أهلا وسهلا بالأخت رونزا صـباح
تساءَلت الأخت رونزا عن أهمية سرالأعتراف في الكنيسة الكاثوليكية وضرورتِه، فسألت :
$ لماذا لاتلُّحُ الكنيسة عليه للشعب ؟
$$ لماذا أصبحَ مُهمَلاً ومتـروكًا كالمســيح ؟
$$$ هل توصي الكنيسة أن نتجاهلَ سرَّ الأعتراف وتُعطيَ الأهمية للذبيحة الألهية ؟
وهنا إستطردت كلام يسوع بنبرة إعتراضية فكتبت:” لكن يسوع قال:” إذهبوا و تعَّـلموا معنى الآية: أُريدُ رحمـةً لا ذبيحة “!!! ، فسأل من جديد :
$$$$ ما هو تعـليقُكَ على كــلامي ؟
أهمية سر الــتوبة !
لقد إفتتح يسوع بشارته بالدعوة الى التوبة (متى4: 17) بعد أن أعطى الناس مثالا في شخصِه عندما تاب بآسم الأنسانية عن خطيئتها الأصلية وخطاياها الفعلية فدخل نهر الأردن وقبل معمودية التوبة من يد يوحنا (متى3: 16؛ مر1: 4؛ لو3:3؛ أع13: 24). وعقاب الله للخطأة لأنهم لم يتوبوا (رؤ16: 9-11). التوبة مهمة جدا لأنها وحدها تنال غفران الخطايا، والغفران يقود الى مشاركة الله مجده ونعيمه. لذا فالتوبة ضرورية أيضا لسلوك درب الحياة والخلاص:” إن لم تتوبوا فجميعكم مثلهم تهلكون” (لو13: 3-5). ولأهمية السر وضرورته خوَّلَ المسيح الكنيسةَ سلطانه الألهي بغفران خطايا من يتوبون (يو20: 23) مؤسسا بذلك سر التوبة.
من الأفضل القول بـ” سرالتوبة ” وليس سر الأعتراف. لأن الأعتراف هو المرحلة الأخيرة وعنصر الختام للتوبة. الأعتراف هو الأقرار بالخطايا. أما التوبة فهي الندامة عن الشرور و قرار المصالحة مع الله والكنيسة.
إلحاح الكنيسةِ على الأعتراف !
لم تُهمل الكنيسة يوما دعوة المؤمنين الى الأعتراف. لقد سَنَّت الكنيسة خمس وصايا تتعَلَّقُ أولاها بالمشاركة في ذبيحة القداس وثانيها بالأعتراف بالخطايا “على الأقل مرَّة في السنة ” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2042). وقد كتب البابا القديس يوحنا بولس الثاني سنة 1984م إرشادًا رسوليًا ” بشأن المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة اليوم” ، و إرادةً رسولية سنة 2002م ” ..حول بعض مظاهر الأحتفال بسر التوبة” وفيها يُحَّرضُ على التوبة والأعتراف الفردي أمام الكاهن ويذكر الكهنة والأساقفة بواجبهم في سماع إعترافات المؤمنين. وكم مرة شاهدنا البابا فرنسيس نفسه يعترفُ أمام الكاهن ، أو يجلسُ في المنبر لسماع إعترافات المؤمنين. وحتى في أيام الشبيبة العالمية في بولندا في الأسبوع الماضي (27/7-31/7/2016) ، ورغم كثافة ما عمله وتحَّدث فيه وجد وقتا كافيا لسماع إعتراف خمسة شباب على الأقل (رمزًا للقارات الخمس)، داعيًا بذلك ومشَّجعًا على ممارسة الأعتراف كخطأة أو كمعَّرفين.
إهمال الأعتراف وتركه !
أما أسباب الإهمال المفرط للأعتراف وتركه فيعزوه البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى “الحلة الجماعية” التي عوَّدَ الكهنة الشعبَ عليها من دون ضرورة ولا مُبَّرر بحيثُ ” لم تعُد الحلة الجماعية وسيلةً خارقة العادة تُستخدم في ظروفٍ إستثنائية تماما. فأخذت تنتفي عمليا الأمانة للظاهر الألهي في السر،وحسّيًا ضرورة الأعتراف الفردي، فأدى كلُ ذلك الى أضرار جسيمة طالت حياة المؤمنين الروحية وقداسةِ الكنيسة “(.. مظاهر الأحتفال بسر التوبة ). والسبب الثاني ذكره البابا في نفس الأرادة الرسولية 2002م، انَّ جميع الكهنة المفوضين بمنح السرلم يكونوا جاهزين لآستقبال الخراف الجريحة ، أو للذهاب أيضا الى ملاقاتها. إنَّ هذا لعلاوةٌ محزنة لنقصٍ في الحس الراعوي عند الذين ، من جرّاءِ رسامتهم الكهنوتية، يجب أن يحملوا في ذواتِهم صورة الراعي الصالح” (المصدر السابق).
الأعتراف أم ذبيحة القداس !
كلا السرين من تأسيس يسوع: هو قال ” توبوا” ، وهوأيضا قال” إصنعوا هذا لذكري”. وقد مارستهما الكنيسة من البداية بخطين متوازيين دون التركيز على واحد على حساب الآخر. وكما كان المسيحيون يجتمعون مع الرسل للتعليم والصلاة و “كسر الخبز”، أى إقامة ذبيحة القداس (أع2: 42)، هكذا كان الرسل يدعون الخطأة الى التوبة (أع8: 22). إنما هناك فرقٌ بين السرين. فذبيحة القداس هي التواصل الجماعي مع تعليم المسيح والتغذية من حياته و الأتحاد معه فكرًا وقلبًا، أما التوبة فهي التنقية الفردية من سوء الأفعال. إغتذى كل الرسل من جسد يسوع في العلية، كان جماعيا وضروريا للكل. بينما لما نكر بطرس معلمه تاب هو وحده ولم يتب معه كل الرسل الذين لم يخطأوا. الكل بحاجة الى الحياة الألهية، لكن ليس الكل يخطأون. ومن يخطأ هو وحده يحتاج الى التوبة. الذبيحة الألهية غذاءُ الروح. أما التوبة فدواءُ الداء.
فالكنيسة لا فقط لم ولن تتجاهل الأعتراف بل توصي بالأعتراف السنوي للكل لأنَّ الأنسان ضعيفٌ بطبيعته ومُعَّرَضٌ للخطأ. أما تناول القربان فرغم أنه مصدر الحياة الروحية التي يحتاج اليها الكل وبآستمرار، لكن الكنيسة لم تفرضه وحده ولا بحجم يفوقُ سر التوبة. لأن وصية الكنيسة تفرضه كالأعتراف مرة واحدة في السنة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2042، الوصية الثالثة). ولكن ولأنه جزءٌ من القداس والتقَّرُب اليه أسهل فيبدو أنه أهم من الأعتراف.
ما هو تعليقك .. !
أما إستشهادك بكلام الأنجيل” إذهبوا وتعلموا معنى أني أريد رحمة لا ذبيحة “(متى9: 13) فليس كما تصَّورتِ أيتها الأخت الكريمة. بكلمة الذبيحة لم يعني يسوع ” ذبيحة القداس الألهية “. كيفَ لا يريدُ يسوع الذبيحة وهو نفسُه أمر بتكرارها عندما قال : ” إصنعوا هذا لذكري” (لو22: 19)، بل وكررها بنفسه يوم القيامة بالذات (لو24: 30)؟. ما عناه يسوع هو أنه يريدُ منا أن نرحمَ فنغفر للناس ونساعدهم كما فعل هو مع متى العشار(متى9:9)، لا أن ” نذبحَهم ” أي نعاقبهم على أخطائهم، وأن نساعدهم ونعطي لهم فرصة جديدة للحياة كما فعل مع الزانية التي غفر لها لا كما وصَّت شريعة موسى على رجم أمثالها (يو8: 7-11). لا يريد الله موت الخاطي بل أن يتوب ويحيا أمامه (حز18: 23). البشر يدينون ويُعاقبون ، أما الله فلا يدينُ أحدا (يو5: 22)، ولا يحكم على أحد (يو8: 15).
رسالة يسوع هي غفرانية لا إبادية. كذلك تكون رسالة الكنيسة. “لم آتِ،يقول يسوع، لأدين العالم بل لأخَّلصَ العالم” (يو12: 47). وقد قَبِلَ الموت، مُدانًا وهو بريء، من أجل أن يفديَنا. يدين يسوع كلَّ أشكال العُنف، لأن العنفَ يذبح. أتى يسوع ليضمن الحياة للناس (يو 10:10)، فحتى من رفعوا عليه السيفَ هو أراد لهم الخير (لو 22: 51-52) ومن قضى عليه بالموت غفر لهم (لو23: 34). هكذا نحن دعوتنا ألا ندين الناس حتى الأشرار بل نحاول أن نصلحهم لنُنقِذَهم حتى لو شجبنا أعمالهم السيّئة. هكذا صرَّحَ البابا فرنسيس بأنه لا يدين ولا يحكم بمعاقبة الأفراد المثليين، بينما شجبَ المثلية وأدانها كليا ونهائيا. ندين الشَّر أما الأشرار فهم ضحايا ومرضى نحاولُ معالجتهم وإنقاذهم من شَّرِهم. وهذا ما يطلبه يسوع من سامعيه وقارئيه أن يسلكوا درب المحبة والرحمة، لا نظام الدينونة والعقوبة. غفر يسوع و رحمَ لأنه أحَّبَ. و يريدنا أن نفهم المحبة ونمارس الرحمة فنغفر ونساعد.