مســبحة الورديـة !

أهلا وسهلا بالأخ مارسين أمير

سأل الأخ مارسين عن أصل الوردية وكيفيـة تأسيسها ؟

تكرار السلام والرب شجبَ تكرار الصلاة كالوثنيين ؟

يا ممتلئةً نعمة الرَّبُ معك ! لو1: 28

لصلاة مسبحة الوردية جذور عميقة في تأريخ الكنيسة. تبدأ من القرن الأول الميلادي ومن الرهط الأول من المسيحيين. فإنَّ الوردية متكونة من تلاوة صلاتين : أبانا الذي .. التي علمها الرب يسوع، والسلام عليكِ .. التي بدأها الملاك عندما حيَّا مريم حاملا اليها رسالة السماء. تابعتها اليصابات معلنة بركة الله لمريم كونه إختارها أما للمخلص. وكمَّلتها الكنيسة بإلهام الهي عندما أعلنت أمومة مريم الألهية . فتشكلت صلاة كما نتلوها منذ أكثر من 1500 عام. وقد وُجَّهتْ هذه الصلاة الى مريم طلبا لمساعدتها، تيَّمُنا بإحساسها بنا وشفقتها علينا ، و بناءًا على بُنُوَّتِنا لها منذ أن أعطاها يسوع أما لنا وهو على الصليب.

سوف تُطَّوبُني جميع الأجيال ! لو1: 48

معروف أن تكوين صلاة ” السلام عليك” يرتقي الى سنة 432م على يد البابا القديس سيلستينُس الأول (422-432). وبدأ تلاوتها بشكل رسمي بدءًا من الأديرة من قبل الرهبان الأُميين الموَّكلين على الأعمال اليدوية، في الحقول خاصة. كانوا يتلونها يوميا بمثابة صلاة الفرض وفي أوقات فراغهم ، لسهولة تلاوتها حتى أثناء مزاولة العمل إذ هي قصيرة وتكرر غيبيا. ثم آنتقلت الى الجنود كصلاةٍ بديلة للمزامير ، والى العوائل فصاروا يتلونها 150 مرَّة بعدد المزامير حتى دُعيت بـ” المزامير المريمية”. وسُمِّيت مسبحة بنتيجة ما تؤول اليه ألا هو تسبيح الرب ، الى أن تدخلت السماء تأييدا لتلاوتها فنظمتها وأعطتها نورا تسلط الضوء على حياة المسيح وسلاحا لمقاومة إنتشار جهل الهرطقات.

أما التسمية ” الوردية” وتنظيم تلاوتها في أقسام وأسرار فيعود الى القديس عبد الأحد(1170 – 1221) مؤسس الرهبنة الدومنيكية، بإيعاز من مريم العذراء (1213م) ،فعلمها رهبانه و نشرها بين العوائل في أوربا. وقد شَّبه الصلاة بباقة ” ورود ” مختلفة العطور والألوان مشكلا بها إكليلا لمريم. وبجانب ما تعلمه عن حياة المخلص وعلاقة مريم به ترمز أسرار الفرح الى تجسد المسيح ، وأسرار الحزن الى الفداء وأسرار المجد الى المجد المبني على الرجاء بالخلاص، وأسرار النور الى الأنتماء الى الخلاص بدخول مملكة المسيح ومشاركة مجده و وليمته.  يظنون إذا أكثروا الكلام يُستجابُ لهم ! متى6: 7

تساءَل السائلُ الكريم ” هل طبيعي أن نعيد السلام الملائكي 50
مرة؟ أ لم يقُلْ الرب : لا تكثروا الكلام مثل الوثنيين”؟.

أولا: قال الرب ” لا تطيلوا الكلام عبثًا مثل الوثنيين”. أى لا تعتقدوا أنه إذا صليتم ساعة فذلك أفضل من أن تصلوا عشرة دقائق، فتكررون نفس الشيء دون وعي أو إندماج في الصلاة. ليست الصلاة بأجرة حتى تتضاعف فائدتها بطول فترة العمل. فلا تقاس أجرة الصلاة بطولها. مع ذلك تختلفُ الأطالة عن الكثرة. لأنَّ الرب يسوع نفسه قال ايضا:” صَّلوا كلَّ حين ولا تمَّلوا “(لو18: 1). هناك صلاة فصيرة وهناك غيرها طويلة. تقاسُ الصلاة بمضمونها
والهدف الذي تقصده بها والحرارة التي بها تؤَّدَى. يسوع نفسه يرفض الصلاة الفاترة (رؤ3: 16)، ويرفض الثرثرة ، مع ذلك يريد أن تكون حياتنا كلها صلاة.

ثانيا : كانت صلاة الوثنيين ” كلاما بشريا ” لا روح فيها ولا حياة ، مثل صلاة كهنة البعل (1مل18: 26-29). أما السلام الملائكي فهو” كلامٌ الهي ” نطق به مرسل الله ، وأوحاه الروح الى اليشبع ، ثم الى الكنيسة. والرب يسوع وعد رئيس الكنيسة أنه يعصمه من الخطأ في الأيمان ليضمن الحقيقة للناس الى نهاية العالم. وصلاة السلام قد أكملها وجعلها كصلاة أحد خلفاء بطرس، وأيَّدها كل الباباوات وطلبوا تلاوتها. فلا يعقل أن يسمح المسيح لكنيسته أن تعَّلم الغلط وقد وعدها بأن لا تقوى ابواب الجحيم على إغوائها.

ثالثا : مريم العذراء لم تخطأ وهي على الأرض فهل تخطأ وهي الآن في السماء؟. ومريم هي التي علمت تلاوتها ، وهي التي قالت للقديس عبد الأحد بأنَّ ” تلاوة هذه الصلاة مُرضيةٌ لله ومُحَّببة إليها “، فتفرحُ بتلاوتها، وقد طالبت رؤاة لورد وفاتيما أن ينشروا تلاوتها في العوائل ويشجعوا المؤمنين عليها. أنْ تُشَّبه الوردية بـ “ثرثرة الوثنيين” تجربة من ابليس و خديعة جديدة ضد تلاوتها لآيقاع المسيحيين في الجهل بحياة المسيح. لأنَّ الوردية ” خلاصةُ الأنجيل ” كما قال عنها البابا الطوباوي بولس السادس ، وهي تشُّدُ المؤمنين الى المسيح.

رابعا : أما عن خمسين سلاما فهي لا تشكل تكرارا بقدر ما كل سلام هو قبلة ايمانية قائمة بذاتها نطبعها على جبين أمنا مريم مثل قبلات حب الطفل البريئة والحارة التي يطبعها مئاتٍ مئاتٍ على خدود والدته ، التي لا فقط لا تنزعجُ بل تفرح بها وتتهنأ لأنها تحمل عبير الحب الصادق وشرارة الدفء البريء. فكل سلام وردة جديدة تضاف الى الباقة يختلف عن الباقين بلونه وعطره. و المسبحة سلسلة من ورود متتالية لا وردة واحدة يُكَّررُ تقديمها.

خامسا : إذا كان السلام تحَّيةً الهية من السماء لمريم فهل نسيءُ نحن في تكراره ، أو هل يرفض الله أن يفتخر البشرُ بكلامه ويستعمله بنفس هدف الله ألا هو إعلان قداسة مريم التي قبلت المهمة التي كلفها الله بها ؟. لأنَّ التحية التي نلقيها على مريم ليست مثل” صباح الخير ، مساء الخير”. تحيتنا تعني تهنئة مريم بالنعمة التي نالتها. وتعني ايضا إعلان عظائم الله على يد البشر. فمريم هي رمز حالة البرارة التي كنا سنكون عليها لو لم يخطأ أبوانا الأولان .كما ونحن مدعوون بعد إستعادة برارتنا بالمعمودية أن نحافظ عليها مثل مريم لنتمجَّد معها مدى الأبدية. فتكرار مدح مريم هو الإكثار من تصفيت لِبْن الرجاء في بناء صرح حياتنا الأيماني.

القس بـول ربــان