أهلا وسهلا بالأخ ثائر فادي النجّــار.
تسـاءَل الأخ ثائر عن إزدواجية الأنتماء الأيماني ، فقال :
# هل يجوز لكاثوليكي أن يكون في نفس الوقت بروتسـتانتـيًا ؟
من قبلكم فقد قبلني !
تحَّدثَ السائل عن الأزدواجية في الأنتماء ، في آنٍ واحد ، بين كنيستين : رسولية وغير رسولية. لقد وضع السائلُ نفسه مفتاح الحل بين اليدين. إنَّ المسيح أقام رسله وتلاميذه الأوائل شهودا له ، وكلفهم بتبشير الشعوب وتعليمهم ، وخَّولهم سُلطان الحل والربط. هؤلاء هم المنتمون اليه. هؤلاء وحدهم كنيسة المسيح ومن سار على دربهم. ورفض يسوع لغيرهم أن يشتركوا بهذه الميزات. ولم يربط حياتهم وسلطانهم بمشيئة أهل العالم. فليس أهل العالم من يحكم عليهم أو يقرر إن كانوا أوفياء لتعليمه أم خونة. لقد علَّمهم ونظمَ مسيرتهم و وعدهم بأن يعصمهم من الخطأ ما داموا يخضعون لرئيسهم على الأرض، وهو بطرس وخلفاؤه من بعده، ومن خلالهم للمسيح نفسه. عن طريق بطرس يضمن المسيح سلامة عقيدتهم وآنتماءَهم اليه هو المسيح، فقال:” من قبلكم فقد قبلني”(متى10: 40). وأضاف “من سمع منكم سمع إليَّ. ومن أعرضَ عنكم أعرض عني..” (لو10: 16).
وعندما يكون الحديث عن مجموعتين ، إحداهما رسولية تابعة للنظام الذي أسَّـسه المسيح ، والأخرى غير رسولية أي لا تتبع نظام المسيح بل إتخذت لنفسها نظاما حسب هواها، عندئذ لا شكَّ ولا ترَّدُد في أنه ليس من الممكن جمع ” المجموعتين المتناقضتين”. لأنهما تسـكنان خيمتين مختلفتين : خيمةٌ بيضاء يقطنها الرسوليون وخيمة سوداء يقطنها الذين يرفضونهم. فهل من الممكن أن يتواجد الواحد تحت الخيمتين في نفس الوقت؟. طبعا يستحيل هذا. إما يسكن في الخيمة البيضاء وإما في السوداء.
وأيُّ علاقة للنــورِ بالظلمـة ؟
وآستحالة جمع مبدأين إيمانيين متناقضين يتحدث عنهما مار بولس. صحيح أنه يعني مباشرة عن التناقض بين المسيحية والوثنية، لكن المبدأ هو نفسه بين تلاميذ المسيح إذا آختلفوا بينهم و تناقضوا في وجهات النظر والتعليم بآسم المسيح نفسه. لأن يسوع قال في مثل ” النصح الأخوي” ما يلي :” إذا خطيءَ أخوك … وإن لم يسمع للكنيسة أيضا ، فليكن عندك كالوثني والعشار” ، وأضاف :” الحق أقول لكم : ما ربطتم في الأرض ربط في السماء. وما حللتم في الأرض حُلَّ في السماء “(متى18: 15-18). فالمسيحي إذن، أيٌّ كان إذا رفض تعليم الكنيسة و طاعتها هو وثني في سلوكه.
أما مار بولس فقال:” لا تكونوا مقرونين بالكفار في نير واحد. أيُّ صلةٍ بين البّر والفجور؟ وأيُّ علاقةٍ للنور بالظلمة؟ وأي ألفةٍ بين المسيح والشيطان؟ وأيُّ شِركةٍ بين المؤمن والكافر؟ وأيُّ وِفاقٍ بين هيكل الله والأوثان؟ نحن هيكلُ الله الحي” ؟ (2كور6: 14-16). فمن سَّماه يسوع ” وثنيًا ” دعاه بولس أيضا وثنيا وكافرا وظلمة وشيطانا رافضًا للمسيحي الذي يخضع لكنيسة المسيح أن يقترن معه بنفس ” النير”، أن يعيش معه تحت نفس الخيمة ، أن ينتمي في آنٍ واحد الى كنيستين متناقضتين.
ونعلم أن كلَّ كنيسةٍ تدعي الحَّقَ لنفسها وتتهم الأخريات بالباطل. فالكاثوليكي يعتبر الحَّق تبعًا لكنيسته الكاثوليكية فيمتنع عن الطلاق والإجهاض وزواج المثليين. وهذه كلها يحرمها الكتاب المقدس. بينما يعتبر البروتستانتي الحق تبعا لكنيسته من أيّ تيار كانت ، لأنَّ البروتستانتية إنقسمت الى آلاف المجاميع ، وتقبل أغلبها ، إن لم تكن كلها ، وتمارس الطلاق والإجهاض وزواج المثليين والمساكنة الرسمية من دون زواج. هذه بالإضافة الى التناقضات في أمور الأيمان، أولها أنها لا تخضع لسلطة بطرس وخلفائه، رغم تدبير المسيح بذلك، وثانيها تنكر وجود كنيسة مؤسساتية منظورة، وثالثـا أنها ليست رسولية ، أي لا يرتقي إيمانها ونظامها الى الرسل الذين أخذوه من المسيح نفسه، بل إختاروه وقرروه بأنفسهم. وبعبارة أخرى أقاموا لأنفسهم كنيسة ومسيحا على هواهم. ولهذا قال مندوب روما للوثرعند مناقشته إيمانه، وعندما رفض لوثر سلطة البابا وسلطة المجمع وحتى سلطة الكتاب إلا كما يفهمه هو على مزاجه ، قال له الكردينال” أنت لست سوى وثني وعشار”!. ولعلم السائل والقاريء الكريم بأن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بكهنوت البروتستانت والأنكليكان ولهذا سمَّوهم ” غير رسوليين”. ولا تعترف أنهم كنيسة بل تدعوهم ” مجموعة” مؤمنين بالمسيح.
عقيدة أم أخلاق ؟
فعلى مستوى العقيدة لا يمكن جمع لا كنيستين أو مجموعتين ولا مؤمنين متناقضين في خيمة واحدة أو في آنتماءٍ مزدوج. إما مع الأبيض أومع الأسود. أما على مستوى الأخلاق والسلوك فالبروتستانت، وغيرهم من غير الكاثوليك، فليسوا أعداء ويمكن أن يجتمعوا كلهم في المحبة والعبادة ولاسيما في الخدمة والأعمال الصالحة ، خاصّة الخيرية. كلُ إنسان حُرٌّ في آختياره لكن المسيح لا يسمح لأحد أن يدين الآخرين (متى7: 1). كلُ إنسان يُحاسَبُ على أعماله ولكن طوبى لمن ” يتواضعُ ويحسبُ غيرَه أفضل منه” (في2: 3). ليس الخاطيءُ من يُسيءُ بل الذي لا يندم على سوئه ولا يتوب. والأيمان بالمسيح ليس أن نتبع ” حرفَ الكتاب ” بل أن ندركَ ، بواسطة الحرف ، عمقه الروحي لأنَّ كلام الرب يسوع ليس حرفا بل هو” روح و حياة ، رغم أنَّ فيكم من لا يؤمنون “(يو6: 63). ونحن في” العهد الجديد في عهد الروح لا عهد الحرف. لأنَّ الحرفَ يُميت أما الروح فهو الذي يُحيي”(2كور3: 6). فالروح هو الذي يجمعنا ويجعلنا أبناء في خيمةِ الله.