أهلا وسهلا بالأخ سامي توما
سمعَ الأخ سامي عن موضوع الأيمان والأعمال لاسيما المشاركة في القداس، وعن النار والجهنم. وقرأ المقال”حضور الكنيسة، بالسنة حسنة” حول من يحضرون المآتم في الكنيسة ولا يشتركون في القداس في الآحاد والأعياد حسب وصية الكنيسة. وتساءل عن: مدى أهمية إظهار الأيمان بالممارسات العلنية مقابل إخفائه في القلب والفكر. وأضافَ اليه سؤالا عن الجهنم والنار ، فقال :
# أيهما أهم : إظهار الأيمان ومحبة الله بزيارة الكنائس والمزارات وممارسة الطقوس ، أم أن يكون الأيمان خفيًا في داخل الأنسان ؟
## هل تؤمن المسيحية بالنار والجهنم أو الجحيم ؟
إصنعوا هذا لذكري !
حضور القداس ليس زيارة كنيسة أو مزار. وإقامة القداس ليس ” طقسًا ” سحريا أو إختلاقًا كنسيًا. القداس يعيدُ الى أذهان المؤمنين موت المسيح وقيامته (1كور11: 26)، و يُؤَّونها بنوع سّري تلبية ًلوصية المسيح نفسه الذي ما أن أسس سر القربان المقدس حتى قال للرسل :” إصنعوا هذا لذكري” (لو22: 19؛ 1كور11: 24). وقد درجَ من زمن الرسل أن يجتمع المسيحيون يوم الأحد ، الأول في الأسبوع (أع 20: 7؛ 1كور16: 2) للتعليم والصلاة و مقاسمة الخيرات ولاسيما لِـ” بركة الخبز وكسرِه وتناوله ” (أع2: 42-46) تماما كما علمهم يسوع المسيح وفعل (متى26:26؛ لو24: 30). فالمشاركة في القداس ليست زيارة تثقيفية او تقديرية بل من صلب جوهر الأيمان بموت المسيح وقيامته وحضوره في الخبز المُكَّرس خلال القداس لأجل تناوله. قال يسوع لتلاميذه” خذوا كلوا”. وسبق ذلك أن هيَّأ لتأسيس السر بتكثير الخبز(متى14: 13-21؛ 15: 32-39)، ولاسيما بخطابه حول خبز الحياة حيث شَّدَدَ يسوع على أنَّ من يأكل جسده ويشرب دمه له الحياة الأبدية، ويُحرم منها من لا يتناول جسد المسيح ودمه (يو6: 48-58). وكيف يتناول المسيحي جسد المسيح إذا لم يشترك في القداس يوم الأحد؟. وكيفَ يُظهرُ إيمانه وحُّبَه لله إذا لم يسمع كلامَ الله ولم يعمَلْ به؟.
ليروا أعمالكم الصالحة !
أما أن يكون الأيمان خفيا داخل الأنسان فأي إيمان يكون؟. كيف يتبَّين الأنسان المؤمن من الوثني أو الجاحِد؟. وكيفَ يتميَّزُ الأيمان الحق من الأيمان الباطل إذا لم يُعلن عنه ويُعاش بموجبه؟. الأيمان ليس فكرةً أو رغبة يمكن كتمها وإخفاؤها. الأيمان حــياة تُعاش. وإيمانٌ بدون أعمال، أى بدون بعدٍ حِسّي ظاهري، يكون مَّيتا لا غير كما قال الكتاب، لأنه بالأعمال يُعرفُ الأيمان (يع2: 17- 21). لقد دعا يسوع تلاميذه ” نورًا”. وكيف يُضيءُ النور إذا أُخفيَ؟. لنسمع ماذا قال يسوع :” أنتم نور العالم. ولا يوقَدُ سراجٌ ويوضع تحت المِكيال، بل على المنارة ليُضيءَ لكل من في البيت. هكذا ليُضِئْ نوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالحة ويُمَّجدوا أباكم السماوي”(متى5: 14-16). وكيفَ يتمُ كل هذا إذا كان المسيحي لا يتبعُ وصايا الله ويخالفُ تعليم الكنيسة المُعلن بآسم الله وبمشيئته وبتنظيمه؟(متى 16: 18-20). وكيفَ يمكن التمييزُ بين مؤمن وغير مؤمن إذا لم ينمُ الأيمان ولم يُثمر، وبين مسيحي وغير مسيحي إذا لم يُمارس الأعمال التي يفترُضها ” الأيمان العامل بالمحبة ” (غل5: 6)؟.
لا يموتُ دودُهم ولا تُطفَأُ النار !
لا أدري مدى إطّلاع السائل الكريم على الأنجيل ، إن لمْ أقلْ على الكتابِ المقدس كله. لأنَّ الكتاب المقدس صريحٌ على هذه النقطة. لقد تحَّدثَ الرب بعبارة صريحة عن الذين يخطأون بشكل تنقطعُ لهم كل علاقة مع الله فتُميتهم عن الحياة الروحية الألهية (1يو5: 16-17)، لأنهم يرفضون الله و تعليمه، فهؤلاء يكون مصيرهم الأبدي مؤلمًا. قال يسوع: خيرٌ للأنسان أن تُقطع يده أو رجله وحتى أن تقلع عينه من أن يخطأ هكذا لأنه يُلقى عندئذٍ ” في جهَّنم ، حيثُ لا يموتُ دودهم ولا تُطفَأُ النار”(م ر9: 43-48). وهذا يُدعى الهلاك أو الموت. وقد وصفَ سفرُ الرؤيا الجهنم كالآتي :” مستنقعٍ من نار ٍ وكبريتٍ مُتَّـقِد “(رؤ19: 20)، حيثُ يكابد ابليسُ والوحش والنبِيّ الكذّابِ العذابَ نهارًا وليلاً أبدَ الدهور” (رؤ20: 10). وقد أخبرَ يسوع عن هلاك يهوذا الأسخريوطي وأمثالِه الذين يصُّمون آذانهم عن سماع الحق ويتبعون شهواتهم ويسلكون سبيل الخطيئة.
حتى لو كانت النار والدود رمزين لعذاب الجسد والروح ،عذاب الضمير في الندم عن سيرة سيّئة غريبة عن محبة الله، ودليلِ تعَّلقٍ شديد بالحسيات، إلا انَّ حياة العذاب بعيدا عن الله و للأبد ممكنة. إنها حقيقة أخبر عنها الكتاب وشهد التأريخ على صحة ما نقله لنا الأنجيل عن تعليم يسوع المسيح. فلما ظهرت مريم العذراء سنة 1917م في فاطمة من أعمال البرتغال للرؤاة الثلاثة الصغار أرتهم في حضورها الثالث معهم في الـثالث عشر من تموز1917م منظرًا للجهنم طال ثانيتين او ثلاثة كادوا أن يموتوا من شدة الرعب الذي أصابهم من هول المنظر البشع المقَّزز والمريع !. صار الأطفال يصرخون من رعبهم ولولا أن العذراء طمأنتهم لكانوا قد ماتوا. فأوصت مريم الرؤاة الصغار بأن يُصلوا كثيرا من أجل توبة الخطأة وعودتهم الى الله كي لا يهلكوا.
إنَّ وجودَ الجهنم كعذاب أبدي مقابل وجود السماء كنعيم أبدي أمرٌ يبدو منطقيًا. أولا نؤمن أنَّ الأنسان لا يفنى مع موت الجسد. بل يدوم للأبد ويُعطيه الله جسدًا روحيًا (1كور15: 44 -49). وهذه الأبدية ستكون إما سعيدة أو تعيسة، تماما كما على الأرض. وثانيا يُمَّيزُ البشرُ بين الجيد والسيَّيءْ. ويرفضون أن يساووا بينهم. بل يُكافئون الناس الأبرار في نظرهم و يُعاقبون الأشرار . فّاذا كان البشر لا يساوون ولا يجمعون معًا القديسين والمجرمين فكم بالحري يُمَّيزُ الله ويُفَّرق بين الأبرا ر والأشرار ولا يجمعُ بين الحنطةِ والزؤان ، بل يأمرُ بحرقِ الزؤان أما الحنطة فيُكَّرمها؟ (متى13: 30). يَعرفُ اللهُ كيف يُمَّجدُ محبيه وعابديه ، ” فيُظللُهم في سرادقه، ويمسحُ كلَّ دمعةٍ تسيلُ من عيونهم، ويهديهم الى ينابيع ماءِ الحياة ” (رؤ7: 16-17)، ولن يكون في مملكته “لا بكاءٌ ولا صراخٌ ولا ألم” (رؤ21: 4).
أما مبغضو الله والرافضون له، ابليس ومعاونوه، فالعذاب ينتظرهم. فقد ” أُعتُقِلَ الوحشُ و النبيُّ الكذّابُ.. وأُلقيَ كلاهما حَّيَـيْن في مستنقع ٍمن نار وكبريت “(رؤ19: 20). وتبعهم الى هناك رئيسُهم، “فطُرِحَ ابليسُ في مستنقع النار والكبريت ، فلحِقَ بالوحش والنبّيِ الكّذابِ ، حيثُ يكابدون العذابَ نهارًا وليلاً أبدَ الدهور”(رؤ20: 10). وجميعُ الأشرار والمجرمين سيعاقبون مثلهم ” كلُّ واحدٍ بأعمالِه” (رؤ20: 12-13). إنهم الأموات من الآن لأنهم ” أنذالٌ وكُفَّارٌ وأوغادٌ وقاتلون وفُجَّارٌ وسحرة وعبدة أصنام ومعهم جميعُ الكذّابين ، فهؤلاء نصيبُهم في المستنقع المُتَّقِد بالنار والكبريت “(رؤ21: 8). وسيلحقُ بهم كلُّ ” المُؤثرين اللذّة على الله، أو يُظهرون التقوى ولكنهم يُنكرون قُـوَّتَها “(2طيم 3: 1-4).
وأعتقد أنَّ هذا يكفي ليَدُّلنا على حقيقةِ الأيمان المسيحي. فعذابُ جهّنم أمر حتميٌ لمن لا يُريدُ الله. لأنَّ عند الله الخالق الراحة والمجد والسعادة، ولن يُعطيها قسرًا لمن لا مكان له عنده. خالفَ آدمُ محبة الله برفض السماع له فآضطرَ أن يُغادرَ الفردوس لأنه لم يكن بوسعه العيشَ معه وهو قد رفضه بحريتِه. وهكذا يكون مصيرُأعداءِ الله خارج جنَّـةِ سعادته. هذا هو ايمان المسيحيةِ المبني على وحي الله وإعلانه.