تتلى علينا اليوم القراءات : اش33: 1-6؛ تث10: 12-22 1كور14: 1-6؛ متى18: 1-7
القـراءة : إِشَعْيا 33 : 1 – 6 :– تمادى العدو في ظلمِه. والشعبُ تابَ وآستنجد بالله. واللهُ نارٌ على الشّر، تحرقُ الخطأَة والكَفرة ، لكنها تحمي الأبرار.
القـراءة البديلة : تثنية 10 : 12 – 22 :– يُطالبُ اللهُ مؤمنيه أن يُوَّقروه بحفظِ كلامِه، و يُحِبُّوه بالقلب والفكر، ويسلكوا في العدل لاسيما تجاه الغرباء.
الرسالة : 1 كورنثية 14 : 1 – 6 :– يدعو بولس الى التنافس في المحَّبة، وآستثمار المواهب الروحية الخاصّة للمنفعة العامة ولبنيان الكنيسة.
الأنجـيل : متى 18 : 1 – 7 :– يطمحُ الرسل في المناصب. يسوع يُبَّينُ أن العظمةَ هي في البراءة كالأطفال، وأنَّ السلطةَ هي في خدمةِ الآخرين.
لكل مقامٍ مقالٌ !
حكمةٌ قدَّسها الناسُ مُعترفين بجودتها وحَقّانيتِها في العلاقة بين الناس، وبين الأنسان والمهام والمناصب. لكن أغلبَ قادةِ الدول والمؤسسات خالفوها مُنقادين إلى تحكيم المصلحة الخاصَّة و الآنية. هذا الإشكالُ صدى له سفرُ التثنية. فالعلاقةُ المتبادلة بين الأنسان والله ليست متساويةً ولا تصونُ حقوق الله. يتشَّكى اللهُ منها ويدعو نِدَّه الأنسان أن يكون في مستوى الحق والعدل، لاسيما لأنَّها لا تليق لا بسُمُّو مقام الله ولا بكرامة الأنسان، لا بنزاهة الله ولا بآلتواءِ الأنسان.
لله الوجود، الكون وما فيه !
يُذَّكرُ اللهُ الأنسانَ بنفسِه وبما فعله له. الله هو الرب، السَّيد. لا كائنٌ مثلَه ولا سلطان. إذا وجد في الشعوب ملوكٌ وحكّام وأرباب فاللهُ ربُّهم وسَيِّدُهم، ومنه ينالون كل سًلطة ،:” قال بيلاطس ليسوع :” ألا تعرف أنَّ لي سُلطةً أن … أجابه: ما كان لك عليَّ سلطةٌ لولا أنَّك نلتَها من الله” ( يو 18: 10-11). كل السلطات البشرية جزءٌ وتخويلٌ من سلطة الله لأنَّه ” لا سُلطة إلا من الله” (رم13: 1). وإذا وُجِدَ عاقلٌ وصانعٌ فليس ذلك سوى قبسٍ من نور الله ورمزٍ لمعرفتِه ولفعله ؛ ” أين الحكيم؟ أين العَّلامة؟ أين المُجادلُ في هذا الزمان؟. أَ ما جعل اللهُ حكمة العالم جهالة ؟ (1 كور1: 20). يقول الله لبني إسرائيل:” الربُ إلهُكم هو إلَهُ الآلهة وربُّ الأرباب. الإلَه العظيم الجَّبار الرهيب .. له السماوات وسماوات السماوات والأرض وكلُّ ما فيها “.
إختار الله بني إسرائيل شعبًا له لا لأنَّهم أكثرُ من بقية الشعوب أو أفضَلُهم (تث7: 7-8)، ولا ليتحالفَ معهم لأنه هو اللهُ ضعيفٌ فيُعينُه ضِدَّ أعدائِه. بل لأنَّه أحَّبَ آباءَهم ، إبراهيم واسحق و يعقوب الذين أحبوا الله وتشَّبثوا به وحفظوا كلمتَه. ولأنه يريدُ أن يكونوا مثلهم قدّيسين (أح19: 2) فيستمروا ينالون بركاته الموعودة لهم (تك12: 1-3 ؛ 17: 1-8). إِنَّه لا يخافُ من أحد ولا يبحثُ عن مصلحةٍ، فـ” لا يُحابي ولا يرتشي”؛ إنَّه لا يخطأُ ولا يُسيءُ فـ” ليس كبني البشر حتى يكذب أو يندم”(عدد23: 19)، ولا يتغَيَّر مع الزمن (يع1: 17). إِنَّه أبٌ مُحِّب. وسيُذكرهم بهذا طوال الدهر:” يومَ كان إسرائيلُ فتى أحببتُه .. جذبتهم إِليَّ بحبال الرحمةٍ وروابط المحَّبة. وكنتُ لهم كأبٍ يرفعُ طفلاً على ذراعِه ، ويحنو عليهم ويُطعِمُهم” (هو11: 1-4). وموقفُ الله هذا يتطلَّبُ من الأنسان موقفًا متساويًا و موازيًا لا يقُّلُ محَّبةً أوثقةً أوسخاءَ.
والآن كَرِّسوا قلوبكم للرب !
لم يطلب الله من الأنسان أن يُقابلَه بالمعجزات. لا يقدر عليها. لا يطلب منه أن يُجازيه على خيراتِه. لا يملكُ من نفسه شيئًا. كلُّ ما يملكُه هو مما أكرم الله به عليه. والله لا يحتاجُ إليها. بل لا يحتاج الله إلى أيِّ شيء. وكلُّ ما أوجدَه هو لمنفعةِ الأنسان فقط. يريد فقط أن يبقى الأنسان معه في علاقة صداقة، وأنْ يُحِّبه بصدقٍ من كل قلبهِ كما أحبه هو، : ” أحبوا الرَبَّ إِلَهَكم بكلِّ قلوبكم وكلِّ نفوسِكم وكلِّ قُدرتِكم ” (تث6: 5) و” أَحِّبْ قريبَك مثلما تُحبُّ نفسَكَ “(أح18: 18؛ متى22: 37-40). وسيُثَّبِتُها الرب يسوع ويُؤَّكدُ على نوعيتها أن تكون محبةً متوازية لمحبة الله :” أَحّبوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم ” (يو13: 34). لا عن جَبرٍ ولا عن منفعة. ولهذا طلب الرسول أن يتنافسَ المؤمنون في طلب إقتناء مواهب الروح القدس واضعًا على رأسها موهبة المحبة (1كور14: 1).
ومحبة الله تعني الثقة به مثل إِبنٍ بأبيه، ابنٍ بريءٍ لم تُدَّنسه مُغريات الحياة الدنيوية، ولمْ تلوِ ذراعَه بيئةُ فسادِ العالم. وتعني التجاوبَ مع ما يُعَّلِمه ويطلبُه، وعدم عبادة الأحاسيس والرغبات الحِسِّية، وعدم ” المعاندة ” في تلبيتها وآتباع العاطفة والشهوة. علاقة الأنسان مع الله تتطلبُ منه أن يرتفع الى مستوى الله. دفع الله لعلاقته مع الأنسان، وما يزال يدفعُ ، الكثيرَ ولا يطلب منه سوى أن يتقبلها ويتفاعلَ مع المحبة. يريد منه أن يكون نِدًّا له بالكرامة والقداسة، ولا ينزل الى مستوى حضيض بقية الكائنات، وألا ينغري بإِغواءات عدَّوِه ابليس الكذّاب وأبو الكذب (يو8: 44)، فيتبع شهواتِ الفكر والجسد. كرَّم اللهُ الأنسان فجعله على صورته فلا يليقُ به أن يتصَرَّفَ غريزيًا ويتبع شهواته مثل بقية البهائم. بل عليه أن يسمو بروحه وفكره فيتصَّرف مثل نموذَجِه وبنفس المقاييس والموازين.