لا تُقــاوموا الشَّــرير !

أهلا وسهلا بالأخ سامر سامي فرنسو.

تساءَل الأخ سامر عن مفهوم الآية “/ لا تقاوموا الشر”. ثم ألحقَه بسؤال يقول :

## ما هو موقف الكتاب المقدس من الخدمة العسكرية … ومهمة القـتل ؟

قبل الجواب أود أن أؤّكدَ لسامر: بأني أعطيتك جوابا أولا لربما وجدتَ فيه ضالتَك. لم يكن لي وقت لأتأكد من أن جوابي السابق ردَّ على كذا أسئلة أم لا. ولكني لم أنسَ سؤالكَ ولا نسيتُ أن أتأكد مما جاء في جوابي عن ” الدفاع عن النفس”. الآن وقد حصلت الوقت لأفعلَ ما نويتُ رأيتُ أن لا أسئلتك ولا أجوبتي تطرقت الى ما طرحته الآن. لذا أكتب لك وللقراء الكرام بطيبة خاطر حول ما سألته. وأعتذر عن التأخير.

لا تُـقاومـوا الشّــرير !

قبل كل شيء لم يمنع يسوع ” مقاومة الشر” بل قال :” لا تقاوموا الشّرير” (متى 5: 38). والفرقُ كبيرٌ بين الأثنين. أما الشَّر فهو فعلٌ وسلوك. إنه الخطيئة والضلال الذي يقودُ الأنسان الى الهلاك. و قد جاء المسيح نورًا ليُقاومه ويدُّلنا على سبل تجَّنبِه والقضاءِ عليه. لأنَّ الشر سوءٌ وظلام (يو3: 20). و قد سَّمانا يسوع نحن أيضا نورًا فدعانا الى أن نتوبَ عن شرورنا (متى4: 17) كما حرَّضنا على عدم العودةِ الى مساوئنا (يو8: 11). وذهب بولس الى أكثر من ذلك عندما قال :” أزيلوا الفاسد من بينكم ” وحكم على عزل الرجل الفاسد الزاني العلني لحماية الجماعة من عدوى الفساد (1كور 5: 1-13).

أما الشرير فهو شخص. إنه ابليس أوالأنسان الشرير الذي يُسيءُ ويظلمُ ويهين و يستفزُ المؤمن ليَجُّرَه الى سجالٍ فسادي يقود بالتالي الى الهلاك. فمقاومة الشرير، بفعل ما فعلَ ، تقود الى استعمال العنفِ سلاحًا لإحقاق العدالة. والشَّرُ مرفوضٌ في كل أشكالِه، كان في التعَّدي غلى الغير أو في الإنتقام لحَّقٍ حُرمنا عنه ،أو إهانةٍ وظلم وخسارة تكبدناها بسبب تصَّرف إنسان شّرير.

حَّـوِل له الخَّـدَ الآخر !

هكذا قال يسوع :” لا تقاوموا الشّرير. مَنْ لطمَكَ على خَّدِكَ الأيمن، حَّوِلْ له الآخر”!. إنَّ قانون عدالةِ البشر من حمورابي، مرورا بموسى ، والى عالمنا اليوم ، هي ” العينُ بالعين والسن بالسن ..”. أى معاداة من يُعادي وصداقة من يُصادِق ، وتبادل السلوك. فمَن يؤذيني أوذيه ، ومن يضربني أضربه، ومن يسرقني أسرقه، ومن يرفض التعاون معي ومساعدتي أرفض التعاون معه ومساعدته. والتبرير هو” أن آخُذَ حَّـقي بيدي”، وأنَّ الحَّقَ هو المعاملة المتبادلة، وأنه إذا لم أتصَّرف كذلك فأنا جبانٌ وفاشلٌ وحقير. لا يوجد في الدساتير البشرية قانون يدعو الى المحبة والمسامحة، ولا حتى على الإخاء. تعتبرُ شريعةُ البشر الأفرادَ معزولين عن بعضهم ، أحرارًا وغرباء لا حَّقَ لأحد على أحد.

أما شريعة عدالةِ الله فهي مبنية على الطبيعة الأنسانية والمحبة التي تُنعِشُها ويُتغَّذى منها. لذا فهي ترفُضُ السوء بأيّ شكل كان ومن أية جهةٍ صدر. فالناس كلهم يتشاركون في الطبيعة الواحدة. كلهم أولاد أبٍ واحد مهما كثروا وآفترقوا وآغتربوا. كلهم إخوةٌ وأخـوات. فالبشرية أسرة واحدة رابطها هو المحبة والألفة، سلوكها هو الحوار والتفاهم وهدفها تحسينُ ظروفِ الحياة وتوفير مستلزماتها لكل واحد، وبناء الحياة الأجتاعية بشكل يُرَّيحُ الكل. وهذا البناء يتطلب البذل والتضحية من الراحة أو الحق الخاصّين لآحترام وإنقاذ الحق والمصلحة العامين.

فمن هذا القبيل أدان أولا كل شر. وأمرَ ألا نقابلَ شَّرَالآخرين بشَّرٍ من عندنا. لأننا لا نكون عندئذ أفضل منهم. بل ننزل الى مستواهم. وإذا آنحدرنا في سُّلم الأخلاق كيفَ يحُّقُ لنا أنْ نحاسبُ أو ندينُ غيرَنا؟. ما لمْ نُخرجْ الخشبة من عيننا لا نستطيع حتى ولا أن نرَ القذى في عين المسيءِ إلينا. هل يستطيع الأعمى أن يرَ عمى غيرِهِ؟ أم هل هو أفضلُ منه؟. فإذا أسأنا إلى من يُسيءُ إلينا نكون مخالفين ونُحاسبُ عليه. ثم طلبَ منا الرب أنْ نُفَّـعِلَ المحبة فنقبلَ التضحية من أجل الخير العام؟. والتضحية هي أن نقبلَ الإساءَة مرة ً ومرَّتين وعشرينَ مرةً بل ” سبعَ وسبعين مرة سبع مرات “(متى 18: 22) ونرفُضُ أنْ نُسيءَ الى حتى عَدُّونا ولو مَرَّة واحدة. لأنَّ المحَّبة ” حليمة ، مترفقة، لا تحسد، لا تنتفخ ، لا تتكبر، لا تفعلُ السوء ولا تسعى الى منفعتها، لا تحنق ، لاتبالي ما ينالها من السوء، لا تفرح بالظلم..وتعذرُ كلَّ شيء، وتُصَّدقُ كلَّ شيء، وترجو كلَّ شيء، وتصبرُ على كل شيء “(1كور13: 4-7). فالمسيحُ ضَّحى حتى بحياتِه من أجل ألا نموتَ نحن ونهلك!.

فالسوء يتوقفُ ، حتى لو تكرَّرَ مرات عديدة، إذا لمْ يلقَ مقاومة عنيفة. والحية السامة إذا دخلت جحرَها لن تُخرجها منه حتى ولا قنابل التهديد. بينما لطفُ موسيقى هادئة قادر على أن يجُّرَها الى الخا رج. هكذا تحَّدي الشر بالخير كفيلٌ بأن يقضي على الشر، كما قال مار بولس :” لا تدع الشَّرَ يَقهَرُكَ. بل كن بالخيرِ للشَّر قاهرًا ” (رم12: 21).

الحــربُ والقـتلُ !

تآمرَ الفريسيون مرةً على يسوع ونصبوا له كمينا به يصطادونه فيُهلكوه. سألوه ” هل ندفع الجزية لقيصر أم لا ندفع”؟. أجابهم: ” ما دام المالُ لقيصر، إدفعوا له الجزية. وبما أن الحَّقَ لله فآدفعوا له ضريبة البر”!(متى22: 15-22). هكذا الخدمة العسكرية والحرب من أمور الدولة. فالمواطن المنخرط في السلك العسكري يخضع لنظام الجيش وأوامرِه. والجيش لحماية البلد والمواطنين. وقادة البلد يتحكمون فيه ويقررون ماذا يفعل الجندي. فالجندي عبدٌ مأمورٌ لا إرادة خاصة له. إنه يُنفِذُ أوامرَ القادة. وعليه ألا يسمح للعدو أن يُسيءَ الى البلد و الى المواطنين. ويُضطّرُ أحيانا في أداءِ واجبِه أن يُحاربَ فيقتل. ليس واجبُه أن يقتلَ بل أن يحمي. وإذا قتلَ فالدولة هي المسؤولة. بينما إذا لمْ يُؤّدِ واجبَه وسمح للعدو أن يغزوَ البلد فهو مخالفٌ ويُحاسبْ. لا يُحاسبْ على أنه لم يَقتُلْ! لا. يُحاسبُ على أنه لمْ يُؤَّدِ واجبَه في حماية البلد.

في بدايةِ المسيحية كانت الخدمة العسكرية مُحَّرمة على المسيحيين. وأحد أهم الأسباب كانت الحروب والقتل. ولما صارت الأمبراطورية الرومانية مسيحية صار الجنود كلهم مسيحيين ويُحاربون. ولما قامت الدولة الأسلامية لم يتجَّند المسيحيون، بل فرضوا عليهم الجزية لأداءِ دورِهم في حماية البلد أو توسيع حدوده ونفوذِه. ولا حرب بدون قتل ودماء. إنما يبقى على الجندي ألا يتعَّطشَ إلى سفكِ الدم. و يستغل فرصة الحرب لإرواءِ غليلِه فيتعَّمد في القتل. إنَّ كلَّ فعل يُقاسُ ، كما قال الأنجيل (متى5: 28)، بالنية التي تدفعُ إليه. في الحرب النية و الهدف للدولة. أما الجندي فيُنّفذُ الأوامر.

القس بـول ربــان