أهلا وسهلا بالأخ السائل الكريم.
لاحظ الأخ السائل مأساة العمل الأسود. عرفَ رجُلاً يشتغل بالأسود ويتقاضى في نفس الوقت مساعدة من الدولة، والتي هي بمثابة راتب إذ تكفي لمعيشة الفرد أو العائلة حسب الحالة. ويتابع حديثه المؤلم أنَّ ذلك المواطن ” ينَّظم أوراقًا على أنه يشتغل براكتيك”. و البراكتيك كما هو معروف يعمل شخص عند آخر ويتقاضى منه نسبة حوالي 20% من الراتب والباقي تدفعه له ” البلدية “. ويتابع فيقُّصُ خبر نموذجه ويقول :” إشترى محلا. لأن وارده مضاعف!. وشغله جيد جدا. طلبت منه زوجته أن يحَّولَ المحل من أسود الى أبيض. رفضَ إجراء ذلك. وفوقَ الحمل علاوة يفتحُ محله يوم الأحد ويشتغل”. و يريدُ السائل الكريم أن يصلَ الى” نتيجةٍ واضحةٍ وحقيقيةٍ وصحيحةٍ ” مع دلائل من الأنجيل. فسأل هل هـذا خطـيئة أم لا ؟ ما هو الحــل ؟
من أخَّلَ بأمرٍ واحدٍ أخطأَ بالشريعةِ كلها ! يع2: 10
قصةُ صاحبِنا ليست فقط مُدهشة بل هي مؤسفة ومؤلمة. إنَّ الشغل بالأسود قاده الى سلسلةٍ من المخالفات. فالعمل الأسود بذاته مخالفة لا فقط لقانون الدولة بل وأيضا للضمير الأنساني. لأنه تهَّرُبٌ من الضرائب ما يُضّرُ بآقتصاد البلد. فعوضًا عن أن يساهمَ في بناء البلد إنه يحاولُ الإثراء على حسابه وبالتالي الحَّدِ من تطوره. بل يسرق من طاقاته وحقوقه ، وقال الله في وصيته السابعة: ” لا تسرق ” (خر20: 15؛ متى19: 18؛ رم13: 9). وقال ايضا: ” أعطوا كلَّ واحدٍ حقَّه: الضريبة لمن له الضريبة؛ الجزية لمن له الجزية..”(رم13: 7). إنَّ الطمع ليس فقط فسادًا للدين بل هو إنزلاقٌ في طريق السوء نحو هاويةِ الهلاك قلما يستطيعُ المرءُ أن يتخلص من براثنها.
+ إضافة الى السرقة يقود العمل الأسود الى الكذب والغش. من جهة يدّعي الأنسان أنه لا يشتغل فيكذب. ومن جهة ثانية يقبضُ راتبا يُسَّمى ” مساعدة مالية ” لسدَّ نفقاتِ عيشِه. نيل هذه المساعدة خلافا للقانون يُعتبر أيضا ” سرقة “. وقد قال الرب :” لا يكذب بعضُكم على بعض “(أح 19: 11-12)، لأنَّ من يكذب لا فقط يؤذي الناسَ بل يهين قداسةِ الله (أع5: 4 ) الذي قال :” ليكن كلامكم نعم لما هو نعم ، و لا لما هو لا (متى5: 37؛ 1كور1: 17-19).
+ تنظيم أوراقٍ ثبوتية مُزَّورة يُعتبر شهادة زور. وقد قال الرب :” لا تشهد شهادة زور” (خر20: 16؛ مر10: 19) فلا ” تنقل خبرًا كاذبًا، ولا تضع يدك بيد الشرير لشهادة زور. لا تتبع الكثرة الى السوء، ولا تسايرها في الدعاوي خلافا للحق “(خر23: 1-2). يقول مار بولس :” إننا نصَّلي الى الله أنْ لا تعملوا الشر”(2كور13: 7)، بل أن ” تقدروا فتقاوموا في يوم الشر.. فآثبتوا إذن متمنطقين بالحق، لابسين درعَ الأستقامة “(أف6: 13-14).
+ والعمل يوم الأحد أيضا يُعتبر مخالفة لوصية الرب بتقديس”يوم الرب” (خر20: 8-10؛ 23: 12). وقد دأبت الكنيسة من أيام الرسل أن تكَّرسَ الأحد للرب وتقَّدسه (أع20: 7؛ 2: 42) فتأمُرُ بأن يتوقف فيه المؤمنون عن العمل بالأضافة الى المشاركة في القداس (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2042).
+ وعلاوة على كل هذا يرفضُ صاحبنا صوتَ الضمير ونداءَه الى تصحيح الموقف و تحويل الشغل الى أبيض بسبب الطمع والأستمرار في سرقة أموال الدولة. بينما تركَّزت رسالة يسوع على دعوة الأنسان الى تغيير سلوكه السَّيئ ليتماشى مع قداسة الله :” توبوا فقد إقتربَ ملكوت الله “(متى4: 17)، و” إن لم تتوبوا فجميعكم تهلكون “(لو13: 3و5). وعليه شدَّد يوحنا على التوبة وإظهارها بثمار تليق بها (متى3: 8؛ لو3: 8). كما بشَّر بولس ” سائر الأمم داعيا الى التوبة والرجوع الى الله، والقيام بأعمال تدُّلُ على التوبة (أع26: 20).
+ إذا كانت مخالفة وصية واحدة من وصايا الله ” خطيئة “، لأنه برفض واحد لأرادة الله يزول حب الأنسان لله، فكيف به إذا خالف وصايا الله بالجملة ؟. لأن الخطيئة ليست سوى ” رفض إرادة الله ” وعدم التقيد بإرشاده مثل قايين (تك4: 7)، أوبتحذيره مثل يهوذا (متى26: 24).
و الحَّـــل ؟ متى18: 15-17
عالج يسوع بتعاليمه مثل هذه الحالة. الأنسان الخاطيء مريض ويسوع يريد أن يعالجه ليشفيَه لأنه هو رحوم :” أريد رحمةً لا ذبيحة. وما جئتُ لأدعوَ الصالحين، بل الخاطئين” (متى9: 13)، ويدعو أمثال صاحبنا الى التوبة ، مثل الزانية (يو8: 11)، ويُشَّجعهم على التجَّرد من خيرات الدنيا (متى19: 21). أما بقية المؤمنين فيدعوهم ، من جهة الى ترك دينونة هؤلاء لله (متى 7: 1)، ومن جهة ثانية الى دعوتهم الى إصلاح سلوكهم. فيحاولون بأنفسهم ، أو بواسطة غيرهم معروفين بآستقامتهم وكرامتهم الأجتماعية ، أو بواسطة الكنيسة. وإذا لم يستجيبوا للدعوة وأصروا على سلوكهم السَّيئ ، ورفضوا السماع حتى للكنيسة فعندئذ يقول الرب :” عامله كأنه وثنيٌّ وعشّار”(متى18: 17).
يجب إظهار محبة عظيمة تجاه كذا أشخاص والصلاة من أجلهم ثم محاولةِ إظهار سوء الحالة التي هم فيها والخطر الأجتماعي والأبدي المحدقين بهم ، وتقديم الصورة البديلة الحلوة و الأيجابية لتغيير السلوك ، وتشجيعهم على التطلع الى السمعة الجيدة والمصير المُشَّرف لهم ولأحبابهم. وتذكيرهم بمحّبة الله لهم !