أما وجهي فلا تقدرُ أنْ تراهُ ، لأنَّ الذي يراني لا يعيشُ” (خر33: 11 و 20). فسألت :

هل هناك تناقُضٌ ،حاشا، في الكتاب ؟

كلا . لا يوجدُ تناقضٌ في الكتاب إذا عرفنا أن نقرأَه ونفهمه بشكل صحيح ، أى لا بشكل حرفي بل بشكل أنساني وإيماني. لأنَّ ما جاءَ في الكتاب كتبَه بشرٌ وعَّبروا عما أوحى اليهم الله أو إختبروه عن حضورِه وآتصالِه. فالعباراتُ تحوي معنى عميقًا كثيرًا من الأحيان أبعد من الحرف. الله هو روح ، والأنسان روح وجسد. يقولُ مار بولس :” إنَّ اللحمَ والدم لا يمكنهما أن يرثا مجد الله”(1كور15: 50) ، لأنهما ليسا من جوهر طبيعة الله الروحية. إنهما من التراب والى التراب يعودان. النفس وحدها نسمة من حياة الله (تك2: 7؛ 3: 19). فلا يمكن للتراب أن يتعامل مع الروح. وعليه قال الأنجيل : ” ما من أحد رأى الله. الأبنُ الواحد الذي في حضن الآب هو الذي أخبرَ عنه ” (يو1: 18). لكننا سوف نرى الله ” وجها لوجه ” بشكل روحي في السماء (1كور 13: 12).

موسى لمْ يرَ إذن وجهَ الله كما نرى نحن البشر من يقفُ أمامنا ننظرُ اليه وينظُرُ الينا. أما الله فليس له وجهٌ ماديٌ وحّسي فيه عيون وآذان حتى يراه موسى بعيونه وآذانه التي تعصى عن أن تخترقَ عالم الروح. لما ظهر يسوع لمار بولس رآه بولس وسمعه ، أما رفاق بولس فلم يروا شيئا رغم أنهم سمعوا صوت يسوع دون أن يفهموه (أع9: 7). ولما ظهرت مريم العذراء لرؤاة فاتيما الثلاثة سنة 1917م ، كانت لوسيا ترى مريم وتسمع وكذلك هياسنت ، أما فرانسوا فآحتار لما سمعهما تحادثان شخصا خفيا ، لا يراه ولا يسمع صوته. أوعزت اليه مريم أن يتلو ورديتها فيشترك في الرؤيا ويسمع. بولس والرؤاة وغيرهم ، كالرسل، رفعهم الروح بنعمة خاصة الى مستوى عالم الروح وبهدف خاص. ومع ذلك رأوا يسوع الذي سبق وكان له جسدٌ مخلوق. أما الله فلم يذكر الكتاب أن أحدًا رأه في جوهره. ذكرَ أنَّ اسطيفانوس رأى ، فقط ، مجد الله ويسوع قائما عن يمين هذا المجد فصرخ:” إني أرى ابن الأنسان قائما عن يمين الله “(أع7: 55-56).

وجهًــا بــوجـــه !

وإذ لا تغيير في الله ولا تبديل (يع 1: 17) فإذن علينا أن نحاول فهم عبارة الكاتب الذي لا يتوفق دوما في تعابيره. فوجـهًا لوجه تعني أن موسى لم يتلَّقَ رسالة الله عن طريق وسيط. بل تلقاها من الله مباشرة. كما تلقى بولس البشارة عن وحي من يسوع المسيح مباشرة (غل1 : 12). مع أنه سمع صوتًا سماويا يحَّدثُه مباشرة : شاول شاول.. انا يسوع الذي تضطهدُه.. “(أع9 : 4-6)، إلا إنه رغم ذلك لم يقل ” وجها لوجه” بل إستعملَ كلمة “وحي من يسوع “. هكذا تلقى موسى إيحاءات الله مباشرة ، دون وسيط بينهما، كما” يكلمُ الأنسانُ صاحبَه وجهًا لوجه” دون وسيط. نحن وصلتنا و تصلنا إيحاءات الله عن طريق وسيط بيننا يُبَّلغُنا ما تبَّلغَ هو به ؛ هكذا قال بولس:” فإني تلقيتُ من الرب ما بَّلغتُه اليكم..” ( 1كور11: 23). أما موسى وبولس والرسل فتلقوا إيحاءات الله مباشرة دون وسيط بينهم وبين الله. لكنهم لم يروا وجه الله إلا بعد موتهم في السماء حيثُ يحيون في الروح لا في جسد.

القس بـول ربــان