يوم الدعوات الكهنوتية والرهبانية
تتلى علينا اليوم القراءات : أع8: 14-25؛ اش49: 13-23 أف1: 15-2: 7؛ يو16: 16-24
القـراءة : أعمال 8 : 14 – 25 :– ينزلُ الرسل إلى السامرة لتثبيتِ المُعَّمَدين و إحلال الروح عليهم. حاول أحدُهم أن يشتريَ هذا السُلطان بالمال. خَيَّـبَه الرسل ودعوه الى التوبة.
القـراءة البديلة : إشعيا 49 : 13 – 23 :– لم ينسَ اللهُ شعبَه. سيُنقِذُه من أعدائِه. فمن يتكلُ على اللهِ لا يخزى.
الرسالة : أفسس 1 : 15 – 2 : 7 :– يُنشِدُ بولس لآنتصار المسيح، يمدحُ إيمانَ أهلَ أفسس ويقول بأنَّ المسيح والمؤمنين به يُشَّكلون جسدًا واحِدًا ، الكنيسة.
الأنجيل : يوحنل 16 : 16 – 24 :– يتحَدَّث يسوع عن فراقِه. يحزن الرسل، لكنَّ حزنهم سيتحَّولُ الى فرح. وسيتمَّـثـلون به في الألم ويشاركونه المجد.
تأتي ساعةٌ ستتفَرَّقون فيها ..!
نطق يسوع بهذا الكلام قبل بدء آلامِه. أعَّدَ الرسل لمواجهة المحنة القادمة. فإِنَّ آلامَه وموته ستُفقدُهم رُشدَهم. ستنهارُ أعصابُهم. سينهزمون من ساحة الوغى بخوف شديد، لإنقاذ جلدهم من موتٍ كادَ أن يُشَّددَ قبضَتَه عليهم لولا تشَّفعَ مُعَّلمهم من أجلهم :” إن كنتم تطلبوني فدعوا هؤلاء يذهبون” (يو18: 8). لكنَّها شِدَّةٌ وتزول. ولا يجوز إعطاؤُها أهميةً أكثر من حجمِها. إنَّها مُهمَّةٌ، ولكن يوجدُ ما هو أهَّمُ منها : القيامة. الآلامً يتحَّملُها هو وليس الرسل. أمَّا القيامة فسيفرح بها الرسُلُ حتى أكثر من يسوع نفسِه. يسوع يفتخرُ ويتمَّجدُ بها. كذلك تلاميذه. بل سيفتخر بولس حتى بصلبه: ” أما أنا فمعاذ الله أن أفتخر إلاّ بيسوع مصلوبًا.. وأصبحتُ أنا أيضًا مصلوبًا به عند العالم” (غل6: 14).
القيامة ستُنعِشُ إيمانهم وتُقَّوي رجاءَهم. الآلامُ تنتهي مهما طالت أو قَسَتْ. أما فرحُ القيامة فسيدوم للأبد، ولا أحدَ يقدرُ أن ينتزعَه من قلب التلميذ. تدخلُ الآلام في خبر كان، أمَّا القيامة فستبقى نورًا حَّيًا يمتَّدُ للأمام ، ومصدرَ ثقةٍ وقوَّة ، و سلاحًا لا فقط يذودون به عن أنفسِهم ، بل ويُحاربون به قوى الشر ويدحرونها. القيامةُ نور الحَّقِ الساطع الذي يخترقُ كلَّ غمامٍ ويعلوه ولا يعلو عليه شيءٌ.
بينما تبقى آلامُ يسوع ماضيًا مؤلِمًا للتلاميذ ، وتستمِرُّ وصمةَ عارٍ لليهود لأنَّهم توَّحشوا و آستعملوا العنفَ ، وهي أساليبُ غير إنسانية ولا حضارية ، لإسكاتِ من كان يُعارضُهم و يُخرسُهم بمنطقِ كلامه وحُجَّةِ بُرهانِه. القيامة خِزيٌ لهم وعصًا قصمت ظهرهم لأنَّهم فشلوا في التخَّلُصِ منه. ولم يبقَ بيدهم شيءٌ للقضاءِ لا عليه ولا على تلاميذه. لم يبقَ لهم سوى التهديد والوعيد، و التكذيب والتعذيب، وفي التوَّحشِ المزيد، يداوون به جرحهم الوليد ، و يُسَّجلون فشلاً جديدًا بعدَ الجديد !.
من يصبرُ الى المنتهى يغلب !
لقد تحَّدى يسوع قوَّة ومباديءَ إعدائِه. لقد جابه الألم والإهانة بصبرٍ وثبات. لقد صمدَ في
وجه الشَّر. لقد أطاع الله الآب حتى الموت (في2: 8)،:” يا أبتِ إن كان ممكنًا أن تعبرَعَّني هذه الكأس..ولكن لا تكن كما أشاء أنا بل كما تشاء أنتَ” (متى26: 39). كلَّفته الآلام غاليًا. كان ثمن الصمودِ باهظًا. لكنه لم ينتَهِ ولم يخسر. فمَن صبر ظفر. لذا وَصَّى تلاميذه على الصبر والصمود :” ستُعانون الشِدَّةَ في العالم. إصبروا لها. لقد غلبتُ العالم” (يو16: 33).
لقد تمجَّد بالقيامة إذ جلس عن يمين الله (مر16: 19)، وقد ” أوليَ كلَّ سُلطانٍ في السماء
وعلى الأرض” (متى29: 18).
حسبَ أعداؤُه موت يسوع القاسي نصرًا لهم. لقد تشَّفوا به، وفرحوا بألمه وبموته وحسبوا : ” مصائبُ قوم عند قوم آخرفوائدُ”!. نعم هو كذلك. ولكن إنعكست مصائبُ المسيح وتلاميذه فوقعت على الصالبين وهزَّتهم ليتحَوَّل فرحُ هؤلاء الى يسوع وتلاميذه بالنصرالذي أحرزه. الرابح هو من يضحك في الآخِر. نعم بعد أقَّلَ من ثمانٍ وأربعين ساعةً بدأَ أعداءُ يسوع يقطفون ثمار تهَّوُرِهم فحصدوا قلقًا وخوفًا وفشَلاً وعارًا وآنعدامَ الذات، عندما تأَّكدوا أنَّ من صلبوه كان هو ربَّ المجد” المسيحَ الذي إنتظروه من آلافِ السنين”. لقد تبعوا سُنَّةَ العالم فتصرفوا بقناعتهم وحرّيتهم غير مُبالين لله. إختاروا قرارهم حسبما أملته عليهم أهواؤُهم والمجد الدنيوي. والعالم لم يعترف بهم فلم يحمهم ولم يُسعفهم لمعرفة الحق، ودفعَ ابليسَ ليَجُّرَ البساطَ من تحتهم.
من يسمع أبي السماوي هو أخي وتلميذي !
تلاميذ يسوع وإخوته لم يقتصروا على الرسل الأثني عشر والتلاميذ الأثنين والسبعين. بل شملوا كلَّ من آمن به وتبَّني سلوكه (يو17: 20)، وكلَّ من يعمل بمشيئة الآب السماوي (متى12: 50). ولاسيما من إختارهم بنفسِه من بين هؤلاء ليخلفوا تلاميذه ورسله، ويسلكوا درب الألم ثم الراحة، ودرب الضيق ثم الفرج، ودرب الإهانة والرفض ثم المجد والكرامة. إنهم الكهنة والرهبان والراهبات الذين تطلُبهم اليوم من معَّلِمِها وراعيها ليواصلوا الحصاد. إنَّهم الشباب والشابات الذين يناديهم يسوع قائلاً:” تعالَ وآتبعني”. لهؤلاء أيضًا يقولُ يسوع: ” لا تنظروا الى ما يعترضُكم من صعوبات. لا تُصغوا أكثر من اللازم الى رغباتكم و لوازمكم. ولا تعتبروا ضُعفكم أكثر مما يعرفه الآب الذي يدعوكم على خُطى بطرس وبقية العاملين في كرمي.
لا تنخدعوا بمغريات العالم ولا بفلسفة أبنائِه، ولا أيضًا بشهوات الحواس. لأنَّ من يستجيب لي و” يترك كلَّ شيء و يتبعني، مُتابعًا رسالتي، ينال أضعافها في هذه الدنيا، وفي الآخرة الحياة الأبدية ” (لو18 : 28).
يُتابع يسوع حديثه لأخوته البشر:” لمَّا إحتجتموني لّبَّيتُ نداء الآب ليرسلني إليكم لأُجاهدَ أمامكم وأفتحَ لكم درب النصر. وقد فعلتُه. وتعرفون بأَّيِ ثمن!. عندها إستجابَ لي كلُّ من دعوتُهم وتعاونوا معي. واليوم أيضًا أحتاجُكم لا لتساعدوني بل لأُساعِدكم في التغَّلب على معاناتكم فأُكللكم بالمجد، ليرَ العالم ويعرفَ أني ما زلتُ حَّيًا معكم، وأستطيعُ أن أُنقذكم من بلاياكم ومأآسيكم. لا الحروبُ ولا الأوبئة تقفُ في وجهِ عملكم.
أنا معكم. لا تنتظروني على زاوية الشارع لتدلوني على بيوتكم. أندَّلُها. بل أنا مقيمٌ فيها بصحبتكم، لأني أنا في داخلكم حيثُ ما تتواجدون. أنا حاضرٌ لأُزيل حزنكم وضيقكم وأُبَّدلها بالفرح والسلام، إنَّما بطريقتي لا بأُسلوب أهل العالم، باللطف لا بالعنف!. أختارُكُم لأني أُحبُّكم فأُريدكم مُعاونين لي تشتركون بمجدي. لقد خُلِقتُم وكلاءَ لأتمام عمل الله. فأنا أُريدُكم أن تمارسوا عملي الألهي، لتصيروا آلِهةً في عملكم وسيرتكم. فتكونون معي ومثلي، وأنا أُكَّملُ وأُجَّملُ عملكم.
أدعوكم يا أولادي الأحّبة. لا تتأخروا في الألتحاق بي. لا تترَّددوا. لا تقلقوا ولا تخافوا. أُنظروا الرسل وبقية التلاميذ. لا تتوقفوا على الصلب، بل إمتَّدوا الى أبعد: الى القيامة. وإذا لبَّى أحدٌ ندائي فسيتمَجَّد معي. وإذا أهملَه فلا يلُمني. أنا دعوتكم أحبائي ومَيَّزتُكم بين الملايين فكَرَّمتُكم ودعوتكم. ها أنا أقرع وأُنادي. وأنتظر حُـبَّكم. ومن يفتح لي قلبه أُشركُهُ بمجدي (يو17: 22).