أهلا وسهلا بالأخ الشماس بطرس آدم.
عاين الشماس حالةً أستغربها وهي أنَّ الكاهن ، أو الشماس سمحَ لامرأة ضريرة أن تُدخلَ معها كلبَها الى الكنيسة ويجلس بجانبها طوال القداس . يبدو أن بعضَ المؤمنين لم ترُقْ لهم الحالة فتشَّكوا. فتساءَلَ الشماس أين الحق ، وسألَ :
1- هل من المسموح به إدخال الحيوانات الأليفة الى داخل الكنيسة أثناءَ القداس الإلهي ؟.
من يحُّقُ له حضور القداس في الكنيسة ؟
القداسُ سّرُّ موت المسيح وقيامتِه يحضرُه المؤمنون بالمسيح ليشتركوا بالنعمة في تلك الأحداث وينالوا ثمارَها. وحتى تتحَّقق هذه الأمنية يجبُ أن يكون المؤمن المشتركُ في حالةِ النعمة ، أي بدون خطيئة ، وإلا لا فقط لا يستفيدُ منه بل يجلبُ الدينونة لنفسِه. يقول مار بولس :” فليُحاسبْ الإنسان نفسه قبل أن يأكل من هذا الخبز… ومن {يتناول} ولا يرى فيه جسدَ الرب أكلَ وشربَ الحكمَ على نفسِه “(1كور11: 28-29). ولهذا كانت الكنيسة تفرضُ في بداياتِها عقوباتٍ شديدة على الخطاة العلنيين ومنها منعه دخول الكنيسة لفترة معَّينة علامة للتوبة. ثم كان يدخل الكنيسة ولكن لم يكن يحقُ له المشاركة بالتناول فيركع في إحدى زوايا الكنيسة في كل قداس ، مدَّة سنين ، قبل ان يحقُ له التناول.
ومع هذا كم خاطئ علني ، من المطلقين أو القتلة أو السُّراق ، يدخل اليوم الكنيسة ولا تمنعه ؟. لا ننسى أنَّ الذين حضروا صلبَ يسوع وموته كانوا كلهم مجرمين ما عدا يوحنا ومريم وبعض النسوة ؟. كانوا يسخرون من يسوع. ومع ذلك لم يطردهم يسوع ،بل غفر لهم فعلتهم الشنيعة :” يا أبَتي إغفِرْ لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون ” (لو23: 34). لأنَّ يسوع سبقَ و صَّرحَ :” ما جئت لأدعوَ الأبرار بل الخطأة. فأريدُ رحمةً لا ذبيحة “(متى9: 13). فدخول الكنيسة أو منعه عنها لا يجوز أن يكون مزاجيا ولا إعتباطيا ، ولا تتحكمُ فيه تقاليد وعادات سابقة. السلطة التعليمية في الكنيسة هي التي تقررُ هذا الشيء بحكمتها وتدبيرها.
حــيوان في الكنيسة !
قد يعتبرُ البعضُ ذلك تقليلا من كرامة الكنيسة. أو عدمَ إعتبار لكرامةِ المؤمنين الذين يجتمعون فيها ويُصَّلون. وقد يستندُ البعضَ في استنكارهم للأمر إستنادا الى مافعله يسوع إذ أخرجَ البقر والغنم والحمام من الهيكل (يو2: 15). صحيحٌ أنه يجبُ إحترام قُدسية الكنيسة لأنها بيت صلاة. ولا يجوزُ الأستهانة بها وآستعمالها لأهدافٍ دنيوية : تجارية أو سياسية. و لكن لنُفَّكر معا : هل الحيوان بذاتِه ، كالكلبِ مثلا، نجسٌ أو طاهرٌ، قديسٌ أو مجرمٌ ؟. لما خلقَ الله الطيورَ والزحّافات والبهائم والوحوش قال الكتاب :” ورأى اللهُ أنَّ هذا حسن ” (تك 1: 25). لقد نجَّسَ اليهود بعضَها وحرمَ أكلَ لحمِها (أح11: 4-8، 10-34 ) لكن يسوع حللها من جديد :” ما طهَّرَه الله لا تُنَّجسُهُ أنتَ “(أع 10: 15). ولهذا صَّرحَ مار بولس أنْ : ” كلذُ ما خلقَه الله حسنٌ ” (1طيم4: 3). ليس الحيوان مثل الأنسان صورةً لله ناطقة وخالدة. فهو لا يقّدسُ مكانا إذا دخله ولا يُنَّجسُه.
خلقَ الله الحيوان من أجل الأنسان فيأكلُ من لحمه ومن منتجات حليبه ، أو يتّخذه حارسا و حماية ، أو يستعملُه لنقل المواد أو لحرث حقلِه، أو للزينة والتسلية به ، وغيرها من أساليب الأنتفاع به حسب حاجةِ الأنسان وطبيعةِ الحيوان. فإذا آحتاجَ الأنسان الى الكلبَ حارسا أين يدعه أثناء أدائه الصلاة في الكنيسة ؟. أُمَّهاتٌ كثيرات يجلبن أطفالهن الرُّضع الى الكنيسة فيبكون أو يسرحون ويتراكضون في الكنيسة ويشَّوشون بذلك على الحاضرين، أ ليس هذا أمرٌ نجس وجريمة أكثر من إدخال كلبٍ صامتٍ يمكث بجانب صاحبه لا أحدَ يشعرُ بوجودِه ؟. ترى من أي واحد يرضى الله ومن أي ينزعج أ من الكلبِ أم من الطفلِ؟.
قيلَ لكم … أقولُ لكم !
فالأمورُ تؤخذُ بالمنطق والأيمان وليس بالمزاج أو الإحساس ولا حتى بأفكارٍ سابقة ورثناها من بيئة متخّلفة أو تراثٍ غريب عن المسيحية. قال يسوع :” سمعتم أنه قيلَ لكم … أما أنا فأقولُ لكم “. كرَّرها ست مراتٍ في فصل واحد من إنجيل متى (5: 21-48). دعانا يسوع الى أن نغَربلَ معلوماتنا. دعانا الى أنْ نسمع صوتَ الله وإرشادَه ولا نتبع تقليدَ الناس. ليسَ الناسُ مقياسَ الحقيقة. الله وحدَه ، كونُه الخالق والدَّيان ، يعرفُ ما هو صحيح وما هو خطأ ،ما يبني وما يهدم ، ما يجوز وما لا يجوز.
نقرأ في العهد القديم ما جاء في الشريعة ونعتبر ذلك من الله لأنَّ النص يبدأ دوما بـ : ” قال الربُ لموسى”. وأمورٌكثيرة تمَّسكنا بها حرفيًا رغم أنَّ العهد الجديد فسَّرَ لنا جوهر الشريعة الروحي. ويؤَّكدُ الأنجيل عن لسان ربنا يسوع بأنَّ الشريعة من موسى لا من الله :” أ ليس موسى أعطاكم الشريعة.. وموسى سَّن شريعة الختان ” (يو7: 19-22)؛ موسى سَّن شريعة تطهير الأم بعد الولادة (لو2: 22؛ 24: 44)؛ موسى سَّن شريعة قتل الزانية أما يسوع فقد دعاها الى التوبة (يو8: 5-11)؛ بل من زمن حزقيال أكَّدَ الرب بأنه لا يفرحُ بقتل الخاطيء بل بتوبتِه (حز18: 23). و ما يزال عالمنا يقتل بألف حجةٍ وحجة يختلقُها بنفسِه ليُبَّررَ فعلَه. ما زال يُخالفُ شريعةَ الله ليتبعَ شريعة البشر (يو7: 23 ؛مر7: 8).
مَّـيزوا بين الأرواح !
هكذا قال الرسول (1يو4: 1). وأنا أقول لأعّزائي “” مَّـيزوا بين رأيكم وبين فكر اللـه “” !. فليست الحيوانات هي التي تُدَّنس كنائس الله. فلو أُدخِلَتْ آلافُ الكلابِ الى الكنيسة لقيادة صاحبها إليها ومنها ، أو حمايته من أوباشٍ قد يكمنون له ، أو ليبحثَ عن مجرمٍ إختبأَ فيها، أو مخَّدرات أُخفيَت فيها ، لن تتَّـنجسَ الكنيسة. ببساطة لأنها ليست نجسة. إنَّ ما يُدَّنسُها هو البشر الخاطِئون الذين لا يتحرمون قدسية المكان ولا يتورعون من إستعمالها لأهدافٍ نفعية. ما يُدَّنسها هو تبَّرج المؤمنين والمؤمنات الذين يأتونها لا للصلاة والعبادة إنما لأبراز زينتهم وموضتهم. ما يُدَّنسُها هو الكلام الذي يدورُ بين الحاضرين ، أثناء القداس ، عن التجارة أو المطبخ. وعوضًا عن أن يسمعوا كلامَ الله يخرجون إما للتدخين أو لعقد صفقات تجارية. ما يُدّنس الكنيسة هو جلوس المؤمنين فيها يسمعون كلامَ الله ويرفضون بتصميم تطبيقه في حياتِهم. إنِّ أعمال البشر تُدَّنس الكنيسة لأنهم ، وهم صورة الله و مُخَّلَصون بدمه ومدعوون الى الشهادةِ له ، يتَّصرفون كغرباء عن المسيح إن لم أقلْ كأعداءَ له. يحضرون القداس ، ذبيحةِ الغفران ، ويتلون أبانا الذي ويرفضون أن يتسامحوا مع إخوةٍ لهم ، يقبعون في زاوية أخرى من الكنيسة، إختلفوا معهم بسبب تقليدٍ بشري أو مصالح زمنية.
لم تمنع الكنيسة يوما، في تعليمها وقانونِها، دخول حيوانات أليفة الى الكنيسة لغايات شريفة. بل تمنعُ دوما إجراءَ أحاديث سخيفة كسيفة، في الكنيسة،عوضًا عن أداءِ صلاةٍ نظيفة عفيفة.