قرأتُ في صفحةٍ كتبت عن الكهنوت اليهودي، وُزّعَت على المؤمنين،تقول:” كرَّسَ موسى هارون بمسح رأسه بالزيت كاهنا بآمتياز، رئيسًا للكهنة. وكرَّسَ نسله برش الماء فقط. فآنتقل الكهنوت من جيل الى جيل بالوراثة وبدون مسحة جديدة “. وأعطى مصدرًا لتعليمه وشاهدا على كلامِه ” خروج29: 1-7؛ 30: 13؛ 40: 13″. إستثقلتُ التصريح. راجعتُ وقرأت المصدرَ بتأَّن ٍوآنتـباه. فشاهدتُ ما يلي فآندهشتُ وآستغربتُ !!.
خروج 30: 13 !
قرأتُ فيه ما يلي:” يُعطي كلُ من يشمله الأحصاءُ نصفَ مثقالٍ بوزنِه الرسمي الذي هو عشرون جيرةً، ويكون هذا النصفُ تقدمةً للرب “. وأرجو أن يراجعَ القاريءُ الكريم النص ويتأكد بنفسه منه ، ومن أني لا أكذبُ!.
خروج 29: 7 !
قرأتُ فيه :” وتأخُذ من زيتِ المسح (خر30: 22-29)، وتصُّبُ على رأسِه (هارون) و تمسحُهُ “.
خروج 40: 13 !
قرأتُ فيه :” وتُلبسُ هارون الثياب المقدسة، وتمسحُه وتُكَّرِسُه ليكون لي كاهنا “. + النتيجة : صحيحٌ أن كلام المسح بالزيت دار هنا فقط على هارون. لكني لم أجد أثرا عن التكريس بالماء ، كما هو مذكورٌ في المقالة!.
+ الغريب : وجدتُ عن الماء في 29: 4-9:” وتُقَّدمُ هارون وبنيه الى باب خيمةِ الأجتماع وتغسلُهم بالماء ، وتأخذ الثيابَ وتلبسُ هارون القميص و..و..وتمسحه. وتُقَّدمُ بنيه وتلبسهم قمصانا، وتشُّدهم بالأحزمة وتلبسهم قلانس، فيكون لهم الكهنوت فريضة أبدية “!. ويتكرر نفس الخبر في خر40: 12-14. وحيثما ذكر الماء فهو للغسل والتطهير وليس للتكريس. وقد أمر موسى صُنعَ مغسلةٍ نحاسية خاصة و وَضْعَ الماءِ فيها ” فيغسلُ هارون وبنوه أيديهم وأرجلهم..” (خر30: 19) وليس لتكريسهم.
+ الأغرب : إستنتج الكاتبُ أن كهنوت الرؤساء إمتد بالمسحة بالزيت المكَّرَس. أما كهنوت الكهنة فوراثي وينتقلُ برش الماء فقط ؟ لماذا لم يقل أن كهنوت الكهنة وراثي ويمتد بالملابس المكرسة كما هو مذكور أعلاه؟. بل يوجد نصٌّ أمضى سيفا من هذا ، قريب جدا من شواهد كاتب المقال، قال :” ثيابُ هارون المقدسة تكون لبنيه من بعده فيها يُمسحون ويُكَّرسون “(خر29:29)؟؟. وقد نزع موسى ثياب هارون قبل موته وألبسها ابنه أليعازر دليل توريث رئاسة الكهنوت ، وليس الكهنوت بذاته (عدد20: 26-28). المسحة بالزيت المقدس هي علامة قبول الله أناسا في خدمته وتخويلهم سلطانه. حتى الملوك كانوا يُمسحون بالزيت المقدس دلالة على أنهم نالوا السلطة من الله وأنهم يحكمون بآسمه (1صم 10: 1؛ 16: 13).
هل توقَّـفَت الحقيقة هنا ؟
+ دهـشـة ٌ: ما أدهشني أنَّ الشواهد التي قدَّمها صاحب المقال لتبرير إستنتاجه هي نفسها تدينه لأنها تُثَّبتُ مسحة الكهنة مثل رئيس الكهنة وتفرضُها.
+ خر40: 14-15 :- لاحظوا أنها تأتي حالا بعد الآية 13 التي سردها الكاتب ، تقول :” و تقدمُ بنيهِ و تلبسُهم قمصانا. وتمسحهُم (ويشَّددُ عليها!) كما مسحتَ أباهم ليكونوا لي كهنة. و ليكونَ لهم هذا المسحُ كهنوتا أبديا مدى أجيالِهم ” ، أى يمتد كهنوتهم جيلا بعد جيل بمسحة الزيت مثل هارون وليس برش الماء ؟؟.
+ خر30:30 :- نصُ آخر من فصل ذكره كاتب المقال سهوا ، يقول :” وآمسحْ هارون وبنيهِ وكَّرسْهم ليكونوا كهنة لي. وقل لبني اسرائيل : هذا يكون لي زيتا مقدَّسًا للمسح مدى أجيالكم “!!. تأكيد جديد على انَّ التكريس يتم بالزيت المكَّرَس وأنه يشملُ الكهنة مثل رؤساء الكهنة، فلم يقل ” هارون رئيس الكهنة فقط ، بل هارون وبنيه “.
حــيرةٌ ومأساة !
تذكرتُ قول إشعيا : تنظرون نظرا ولا تُبصرون…أغمضوا عيونهم.. لئلا يُبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويتوبوا فأشفيَهم “(اش6: 9-10)، وطبقه يسوع على الناس الجهلة. فتساءلتُ : أ إلى هذا المستوى إنحدرجهلُ قادة الشعب ومفكريهم حتى يقرأوا آية ولا يرون جارَتها؟. أم هو إستهتارٌ بالحقيقة وطمسِ أنوارها حتى لا يعرفَ الناس درب الخلاص؟؟. لمَ لا ؟ أ لم يرفُض يونان النبي طاعة الله وحاول الهربَ منه كي لا ينذرَ أهل نينوى ؟ لأنه عرفَ أنه إذا أنذرهم وتابوا سيغفر لهم الله وسيتساوون مع اليهود لأنهم يُصبحون هم أيضا شعبَ الله؟ (يو 4: 2).
أ يقرأُ واحد كلامَ الله دون أن ينتبه اليه؟ أ لم تُعَّلمه الحياة والحضارة بأنَّ من يُعَّلم يجب أن يتعَّلمَ جيّدًا ويكون جديرا بأن يتفوَّقَ على أقرانِه حتى يحاولَ أن يعلمَ؟. الفريسيون الجهلة سَّماهم الرب قادة عميانا:” انهم عميان يقودون عميانا “(متى15: 14؛ 23: 16-22). أ ينسبُ الى الله ما لم يقله أو يطلبه؟.
إنها حيرة كالتي أحسَّ بها يسوع عندما ضاقَ ذرعًا بجهل التلاميذ فقال لهم :” أيها الجيلُ الكافر الفاسد ! الى متى أبقى معكم ؟ وحتى متى أحتملكم “؟ (متى17:17). بل هي مأساةٌ أن يكون مفكرُ القوم وقائدُه جاهلا كما قال يسوع لنيقوديمس ” أ تجهلُ هذه الأشياءَ وأنت معلمٌ في إسرائيل “؟ (يو3: 10).