للعلم : بخصوص عيد تقدمة يسوع ، كان من المفروض أن نحتفلَ به اليوم وليس في الأحد الماضي ، قبل عيد الختانة !. وإِذا وُحِّدَ عيدا الختانة و التقدمة فبالأمكان الإحتفالُ في هذا الأحد بذكرى وَجَدان يسوع في الهيكل وعمرهُ 12 إثنتا عشْرَة سنة، وقد أهمله الطقس بينما تُذَّكرُ به مسبحة الوردية !.
تتلى علينا اليوم القراءات : خر2: 1-10 ؛ { اش 49: 1-6 } 2طيم 2: 16-26 ؛ لو2 : 21-40
القـراءة : خروج 2 : 1 – 10
يولَدُ موسى تحت ظرف الأضطهاد. الأطفالُ الذكورُ يُقتلون. لكن والدي موسى يُخفيانِه ،إيمانًا بالله في خلاصِه. هذا ما سيحدُثُ ليسوع وهو طفلٌ، وسيهرب به والداه الى مصر لأنقاذه. وموسى يصفى في الأخير في قصر فرعون حيث يترَّبى إِبنًا لآبنة فرعون. اسمُ موسى يعني ” المُنتَشَل من الماء” ، ويسوع يعني” المُخَّلِصُ ” لأنَّه سينتشلُ البشرية من ماء الفساد وينقلها الى بيت الله.
القـراءة البديلة : إشَعْيا 49 : 1 – 6 :– إختارُ اللهُ نبيًّا وأوفَدَه رسولاً إلى الشعب يُوَّبخُه على خطاياه ويُعيدُه الى الصواب ليُصبحَ للأُمم نورًا وخلاصًا.
الرسالة : 2 طيمثاوس 2 : 16 – 26
يحُّثُ الرسولُ على تجَّنبِ الكلام الباطل و الأهواء الشبابية والجدالات العقيمة، وعلى العيش في المحَّبة والسلام. كما يحُّثُ المسؤول على إدارةِ الجماعة بوداعةٍ وصبر.
الأنجيل : لوقا 2 : 21 – 40
يسوع يُقَّرَبُ في الهيكل، وتُقَرَّبُ عنه ضحيَّةُ الفداء حسب الشريعة ، لأنَّهُ البكرُ فاتحُ الرحم.
نـورًا لهـدايةِ الأُمَـــم !
في هذا الأحد، عندما يُحتفَلُ به بسبب وقوع أحدين بين الميلاد والدنح، تُبارَكُ الشموعُ و يقتنيها المؤمنون ويُشعلونها أثناء القداس، لاسيما عند قراءة الأنجيل، ثم يحملونها الى بيوتِهم ومتاجرهم وحقولهم حيث يحتفظون بها مثل كنز، معتبرين إيَّاها حاملة بركةَ الله، ترافقُهم خلال السنة الجديدة لتحميهم من كلِّ مكروهٍ طبيعي أو كارثةٍ تحُّلُ على زروعِهم أو تجارتهم، فيذودون بها شرَّ ابليسٍ أو هيجان الطبيعة. إنَّها رمزٌ : نورٌ يُبَّددُ ظلماتِ الشر، و دليلٌ إلى معرفةِ الله فالأتّكالُ عليه وحدَه فقط.
من أين تقَّلدنا هذا التراث ؟
إنَّ عيد تقدمة يسوع، مثل عيدِ الختانة، لا يرتقي، في الطقس الكلداني ، إلى أبعدَ من 320 سنة. فقد أدخلها البطريرك يوسف الثاني ( 1696-1712) الى التقويم الكلداني أعيادًا، مع أصوامٍ، منقولةً عن الطقس اللاتيني بهدف توحيد الأعياد في الكنيسة الكاثوليكية. وكان هذا العيد يُحتفل به في 2/ 2 شباط من كل سنة إلى أن ثبَّته المجمع الكلداني، سنة 1967، تمَّشيًا مع روح الطقس الكلداني وعودَةً إلى الأصالة التي دعا إليها المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1962-1965م، ذلك في الأحد الثاني للميلاد، إنْ وُجِد، وإلاّ في الجمعة الواقعة بين رأس السنة وعيد الدنح. وإذا وقع الدنح في الأحد عندئذٍ تًحَّددُ كل ابرشية يومًا آخر لتلك السنة، حسب ظروفها ، إنْ لم تسبقها ألى ذلك البطريكية فحَدَّدت يومًا معلومًا.
لماذا نُشعلُ الشموع؟ وإلى ماذا ترمز ؟
ربما يجب أن نقلبَ السؤال ونبدأ بالإجابة أولاً على القسم الثاني منه، وننتقلَ إلى رمز الشموع المُضاءَة. الشمعُ المُضاء هو نارٌ تُعطي نورًا، والنورُ يُضيءُ. وللنور، في الكتابِ، المُقَدَّس أبعادٌ ورموزٌ مهّمة تنفعُ المؤمنَ إذا عرِفَها. لأنَّ للنار والنور علاقةً بالله وبعمله. فأولُ ذكر للنور يرتقي إلى الخِلقة، عندما قال الله :” ليكن نورٌ” (تك1: 3). وبالنور لم يقصُدِ الله الضوءَ مُباشرةً. عن النور/الضوء يأتي الحديث في اليوم الرابع (تك1: 14-19). بل عنى بالنور ” الحياة ” / الروح التي صارت للكون الذي كان إلى ذلك الحين جامدًا بلا ” روح ” أو حياة. وهذا ما سيُؤَّكدُه الأنجيل :” والحياةُ هي نور الناس” (يو1: 4). فالحياةُ والنور وجهان لحقيقةٍ واحدة. يؤَّكدُ ذلك قولُ يسوع :” أنا نور العالم. ومن يتبعُني لا يمشي في الظلام (ظلمة الضلال )، بل له نورُ الحياة “(يو8: 12). وأضافَ ” الروحُ هو الذي يُحيي. والكلام الذي كلَّمتكم به هو روحٌ وحياة ” (يو6: 63). كما إنَّ الحياةَ والمعرفة أيضاً مترابطتان ومتكاملتان. فقد قال الرب :” .. أنا الطريق (النور) والحق والحياة ” (يو11: 25 ؛ 14: 6). وقد فسَّر مار بولس هذا القول :” قد أضاءَ المسيحُ نورَه في قلوبنا ، لكي تُشرقَ معرفةُ مجدِ الله ” (2 طور4 : 6).
في العهد القديم !
يأتي ذكرُ النار والنور عند ظهور الله لموسى على جبل سيناء وعند قيادته للشعب عبرَ الصحراء. يظهرُ الله لموسى بشكل لهيبِ نار تضطرمُ في العليقة دون أنْ تُحرقَها، ومنها و بها يُعَّرفُ اللهُ نفسَه لموسى (خر3: 2-6). ثم يحضرُ اللهُ بشكل عمودٍ من نار يضيءُ الطريقَ ليلاً لبني إسرائيل في البَرّية، وكأنَّ اللهَ يسيرُأمامه يقودُه في المجهول. يقول الكتاب: ” كان الرب يسيرُ أمامهم نهارًا في عمودٍ من سحابٍ ليهديَهم سبيلَهم، وليلاً في عمودٍ من نار ليُضيءَ لهم ” (خر13: 12). الله هو نور وعمله هو نارٌ تحمي وتُحرق. وعندما يتنَبَّأُ بلعامُ عن المسيح يقول :” آراهُ وهو غيرُ حاضر.. يطلعُ كوكبٌ من يعقوب ” (عدد25: 17). فالمسيحُ نور. إنه من أصل إلهي. بينما يذكر دانيال أنَّه لمَّا أُلقيَ الفتيانُ الثلاثة في أتون النار المُتَّقِدَة نظر إليهم الملك نبوخذنَصَّر وقال :” أما ألقَينا ثلاثة رجالٍ في وسطِ النار وهم موثَقون ..لكني أرى أربعة رجالٍ أحرارًا من قيودِهم يتمَّشون في وسطِ النار وما بهم سوء، ومنظرُ الرابع يُشبِهُ ” إبنَ إِلَه “؟. ويُضيفُ ” ولم تحترقْ شعرةٌ من رؤوسِهم” ! (دا 3: 24-27). حضَر اللهُ وهو النار الأصيلة الأزلية فأوقف مفعول النار المخلوقة و حماهم لأنهم آمنوا به ولم يعبدوا الأصنام الوثنية، و وثِقوا بخلاصِه.
في العهد الجديد !
عندما كان يوحنا يُعَّمد تكلَّم عن أنَّ المسيحَ المُخَّلص الآتي سيُعَّمد المؤمنين به ” بالروح القدس والنار” (لو3: 16). وفعلاً لمَّا حلَّ الروحُ القدس على التلاميذ في العليّة، يوم العنصرة، نزل عليهم بشكل ” ألسنة كأّنها من نار” (أع2: 3-4). ألسِنةُ المعرفة ونورُ الحياة ، بالحضور الألهي، دون أن تُحرِقَهم. تمامًا كما مع موسى وفتيانِ الأتون ونور الحياة الآتية من الله. هذا النور وهذه النار، هذه المعرفة وهذه العلاقة اللتان ستُحَّولان الرسلَ، وكلَّ من قَبِلَها، إلى صورة الله وشِبهِه الحَّي، يعملان بآسمِه ومعه وله. وهو أمامهم يقودُهم، ومعهم يُعينُهم، وخلفهم يحميهم. إلى هذا كلِّه ترمُزُ الشموعُ المُضاءَة، الى نور المعرفة والحياة الذي هو يسوع المسيح. إنَّه هو اللهُ النور والنار الذي يكشفُ الحقيقة للعالم، ويُنَّورُ الطريقَ لأهله دون أن يُحرقَهم. لذا سَمَّاه سمعان الشيخ ” نورًا لهدايةِ الأمم”. وعندما نُمسكُ بالشمعةِ المُضاءَةِ نرمُزُ إلى أنَّـنا قد إمتلكنا اللهَ النور، وهو الذي يجلي لنا الحَّقَ ويدُّلُنا على طريقِ الحياة، كما قال:” أتيتُ لأشهدَ للخق ” (يو18: 37)، و” أتيتُ لتكون لهم الحياة ” (يو10: 10). فاللهُ نورُنا وقُوَّتُنا يسنُدُ مسيرة حياتِنا، ويقودُنا كما في صحراء سيناء، ويحمينا من المخاطر كما من أتون النار، و يُزَّودُنا بالمعرفة والشجاعة بالروح القدس عند الحاجة (متى10: 19-20) فنقوى على” كلِّ شيء بذاك الذي يُقَّوينا ” (في4: 13).
لماذا نُشعلُ الشموع ؟
لأمرين: أولُّهما : ألا ننسى أن المسيحَ وحدَه نورُ طريقِنا الى الله والى الخلاص (يو14: 6) ، إذ لا خلاص بغيرِه ” لأنَّ اللهَ واحدٌ والوسيطَ بين اللهِ والأنسان واحدٌ، المسيحُ يسوع ” (1 طيم2: 5 ؛ أع4: 12). وهذا ما أكَّدته أيضًا الصلاة الطقسية للعيد إذ تقول: ” المسيحُ هو نورُ الحَّق الذي تجَّلى وظهرَ في اليهودية، وسارعت الشعوبُ لرؤيتِه وركعوا فسجدوا له ” (حوذرا1: ص535). إننا نحن البشر نتيهُ كثيرًا في طُرقنا ونسلك طرق العالم ونجهلُ قدرة الله (يو14: 5؛ متى22: 29). فنور عيد التقدمة يدعونا إلى أن نستنير دوما به وحدَه في كلِّ سلوكنا ولا نسمح أن ينطفيءَ فينا نورُ الحَّق الألهي.
ثانيهما : لا ننسى أنَّنا نمتلكُ فينا المسيحَ نورَ العالم. وما دام لنا نور الحياة (يو8: 12) فقد أصبحنا بدورنا ” نور العالم “(متى5: 14). فالشمعة المضاءة التي نمسَكُها بأيدينا في عيد التقدمة تُذَّكرُنا بأننا قد أصبحنا هياكل لنور الله “لأنَّ روح الله حالٌ فينا” (1كور3: 16-17؛ 6: 19). وبذلك أصبحنا النورَ الألهي الذي يُنَّورُ للآخرين. إننا نحمل المسيح فينا وهو معنا “(متى28: 20). فلا نستهينُ بذلك ولا نُهملُه. إنَّها مسؤولية نتحَّملها مع المسيح. نؤَّدي رسالته النورانية لنتمَّتع معه بنور مجده الأبدي.
تقول صلاة اليوم :” لنُهَّييء النفسَ والجسد. ومع الشمعة لنُضِيء بالنور الفكرَ والذهنَ المُتيَّقِظ. لنحمل الشمعة بآنتباهٍ وعليها نورُ النعمة ” (حوذرا1: ص537). وتتابع :” وكما حملَ سمعانُ الطفلَ بين ذراعيه نحملُ نحن أيضًا في اجسادِنا جسدَ المسيح ودمَه ” (ص 542). وما دام لنا اللهُ النور وأصبحنا نحن أيضا نورًا فلا نجزع ولا نقلق (متى24: 6)، ولا نلتجيء في ضيقنا أو حاجتنا إلى غير المسيح، لأنَّ المُضِلّينَ كثيرون. فلننتبه لئلا يضلُّنا أحد (متى24: 4)، ولا نُصَّدق كلَّ دعايةٍ جذّابة كانت أو مُخيفة (متى24: 23-26). لنا نور الحَّق فلا نترَّدد بل لنسلك طريق الحق مؤَّدين شهادتنا للمسيح (أع1: 8).