الفكـرة الطقسية : كونوا ساهرين مُتيَّقظين
تتلى علينا اليوم القراءات : يش21: 43- 22: 9 ؛ تك19: 1-26 رم14: 10-19 ؛ يو9: 39 -10: 16
القـراءة : ايشوع 21 : 43 – 22 : 9 :– يستولي بنو إسرائيل على معظم فلسطين بعون الله وإرشاده. وَفَى الله بوعدِه، وحدَّدوا لكل عشيرةٍ منطقة سكناها.
القـراءة البديلة : تكوين 19 : 1 – 26 :– تروي خبر إفناءِ سكان سدوم وعمورة الأشرار. يرفضُ اللهُ الشَّر والفساد، ولا يُنقذُ من يتمَّردون ولا يتوبون.
الرسالة : رومية 14 : 10 – 19 :– يُعَّلمُ الرسول كيفَ نخدُمُ بعضَنا بروح بنيان الكنيسة. فنُضَّحي بحَّقِنا لأنقاذِ مؤمن ٍ أو لعدم تشكيكه.
الأنجيل : يوحنا 9 : 39 – 10: 1- 16 :– اللهُ وحدَه يرعى البشر ويقودُهم كأبٍ لأنَّه يعرفُهم ويُحِّبُهم. يسوع هو الراعي الألهي لرعاية البشر. إنَّه أصيلٌ لا أجير.
الـراعي و الرَعَّــية !
مثالٌ رائع شَبَّه بهِ الكتابُ المقدس العلاقةَ بين الله والأنسان. وقد أَيَّدَ يسوع الوحيَ بذلك وثَبَّتَ الصورة. الله هو صاحبُ البشرية، ويرعاها بمحَّبة وحنان، وليس القادةُ الزمنيون، دينيين كانوا أو مدنيين. لأنَّ هؤلاءَ أنفسَهم جزءٌ من القطيع ولا يمتلكون صِفة الأُبُّوةِ تجاه غيرهم. وآستلمَ بعضُهم ، سياسيًا أو روحيًا، مسؤوليةَ قيادةِ مجاميعَ من الناس فذلك خِدمةً لهم ولمساعدتهم على سلوك درب الحياة كما رسمه اللهُ للأنسان، يومَ خلَقَـهُ.
تخويلُ صلاحيةٍ ليس تغييرَ موقع !
لكن البشر لم يفهموا هذا التخويل في حدوده، ولم يُدركوا معنى السُلطة، دينيًا ومدنيًا، بل فرَّغوها من غايتها السامية وآستبدلوها بأهدافٍ وأبعادٍ”عالمية”، أي بروح التسَّلُطِ والمنفعة، ” تعلمون أنَّ رؤساء الأمم يسودونهم. وأنَّ أكابرَها يتسَّلطون عليها” (متى20: 26). يُنادون
بخدمةِ الشعب ويُعلنون عن تحقيق العدالة، لكن ذلك يبقى كلامًا فارغًا تُناقِضُه أعمالُهُم،” يقولون ولا يفعلون “(متى23: 3-8). يُعلنون تعليمهم ومبادِئَهم دستورًا ” يُلقونه على أكتاف الناس ولا يُحَّركون إصبعًا تُعينُهم على حملهِ “(متى23: 4). لقد أفرغوا تعليمهم من الروح الأنسانية، روح ِالإخاء والمحبة، روح”ِ العدل والرحمةِ والصدق” (متى23: 23). فأغلقوا بذلك الباب على الضمير الباطني الحَّي ليُعَّوضوا عنه بقوانين وأنظمة سنُّوها إنطلاقًا من مصالحهم، وقد دُعيَت بالحَّق الطبيعي، وليس إنطلاقًا من الحَّق الألهي الذي يدعو الأنسان إلى الإرتفاعِ عن جسدانيتِه و زمنيَّتِه ليسموَ في الروح ويحيا مع الله في المحَّبة الأبدية.
أَسئلةٌ تطرحُ نفسَها !
- إذا فرغَ القائدُ من معرفةِ مرؤوسيه ؟. وهل يوجد مسؤولٌ يعرفُ كلَّ مرؤوسيه، واحدًا واحدًا بأسمائهم كما يعرفُ اللهُ البشر واحدًا واحدًا ويدعوهم بأسمائهم؟ (10: 3). ” أمَّا هذا فلا نعلمُ من أين هو” (9: 29).
- وإذا فرغَ من محَّبةٍ لهم ؟. أَ لم يُضَّحِ ِقيَّافا بيسوع لآنقاذِ نفسِه وجماعتِه من نقمةِ الشعب، بحجَّةِ إنقاذِ الشعبِ من نقمةِ الرومان ؟(يو11: 49-50).
- وإذا فرغ المسؤولُ من الرحمة ؟. أَ لم يطلب القادةُ رجمَ الزانيةِ وهم كلُّهم خاطئون؟ (يو8: 4-9).
- وإذا فرغ المسؤولُ من العدالة ؟. أَ لمْ يُسَّلمْ بيلاطسُ يسوعَ للصلب وهو يعرفُ، بل أقَّرَعلنًا براءَتَه (متى27: 18-26؛ لو23: 4، 14-16) ونوى إخلاءَ سبيله (لو23: 20-22 )، وعلم أنَّ القادةَ مجرمون و سلَّموا يسوع عن حسد؟ (لو23: 18-25؛ مر15: 9).
- وإذا فرغ من معرفة الله وحفظِ وصاياه؟. أ ما أَهملوا شريعةَ الله ونقضوها ، وأقاموا لأنفسهم شريعةً خاصّة تتماشى مع رغباتهم ومع تقاليدَ بشريةٍ محضة ؟ (مر7: 4-8).
- وإذا فرغ من روح المسؤولية وتبع أهواءَه؟. وكم نقضوا كلامَ الله وحَّوروه وخالفوا علَنًا وصيَّته وظلموا (لو18: 2-6)، ونافقوا وآحتقروا (لو18: 9-12)، وزرعوا الفرقة بين الناس ومنعوا مؤمنين من أداء أقدس واجبٍ تجاه الوالدين ؟(مر7: 9-13؛ متى15: 3-7).
- وإذا كان أعمًى فكيف يقود غيرَه؟. ألا يسقطان كلاهما في حفرة الهلاك؟ (متى15:14؛ 23: 16؛ يو9: 40-41).
- وإذا أعرضَ القادةُ عن الأيمان بالله؟.(لو7: 30؛ متى21: 32؛ يو10: 24-26). مع أنَّه لا سُلطةٌ على الأرض إلاّ من الله، فوَّضَها إلى بعض الناس ليُشرفوا على إتمام وصاياه ويرشدوا الناس الى السلوك المثالي الصالح (رم13: 1؛ 1بط2: 13-17). فإذا نقُصَت، عند أيِّ إنسان كان، كلُّ هذه الصفات، أو أَغلبُها، الضرورية لأدارة الناس وقيادَتِهم، فكيفَ يمكنُ للقادةِ الفعليين أن يكونوا ” رُعاةً ” بمقاييس الله ومقاييس المنطق الأنساني السليم؟.
من جاؤوا قبلي سُرّاقٌ ولصوص !
فعلاً لم يُحَّقِق القادةُ ، لا دينيًا ولا مدنيًا، هذه الصورة ولم يُنجزوا المَهامَ المطلوبةَ منهم بالشكل المفروض، رغم إدّعائِهم بإلَهية سلطانِهم، ولا حتى عند نِـيَّتِهم الصادقةِ في خدمةِ مرؤوسيهم. لذا يُعلنُ يسوع أنَّهم تصَّرفوا مثل” سُرّاقٍ ولصوص” (10: 8)، ومثل “أُجراء” (10: 12-13). لم يَهّمُهم كثيرًا أمرُ القطيع/ الشعب بقدر ما إهتموا بمنفعتهم الشخصية الزمنية، من منصبٍ أو مال. لم يكونوا المُخَّوَلين { الباب} بالرعية. لأنَّهم لم يعرفوا القطيعَ ولا أحَّبوه ولا خدموه. إستغَّلوا فقط إسمَه وعملوا مكاسبَ دنيوية. سرقوا الحقيقة و أخفوها عن الناس، وحرموهم الفضيلة والبِرَّ والتقوى، حتى صار بعدَه ” كلُّ من أراد أن يحيا في المسيح يسوع حياةَ التقوى أصابَه الأضطهاد ” (2طيم3: 12). سلكوا دربَ الأنانيةِ والشَّر فنَشروا الفسادَ ودعموه بقصدٍ أو بغير قصد. فكانوا حَّقًا ” سُرّاقًا ولصوصًا “!.
يسوع بابُ الخراف !
أمَّا يسوعُ فهو الراعي الموعود، وقد سَّلم اللهُ إليه قطيعَ البشر ليقودَه الى الخلاص (يو10: 29). إنَّه البابُ الشرعي لآستلام خدمة القطيع. هو وحدَه مُرسَلُ الآب (يو16: 27-30؛ 17 : 3 و 18؛ 8: 29)، يعملُ أعماله ويُبَّلغُ أقوالَه (يو14: 10-11؛ 12: 49)، وهو وحدَه الطريقُ إلى الآب (يو14: 6-7)، ولأنه جاءَ ليَخدُمَ الناس (متى20: 28). فالرعايةُ والقيادةُ خدمةٌ لا تسَّلُطٌ (متى20: 27-28؛ يو13: 4-15). فهو إذًا بلا منافس “بابُ الخراف “. وهو يعرفُ جَيِّدًا قطيعه الأنساني، لأنَّه يبقى خالقَه. لذا فهو أولى وأجدَرَ على قيادتِه وحمايتِه و تحريره من عبودية الخطيئة وابليس (يو8: 32-37؛ 16: 11).
يبقى يسوع وحدَه الراعي الصالح لرعاية البشرية لأنَّه يُحِّبُها، وبذل نفسَه من أجلها (يو13: 1؛ 10: 17-18؛ 15: 13)، ولأنَّه إبنُ الله المُتجَّسد والواحدُ معه، ولاسيما لأنَّ اللهَ نفسَه هو راعي البشرية الأصيل. هكذا قال الروح على لسان حزقيال النبي : ” بما أنَّ غنمي صارت نهبًا ومأكلاً .. وبما أنَّه من غيرِ راع ٍ ولا يسألُ رعاتي عن غنمي، بل يرعى الرعاةُ أنفُسَهم وغنمي لا يرعونها،.. أنا أقومُ ضِدَّ الرعاة فأسترِّدُ غنمي من أيديهم، وأمنعهم عن أن يرعوا الغنم .. سأسألُ عن غنمي وأتَفقَّدُها .. وأُنقِذُها ..وأُخرجُها .. وأجمعُها ..وأرعاها في مرعًى
صالح .. أنا أرعى غنمي. وأنا اُعيدُها إلى حظيرتها .. وأرعاها كلَّها بعدل ٍ.. وأُقيمُ عليها راعيًا واحدًا ليرعاها كعبدي داود. فهو يرعاها ويكون لها راعيًا صالحًا. وأنا الرَّبُ أكون لغنمي إلَـهًا. ويكون الراعي، الذي كعبدي داود، لها رئيسًا. أنا الرَّبُ تكلَّمتُ “، و” أنتم يا غنمي ، يا غنم مرعايَ، بشرٌ أنتم وأنا إلهُكم، يقولُ السَيِّدُ الرَّب” (حز34: 8-31). ويسوع ” ابنُ داود ” أقَّر أنَّه هو ” الراعي الصالح ” المرسَل من الله (يو10: 11-16).