أهلا وسهلا بالأخ ساهر فرنســو.
سأل الأخ ســاهر :
<:> 1- ما هو مفهوم الحسـد والعين في منظور الكتاب المقدس ؟
<:> 2- هل يجبُ أن نخشــاهُ نحن المســيحييـن ؟
الحســودُ لا يســودُ !
تطّلعَ الأنسانُ من البداية إلى تَبَّوُؤ عرش الحياة. ولمّا فشلَ في محاولتِه صارَ يرى كلَّ نجاح لغيرِه ثقلا يُحَّطمُه وسورًا يمنعُه من تحقيق حلمِه. فكان أولَ ثمرٍ للكبرياء الحسَدُ الذي بـدأ ينخرُ عظامَ المولود الأول للأسرة البشرية. حسدَ قائين أخاهُ هابيل ، لأنَّ هابيلَ نجحَ في إرضاءِ الرب في حين فشلَ هو. فأرادَ أن يتخَّلصَ من منافسِه ظانًّـا منه أنه يقدرُ بذلك أن يفرُضَ إرادتَه على الله. نصحَه الله أن يسودَ على مشاعره ونواياه لم يفعل ، بل سادَتْ هي عليه (تك4: 7).
وأولادُ يعقوبَ حسدوا أخاهم يوسف بسبب تفضيل أبيهم له عليهم. والحسد أثمرَ كأمه الكبرياء فولدَ البُغضَ (تك37: 4). وأخذَ البغضُ في التفاقم (آيات 5 و8)، وبدأ الحسدُ ينخرُ عظامَهم (آية 11)، وآنتهى بأن ” تآمروا ليقتلوه” (آية 18-20). وأخيرا باعوه عبدًا قائلين : ” نرى ماذا تنفعُه أحلامُه “؟. وساد يوسف بالنهاية عليهم!
وحسدَ شاول الملك داود لأنه أحرزَ إنتصارات وتغنى الشعبُ بأمجادِه أكثر من شاول. فأبغضَه و” أضمرَ الشَّر لداود”. وكان ذلك بفعل “روح شّرير” إستولى عليه. وصار يفزع منه ويحاول قتله . وإذ لم ينجح طارده وصار يتعقبه في كل مكان ليقتله (1صم18: 9- 19: 15). وفي النهاية مات شاول وملك داود للأبد من خلال نسله ” يسوع” !
وأخيرا يسوع نفسُه لمْ يلقَ من الأحبار والعلماء والفريسيين سوى ” الحسد ” والمؤامرات لقتله. أما الحسد فهذا ما قاله الأحبارُ والفريسيون:” ماذا نفعل؟ هذا الرجل يأتي بآياتٍ كثيرة.
فإذا تركناه وشأنَه آمن به جميعُ الناس ” (يو11: 47-48). وأضافوا :” هوذا العالم قد تبعَه” (يو12: 19). هذا الحسد قادهم الى الطلب من بيلاطس أن يُصادقَ على حكمهم بقتلِه. حاول بيلاطس إنقاذه لأنه ” كان يعرفُ أنَّ رؤساءَ الكهنة من حسدهم أسلموا يسوع”(مر15: 10).
وظهر الحسدُ حتى بين تلاميذ يسوع، إنما بثوب أبيض، إذ ” كان البعضُ يبَّشرُ بالمسيح عن حسد ومنافسة ” مع بولس ” ليزيدوا قيوده ثقلا” (في1: 15-17).
يُسَّودُ مار بولس صحيفة الحسد إذ يستنتِجُه من ” فساد البصيرة ” ويقول أنَّ الحسودين ” أتوا كلَّ منكر. فمُلِئوا من أنواع الأثم ، والخبث ، والطمع ، والشر ، والحسد ، والتقتيل ، والخصام ، والمكر والفساد ” (رم1: 29). وينصح الرومانيين أن يسيروا سيرة كريمة ” بلا قصفٍ ولا سكر، ولا فاحشةٍ، ولا فجور، ولا خصام، ولا حسد “(رم13:13). وكذلك يُحَّذرالرسول منها أهل كورنثية وغلاطية (1كور3:3؛ 2كور12: 20؛ غل5: 31). ويكتب لأسقف أفسس ، تلميذه طيمثاوس ، بأنَّ من يرفض تعليم المسيح جاهلٌ به هوس ” المجادلات والمماحكات، ومنها ينشأ الحسد والشقاق والشتائم والظنون السيّئة..” (1طيم6: 4). الحسد يُصاحبُ دوما ” الخبثَ والبغض”(طي3:3)، و” الخداع والرياءَ والنميمة والدم ” (1بط2: 1). ويُصَّرح مار يعقوب بأنَّ الحسد والخصام ” حكمة دنيوية بشرية شيطانية ” (يع3: 14-15).
أما الأنجيل فقد ذكر مرقسُ الحسدَ وصَّنَفَهُ سوءًا يُنَّجسُ الأنسان ، حيثُ قال الرب :” من القلب تنبعثُ مقاصدُ السوء: الفُحشُ والسرقةُ والقتلُ والزنى والطمع والخبثُ والغش، والفجورُ والحسد و النميمة والكبرياء والسفه. جميعُ هذه المنكرات .. تُنَّجسُ الأنسان” (مر7: 21-23).
إذا كانت عينك شّريرة !
يتحدَّثُ الأنجيل عن العين ويدعوها ” مصباح الجسد”(متى6: 22) وعليها يتوقف نورُ المرء أو ظلامه، خلاص الأنسان أو هلاكه. فيتحَّدث متى عن العين السليمة والعين الشريرة أو السَّيئة. ويبدو أنَّ العين الشريرة والحسد ليسا سوى شيءٍ واحد. حتى أن ترجمات عديدة لانجيل مرقس ، النص المذكور أعلاه 7: 21-23، تذكر” العين الشريرة” أو” عين حاسدة” عوض كلمة ” الحسد”. لقد تحَّدث يسوع عن ” النظرة الشهوانية ” وأدانها. وأضاف أنَّ العين إذا قادت الى الخطيئة فالأفضل أن تُقلع تلك العين من أن يهلك الأنسان بسببها (متى5: 27-29). بمعنى أن الشرير يدفع الأنسان بواسطة أعضاء الجسد، لاسيما العين، الى الشر: ” فرأت المرأة أنَّ الشجرة طيبة للمأكل وشهية للعين..” (تك3: 6). وأكَّد يسوع أنَّ عمال الساعة الأولى لا فقط حسدوا نظراءَهم عمّالَ الساعةِ الحادية عشرة، بل نظرتهم الى رب العمل كانت ” سَّـيئة ” حتى قال :” ..أم أنتَ تنظُرُ إليَّ نظرةَ سـوءٍ لأني كريم “؟ (متى20: 15). عينهم قادتهم الى أن يحسدوا رفقاءَهم وأن يُسيئوا الظنَّ في رب الكرم.
وإذا كان الأنسان الأول نفسُه أغرته عينه وجَّرتهُ الى المخالفة فلا غرابةَ في أن تكون قد سادت بين الناس نظرية ” الأعتقاد بالعين الشريرة” {{ إصابة العين!}}. يقول الأب بولس الفغالي، نقلا عن اساطير هذه النظرية، بأنَّ ” عينَي الشر لدى الحسود تملأُ الجوَّ بمرارتِها. وهذا السائل الرقيق يدخلُ حتى العظام فيُسَّببُ الأمراض .. والشرور”(كتاب: المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ، كلمة ” العين “). ويتحَّدث مار بطرس عن المنافقين فيقول :”.. لهم عيونٌ مملوءةٌ فِسْقًا ، منهومةٌ بالخطيئة..”(2بط2: 14). ولا يترَّدد مار بولس فيعزو هذه الأمور الى تدخل شيطاني (!طيم4: 1).
لا تخف أيها القطيعُ الصغير !
هكذا تحَّدثَ يسوع مع تلاميذه (لو12: 32)، وطمأنهم ضد هجمات ابليس، بإثارةِ الحسد أو بغمزات العين الشريرة. لا يتوانى الشرير وأنبياؤُهُ الكذبة عن زرع القلق والرعبَ في نفوس أتباع المسيح ليقودوهم إلى اليأس. أما المؤمن الحقيقي فلا يخافُ لأنه يعرف أنَّ الله أقوى من دسائس ابليس وشره وأعوانه الهزيلين. لقد إنهزم أمام تلاميذ يسوع :” ورجعَ الأثنان و السبعون فرحين وقائلين: ربَّنا ، حتى الشياطين تخضعُ لنا بآسمكَ.. إني أوليكم سُلطانا به تدوسون الحيات والعقارب، وكلَّ قُـوَّةٍ للعدو، ولن يضُّرَكم شيء” (لو10: 17-19). و أقوى صفعةٍ لأبليس هي ألا ننخدعَ بإغراءاتِه بل نرُّدَه بآسم الله ، مثل يسوع ، خائبا يجر ذيول المرارةِ ويكتوي بالفشل.