أهلا وسهلا بالأخ عيسى رزوق
سأل الأخ عيسى :” هل الصلاة على الميت من قبل أهله وأحبائه تغفر له خطاياه ؟
الغفـران : بــــيَدِ مَن ؟
تحَّدثَ سفر اللاويين عن ذبائح تكفيرية تُقَّرَب لله ليغفرَ ذنبَ شخص أخطأ ، فقال :” فيُكَّفرُ عنه الكاهنُ خطيئته بكبش الأثم أمام الرب ، فيُسامِحُهُ ” (أح19: 22). وكذلك عن الأثم الجماعي أو آثام جماعة معَّينة ، فقال :” يأخذ الكاهن من الجماعة تيسين لذبيحة الخطيئة… يقَّربُ أحدَهما للرب ذبيحة خطيئة .. ويضع يديه على رأس التيس الثاني ويعترف عليه بجميع آثام بني اسرائيل ومعاصيهم وخطاياهم ويضعها بذلك على رأس التيس ويرسله الى الشيطان في البرية..”(أح16: 5-22).
يبدو هنا جليا دوران مُمَّيَزان : دور الانسان الخاطيء وهو تقديم الذبيحة التكفيرية ودور الله الذي يسامحُ فيغفر للتائبين خطيئتهم. أما الآخرون، الكاهن مثلا، فهم وسطاء فقط. وبالنسبة الى الأنسان تُهّـمُ” التوبة ” أو تقديم ذبيحة تكفيرية عن خطاياه. ولو لم يتب لما قدَّم الذبيحة. أما الغفران فيأتي مباشرة من الله. الله هو الذي يغفر. هذا ما سيؤَّيده إرميا النبي حيث يقول عن لسان الله :” سأصفحُ عن آثامهم، ولن أذكر خطاياهم بعد ذلك” (إر31: 34). وهذا أيَّده الأنجيل أيضا عندما شفى يسوع مخَّلع كفرناحوم قائلا له ” مغفورة لك خطاياك ” فآعترض عليه الكتبة وآتهموه بالكفر قائلين:” لا يقدر أحدٌ أن يغفر الخطايا إلا اللهُ وحدَه ” (مر2: 7). ومن فوق الصليب سأل يسوع الآبَ ليغفرَ خطيئة الأنسان (لو23: 34). ويؤكد يوحنا أن الله هو الذي غفر للبشر خطاياهم (1يو2: 13).
يقدر الناس أن يغفروا لمن أساءَ اليهم ، بل يجب أن يفعلوا ذلك. إنما تلك هي مسامحة لمن يسيء الى غيره وكلاهما أحياء، فواجب المسامحة يعلو على رغبة الأنتقام: “كونوا رحماء مثل الآب السماوي.. وآغفروا فيغفرلكم”(لو6: 36-37). فالمسامحة دليل الرحمة، والرحمة دليل المحبة، والمحبة واجبة لله وللأنسان (متى22: 37-40). أما الموتى نقدر أن نسامحهم على إساءاتهم الينا. أما خطاياهم ضد محبة الله والقريب فليست من صلاحيتنا لنغفرها لهم.
ما دور الصلاة ؟
أما الصلاة فهي دعاء الى الله نرفعه من أجل غيرنا. نطلب الى الله أن يرحم غيرنا ويرعاه برحمته ويعالجه بنعمته. لقد عَّلمنا الرب أن نصلي كل حين ولا نمل (لو18: 1؛ 11: 8-10). وطلب منا الرسول أن ” نصلي وندعو ونبتهل ونحمد من أجل جميع الناس”(1طيم2: 1). وكان هو نفسه يصلي من أجل غيره (أع26: 29؛ رم1: 10). ولما سجن بطرس رفعت الكنيسة من أجله ” الصلاة الحارة بلا توقف “(أع12: 5). وهكذا دأبت الكنيسة أن تصلي من أجل كل الناس، كل الأحياء وكل الأموات، ليتقدس الأحياءُ ويشهدوا للمسيح و يبنوا مملكة الله على الأرض ، ولكي يشارك الأموات مجد الله و يتمتعوا بنعيم السماء. و تصَّلي بنوع خاص من أجل ” أنفس المطهر”، أى الذين تابوا عن خطاياهم قبل وفاتهم لكنهم لم يلحقوا أن يتطهَّروا من تشويهات الخطيئة ولم يستعيدوا بهاء البرارة اللائقة بقداسة الله ، ليتطهروا عنها بعد وفاتهم قبل ان يتمتعوا بمشاركة مجد الله ونعيمه. وقد أكدت العذراء مريم على ذلك وطلبت الصلاة والتضحيات من أجل الذين يتعَّذبون في المطهر الذي أرت منه مشهدا لرؤاة فاطمة في تموز سنة 1917.
فصلاة الأهل على مَّيتهم، مثل صلاة الكنيسة، لا تغفر الخطايا. بل تكفَّر فتُطَّهر النفوس التي تابت عن خطاياها وغفرها الله لها في إرادتها، إنما بقي أن تتنقّى من دنسها الذي شوَّهها حتى تكون أهلا لمواجهة الله ” وجهًا لوجه”(1كور13: 12). تعمل الصلاة عمل ذبائح العهد القديم التكفيرية التي كان التائبون يقدمونها عن نتائج خطاياهم. الذبائح والصلوات هي تضحية يؤديها الأحياء عوض الأموات وبآسمهم لأن الأموات لا يستطيعون بعد وفاتهم أن يعملوا شيئا صالحا أو تضحية تغسلهم من شوائب الخطيئة التي وسَّختهم. لقد تابوا عنها فلا يهلكون. لكنهم لم يكفروا عنها على الأرض لذا وجب عليهم أن يدفعوا الثمن عنها قبل رؤية الله وجها لوجه. وبما أنهم لا يستطيعون أن يقوموا بعمل صالح يقلل من عذابهم تأتي صلاة المؤمنين من أجلهم تغيثهم وتسعفهم لتقليل مدة تطهيرهم بتحمل التضحيات بدلاً منهم. فكما دفع يسوع بآلامه ثمن خطايا البشرية وكفرعنها يمكننا نحن أيضا أن نكَّفر ونتحمل عقوبات خطايا غيرنا. هذا ما تعمله الصلاة لأجل الأموات.