أهلا وسهلا بالأخ آري ماربين.
يلتقي الأخ آري بحكم عمله مع سويديين وتجري بينهم كالعادة نقاشات حول الأمور الدينية ، لأنَّ السويديين لا يؤمنون ، ويستغربون إيمان القادم الأجنبي فيسألون ، ربما ليتنوروا أو ربما ليُفَّندوا الأيمان. ويبدو أنَّ من جملة المناقشات دار الحديث حول طرد يسوع للأرواح الشّريرة من البشر. فأرسلَ الأسئلة التالية طالبًا حولها ايضاحات ، وهي :
1- هل البشر مسكنٌ لأكثر من روح ؟
2- ما مفهوم الأرواح الشّــريرة ؟
3- هل يوجد في عصرنا أشخاصٌ تسكنهم الأرواحُ الشّـريرة ؟
4- هل تؤمنُ المسيحية بالجن والعفـاريت ؟
كم روحٌ للأنسان ؟
يومَ دخلَ داعش بيوتَ المواطنين في الموصل أو المدن المجاورة ماذا حصل؟. أصحابُ البيت ظلوا مكانهم ولكن المغتصب صار هو يأمرُ ويتصَّرف بأمور البيت. ليس للبيت غير صاحب واحد. أما الدخيل فلم يُزح الساكن الأصلي ولم يتحَّول البيت بآسمه. سطا الغريب على البيت وسيطرَ على ساكنيه دون أن يُصبحَ شريكا في الملك.
للأنسان نفسٌ واحدة ، كيانٌ واحد متكون من جسد وروح ، أو نفسٍ روحية. لا يمكن أن تأخذ روحٌ أخرى مكانها كجزء من الجسد. ولا أن تقاسمَها الوحدة مع الجسد مثل النفس الأصيلة الخاصة به. كلُّ ما تستطيعُ عليه هو أن تغزوَ روحٌ جديدة هذا الكائن وتسودَ عليه وتتصَّرف به. لذا يمكن أن نفهم السكن على نوعين ؛
-:| الأول : السكن الأصيل، المالك الصرف ، وهذا يقوم على اساس الوحدة الكيانية والمصيرية التي لا تتجَّزأ بين الروح والجسد. هكذا فالأنسان جسد وروح متميزان ولكن غير قابلين للأنقسام وغير قابلين للتبديل وغيرقابلين لأضافة جزء ثالث. فلا يمكن للجسد ان يرتبط بروحين ولا للروح أن ترتبط بجسدين. فليس الأنسان مسكنا لغير روح واحدة فقط ؛
-:| الثاني : السكن الدخيل، وهو متطفل يتسَّلطُ على صاحب السكن ويتصَّرفُ من خلاله دون أن يُصبح جزءًا مكَّونا فيه، يتحَّركُ من خلالِه. في الطبيعة نموذج لهذا النوع من السكن الشاذ. توجدُ نباتاتٌ تُسَّمى الطفيليات. هذه لا تنبتُ لوحدها ولا جذور لها. بل تنبُت على أغصان أشجار من نوع خاص وتستقرُعليها وتتغذى منها وتعيشُ على حساب ذلك الشجر، من دون أن تتحوَّلَ الى جزءٍ منه أو شريك له. تُؤَّثرُعليه وتضعفُ قوَّته لكنها لا تقوى على إبادتِه ولا تريدُ ذلك لأنها مستفيدة منه ؛
-:| هكذا : فالشيطان روحٌ ، وكيانٌ مستقل ، يغري البعض فيسيطرعليهم ، ويغزو غيرهم و يتسَّلطُ عليهم ويقودُ حركاتِهم أو يُغَّوشُ رؤية ذهنهم ويوحي اليهم بصور وأفكار غريبة و مُضرة ، لكنه لا يقدر أن يمُسَّ روحَهم أو يحتلها ويؤذيها. هذا ما أمرَعليه الرب عندما طلب ابليس ان يُسيءَ الى أيوب :” ها هو الآن في قبضةِ يدك، ولكن احفظ حياتَه “(أي2: 6-8).
الأرواحُ الشّريرة ، ما هي ؟
الروحُ كائن بلا جسد،لا يقع تحت سيطرة الحواس، يتكون من عقل وارادة ، وآختيارُ فعله ثابت لا يتغير. لأنه، مثل الله ، يعرفُ الحقيقة كاملة (يع1: 17). توجد أرواح صالحة تُسَّمى ” الملائكة ” وهم خُدّامُ الله ورسلُه ” يشاهدون بلا آنقطاع وجهَ الآب السماوي” (متى 18: 10) { التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 329}. وأرواحٌ أخرى رفضت الله ، ملائكةٌ خطِئوا (2بط2: 4؛ 1يو3: 8)، أرادوا منافسة الله (تك3: 5)، هُم الكذبُ بعينه فارغين من حتى ذرة واحدة من الحق (يو8: 44). حاول إبليسُ إغراء الأنسان وحمله على السقوط في الموت (تك3: 1-5)، ثم حرَّضه على القتل (تك4: 7) ، لا ندامة له على شَّرِه { ت.م. ك.ك أرقام 391-395}. تقول الكنيسة بأنَّ ” الشيطان أو ابليس وسائر الشياطين هم ملائكة ساقطون لأنهم رفضوا بآختيارِهم أن يخدموا الله وقصدَه. وآختيارُهم ضد الله نهائي. وهم يعملون على إشراكِ الأنسان في ثورتِهم على الله “{ ت.م.ك.ك. رقم 414}. الشياطين هم الأرواح الشريرة التي حسدت الأنسان وتحاول إهلاكَه بإبعادِه عن الله وإغراقِه في الشهوةِ والفساد والأرهاب والدمار.
عصـرُنا ، و الأرواحُ الشّريرة !
كونُ الأرواح الشّريرة خلائقَ روحية خالدة فهي لا فقط ما تزالُ موجودة بل وستظَّلُ للأبد. ولم يُخفِ الشيطانُ وجودَه على مرِّ الزمان والأمكنة. وما أفلام الرعبِ والحركاتُ الأرهابية سوى عمل ٍ شيطاني يؤَّديه ابليس بواسطةِ عملاءَ باعوا له أنفسَهم ،أوأغواهم بالمال والجنس والسلطة فيُحاولُ بواسطتهم دمار الأنسانية. وفي هذه الحرب الشعواء في العراق للأرهابيين رأى فيهم موفدُ البابا الكردينال فرناندو فيلوني عمل الشيطان مباشرة ضدَّ الأنسانية ولاسيما المسيحيين في الدرجة الأولى. وكذلك في حروب الشرق الأوسط الأخيرة كلها : في سوريا وغـزّة وأوضاع لبنان ، ” الويلُ للبَّر والبحر لأنَّ ابليس نزل اليهما وكله غضبٌ ، لعلمه أنَّ أيّامه قصيرة. .. وذهبَ يُقاتلُ الذين يعملون بوصايا الله ، وعندهم شهادة يسوع ..”(رؤ12: 12 و 17).
المسيحية و الجن والعفاريت !
من هو” الجن ” ومن هم العفاريت ؟. يُعَّرفُ قاموس اللغة العربية الجن هكذا : جَّنَ = أظلمَ.
جِنِّيٌ = مخلوقٌ مزعومٌ بين الأنس والأرواح سُّميَ بذلك لآستتارِه وآختفائِه عن الأبصار. أما عن العفريت فقال : العفريتُ = الخبيثُ المُنْكر، النافذ في الأمر مع دهاءٍ وذلك من الأنس والجن والشياطين. يمكنُ أن يُقالَ عن إنسانٍ أنه ” عفريت” أي خبيثٌ وداهية شرير. لكنه و الجن صفةٌ تُطلقُ على الكائنات الروحية، التي تتستر وتختفي فلا تقعُ تحت الحواس، وتخيفُ لأنها تُسيءُ. وهذا هو عمل ابليس نفسِه. هو روح خبيثة ، داهية في الآغراءِ والآغواء ، يسعى دومًا وراء الأساءة الى الناس.
والمسيحية تؤمن بأنَّ إبليس أوالشيطان موجودٌ و يُحاول إيذاء الناس. والدليلُ ، ماجاءَ في الأنجيل ، منها مر9: 17-27 حيث طرد يسوع شيطانا سبَّبَ الصرع لصبي جعله أخرسَ وأطرش وكان يُوقعه في النار والماء ليُهلكَه. أما في متى 8: 28-34 حيث طردَ يسوع شياطين دخلت رجلين وجعلتهما شرسين يعيشان في القبور ويؤذيان المارة. وطلبت الشياطين السماح لتدخل قطيع خنازير يرعى هناك فأهلكته. أغلى شيء عند الله هو الأنسان وكلُ شيءٍ خلقَ من أجله. لأنَّ الأنسان صورتُه ومن نسمةِ حياتِه. وإذ نصبَ الشيطانُ نفسَه عدوا للأنسان يسعى في إهلاكِه ، حَّررَ الله الأنسان من قبضتِه وأقامه سيدا عليه.
فالمسيحية تؤمن بأنَّ يسوع قد غلبَ ابليس وكسر شوكته ولا يقدرُ أن يعرقلَ قيامَ مملكةِ الله على الأرض ، لأنَّ ” سَّيدَ هذا العالم آتٍ وليس له يدٌ عليَّ “(يو14: 30). فمع المسيح تمت ” اليومَ دينونة هذا العالم. اليوم يُنبّذُ سيدُ هذا العالم ” (يو12: 31).