نــبوءةُ القديسة عـذراء فاتيـما !

أهلا وسهلا بالأخت آنجـيلا قاشــا.

سألت الأخت آنجيلا عن صحَّـة نبوءة مريم العذراء في ظهوراتِ فاتيما سنة 1917.

1- هل تعـترفُ بها الكنيسة ؟

2- لماذا لم نســمع بها داخل الكنيسة ؟

نـبوءة أم ســّر ؟

طلبت مريم العذراء من لوسيا ، الأكبر بين الرؤاة وعمرها 10 سنوات ، أن تتعلم القراءة والكتابة لأنها تحتاجُها مستقبلا. وأثناء آخر ظهورها في 13/ 10/ 1917 عاين الأطفالُ مشهدًا فيه يسعى أسقف يلبس الأبيض أن يرتقي جبلاً على قمته صليب ، ويصُّده عن ذلك أناس أشرار ويعذبونه ويقتلون بقرب منه كهنة وأساقفة ومؤمنين. وملاكٌ يُهَّددُ القتلة بإبادتهم وإبادة سكان الأرض معهم. لكن مريم مدَّت يدها وصدَّت السيف فصرخ الملاكُ ” التوبة ، التوبة ، التوبة “. وأثناء ذلك إستطاع اللابس الأبيض أن يبلغ قمة الجبل ويكادُ يموت من التعب ومما لقيه من مقاومةٍ وعذابات. وعند
أقدام الصليب أطلق عليه جنودٌ الرصاص و الأسهم فقتلوه. وكان
ملاكان تحت الصليب يجمعان في كأس من بلور دماء الشهداءِ
يُسقيانها النفوس التي كانت تدنو من الله. وأمرت مريم الرؤاة
بعدم إخبار الناس بتلك الرؤيا.

ولما تعلمت لوسيا بعده القراءة والكتابة طلبت منها مريم أن تكتب ذلك في رسالةٍ وتسُّدَها دون أن يطلعَ عليها أحد الى أن تُخبرها هي بذلك. وفعلت ذلك ، ثمَّ سُلمت الرسالة الى أسقف المدينة ليحتفظ بها بين أسرار الأبرشية. ثم نقلت الرسالة الى روما وآحتفظ بها البابا بيوس الثاني عشر ولم يُفتح الظرف إلا سنة 1960م بإيعاز من مريم. وقرأ عندئذ البابا يوحنا الثالث والعشرون القسم الأول والثاني من السر، حسب توجيه العذراء ، وبقي ظرفٌ آخر، كان داخل الظرف الأول ، مكتوبٌ عليه لا يُعلن عنه قبل سنة 2000م. قرأهُ البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1981 بعد محاولة إغتيالِه وحماية مريم له وإنقاذه من الموت. ثم فتحه رسميا وبعد قراءته أرسل الرسالة الى لوسيا في فاتيما للتأكيد من أنها من كتابتها ومن تفسير الرؤيا ، ومن هل حان الوقت للإعلان عن محتواها. وكان رسول البابا الى لوسيا سكرتير البابا لدولة الفاتيكان نفسه وآلتقى بالراهبة وناقشها الموضوع. ثم درسه عميد مجمع العقيدة والأيمان الكردينال راتسينغر، وهو البابا شرفا بندكتس السادس عشر، مع لاهوتيين ولفيف من الأخصائيين وقدَّموا عنه شرحا رسميا وتفسيرا ، نشره الفاتيكان بعد الأعلان عنه في 13/ 10/ 2000 م في فاتيما نفسها. كان سّرًا نبـويًا.

تفسير السّــر !

وأكَّدت لوسيا للكردينال أن الأسقف اللابس الأبيض خَّمنَّه الرؤاة من وقته بأنه يرمز الى البابا. وبقية التفاصيل قالت الكنيسة كان حمله رمزًا الى هم الكنيسة والعالم الذي يحمله البابا والى جهادِه ضد قوى الشر التي تعترضُ سبيله وتقاومه وتعَّذبه وتضطهدُ أبناءَ الكنيسة. و أشارت الرؤيا بنوع خاص الى محاولةِ إغتياله في ساحة القديس بطرس يوم 13/5/1981 ونجاتِه منها بتدخل خاص من مريم. وقد سمع البابا ، بعد إصابته بالرصاص، صوت أم حنون تقول له ” لا تخف. أنا معك. أحتاجك بعد لخدمة خاصة “. وعرفَ من حينها أنه صوت مريم التي يُحبها ويُكَّرمها ويلتجيءُ اليها لتغيثه عند ضيقِه وحاجتِه.

وصل البابا القديس هدفه ولم يمت بضربة الأعداء. وعلى يده إستمرَّت الكنيسة تنتصرعلى أعدائها. ونداءُ الملاك ” التوبة …” هو نداءُ السماء الى البشرية ، ولاسيما أبناء الكنيسة ، للتوبة بالأصغاء الى صوت الله وسلوك سبل الفضيلة. وكأسُ دماء الشهداء التي أسقاها الملاكان للناس هي رمز أوضاع التعَّدي على الكنيسة وأبنائها مع ما يرافق ذلك من آلام و ضيقات ، كما تحياها المسيحية اليوم لاسيما في الشرق الأوسط !

لماذا لم يُعلن عن ذلك ؟

بل أعلنت الكنيسة ذلك. وأنا نفسي إقتنيتُ نسخةً من نشرة الفاتيكان ، وفي العراق وباللغةِ العربية ، عن خبر السر وإعلانه وتفسيره. ومنذ تسع سنوات وأنا في السويد تطرقت الى الموضوع لا فقط في الكنيسة بل وفي الندوات ولاسيما في الكتابة عنه في الأنترنت عشرات المرات. ولكن من يقرأ ؟ ومن يسمع ؟. يقرأون ما تنشره الكنيسة ويعودون ويُصَّدقون ما ينشره أعداءُ الكنيسة من أكاذيب ودعايات!. وإذا صادف وطرقَ سمعهم أو قرأوا في كتاب ما خبرا مماثلا يثورون ويتهجمون على الكنيسة وعلى مسؤولي الكنائس “لماذا أُخفيت عنا هذه الأخبار”؟. ومن خبأها عنكم يا أعزائي؟ ومن رفضَ أن يُرشدكم الى حقيقةٍ عرفوها؟. و لكن من يسمع منهم؟. بالأضافة أسألُ قرائي الكرام ، الذين لا يألون جهدًا ولا يتراجعون أمام أية صعوبة أو مانع يعرقل مسيرتهم العلمية والأقتصادية ، ماذا عملتم وكم إجتهدتم لتتثقّفوا دينيا ؟ كم نشرةٍ دينية قرأتم؟ كم ندوةٍ حضرتم؟ كم.. وكم ؟. هل تقعُ مسؤولية الرعية كلها على عاتقِ الراعي ؟ ألا يجب على القطيع ايضا أن يتجاوبَ ويتفاعل مع جهودِ الراعي وتوجيهاتِه؟. بل وأن يبحثَ ويجتهدَ في تنوير إيمانِه ؟.

أنا لآ انوي هنا أن أعفي الرعاة من كل مسؤولية في تثقيف شعبهم. بالعكس قد يعودُ جهلُ الشعب الى كسل الرعاةِ وإهمالهم أحيانًا. إنَّ الصلاةَ الطقسية نفسها تُقّرُ بذلك ، فتقول : ” كلمة يسوع زرعُ الحقيقة خنقَه الشوك. من إهمال المسؤولين صار الحقلُ مداسًا. غفا الرعاة وناموا والذئابُ أفسدت إذ لا راع ٍيردعُها “. وبالتأكيد أيضا بسبب الظروف السياسية في المنطقة ، إذ لا تسمح أن تتوفر وسائلُ الأعلام المسيحية بشكل جيد ومأمول. ولهذا حتى بعضُ الرعاةِ معذورون أحيانا لنفس الأسباب.

فالكنيسةُ إذن لا فقط تعترفُ بسّـر ظهورات فاتيما بل ونشرته لفائدة المؤمنين ولإبلاغهم بصوت السماء وتذكير البشر بحالتهم الخاطئة التي يرثى لها والتي تُهَّددهُا الخطيئة نفسُها بالدمار والهلاك. وتـدعو الكنيسة المؤمنين الى أن يكونوا نورًا للعالم بإيمانهم ، وصمودِهم إزاء الشر حتى لو أقتضى بشربِ كأس الاضطهاد فالشهادة من أجل المسيح. ولاسيما ان يثقوا بالكنيسة التي تزَّودُهم بالنعمةِ ليشهدوا للمسيح بفرح وفخر وآعتزاز، مؤّكدة ًبأنَّ النصرَ حليفُهم والمجدُ ينتظرُهم ، كما قالَ الرسول :” إنَّ آلام هذا الدهر لا تُقاسُ بالمجدِ المزمع أن يتجَّلى فينا “(رم8: 18).

القس بـول ربــان