أهلا وسهلاً بالأخت نهلة بولس.
في قراءة لأنجيل لوقا 19: 11-27، إِعترضَ إبنُ نهلة قائلاً: ” مُو تْكولون دين المحبة ، لِىْشْ مذكورْ القَتْل” ؟. فسألت :” إِذبحوا قدامي ، هل قصَدَ القتل “.
سافر أحدُ الأُمراء ..!
ذكرت السائلة الآية الأخيرة من ” مثلٍ ” ألقاهُ يسوع على جمعٍ ينتظرون إستعادة سيادة الدولة اليهودية، بآسم الله، وآعتقدوا حينًا أن يسوع الناصري هوالمسيح القادم وأنَّه سيُحَّققُ حِلمَهم. لكنهم إعترضوا على تصرفاته التي لم توافق رأيهم ولاسيما خالفت مصلحتَهم و مبادِئَهم. ودانوا إختلاطَه مع الوثنيين والطبقة المنبوذة منهم، ومساواتَهم بهم. وألقى هذا المثل بعد أن دانوه لدخوله بيت زكا، كبير جباة الضرائب وقبل دخوله أورشليم كملك. ونعرفُ أنَّهم رفضوه كليا عند دخوله أورشليم كملك، كما إعترضوا على من آمن به أنه المسيحُ الملكُ المنتظر. خافوا على مراكزهم ( يو12: 19) فقرروا قتله تخَلُّصًا منه (يو11: 47-48، 53). ولمَّا حاول بيلاطس إخلاء سبيله بسبب براءته أصَّروا هم على قتله لأنه كشف حقيقة هويَتِهِ و” جعل نفسَه إبن الله ” (يو19: 7)، قال للرؤساء :” أ أَصلبُ ملككم؟ (يو19: 11، 15) ردوا عليه :” لا ملك علينا إلا قيصر” (يو19: 15).
هذا من جانب قادة الشعب. أما الرسل الذين آمنوا بمسيحانية يسوع فكانوا ينتظرون عاجلا ملكوت الله. وتنَّبُؤُ يسوع بموته أقلقهم. أنعشت القيامة آمالَهم. لكن صبرَهم كاد أن ينفد عندما عرفوا بمغادرته وصعوده (أع1: 6). فجاء مثلُ يسوع ليكشفَ حقيقة ما يجري. فأعطى مثل أمير سافر بعيدًا ليصبح ملكًا و رفضه شعبه. إنه حادث أرخيلاوس ابن هيرودس سافر الى روما سنة 4 ق.م لتنصبَه ملكًا على اليهود، بعد موت أبيه. لحقه وفد من اليهود وآلتمسوا إلغاء الملكية ونالوا ذلك. فأشار لوقا الى أن ذلك كان رمزًا لرفض اليهود ملوكية يسوع. فأكد يسوع للرسل ألا يستمروا بأن يُغَّذوا فكرة دولةٍ مدنية، وأن مملكته هو هي روحية كما صرَّح لبيلاطس :” إني ملك… ولكن مملكتي ليست من هذا العالم”(يو18: 36-37).
كما أكَّد للرسل أن عودته لن تكون قريبة. فطلب منهم أن يُؤَّدوا الشهادة التي طلبها منهم. و دعاهم ألا يحسدوا بعضهم ولا أن يتنافسوا بينهم. كلُّ واحد ينال موهبة خاصة عليه أن يُفَّعلها ويُثمرها، وسيُحاسَبُ عليها. والذي يتخَّلف عن خدمته يتخَّلى عنه الرب.
أما أعدائي .. فآضربوا أعناقهم !
وهنا جاء السؤال :” لِىشْ القتل مذكور ..وهل يقصدُ فعلا القتل “؟. أولا، يُشيرُ النص هنا الى ما يفعله عادة أهل العالم، فيقتلون أعداءَهم كي لا يقلقوهم أو يُسيئوا الى مصلحتهم. وقد تشيرُ الى إنتقام أرخيلاوس من مقاوميه. لكنَّ يسوع أيضًا جاءَ ملكًا يريد أن يُعيد للأنسان كرامته الإلهية ويُؤَّسسُ مملكة روحية على مبادئ” الحق والبر”. إنَّما رفضَ قادةُ اليهود ذلك و تخَّلصوا منه فقتلوه. يُنَّبهُ يسوع تلاميذَه على قساوة القادة اليهود، والبشر عامَّةً، لأنهم لم يعودوا أُمناء لشريعة الله في المحبة والغفران ما جَرَّ عليهم خرابَ أورشليم سنة 70م على يد القائد الروماني طيطس، الذي قتل وأحرق ودَمَّر بقساوةٍ وحشية.
أما في مملكة المسيح فلا مكانة للعنف. لا تتحكم العاطفة في الأنسان بل محبَّتُه ورحمتُه. فلا ينبغي أن يستفِزَّ ذلكَ تلاميذ المسيح، عبر الأجيال، ولا أن يُقلقهم فيتصَرَّفوا بأسلوب أهل العالم. الحقُ والعدلُ ينتصران بالمحبة والخدمة لا بالعنف.
فالقتل كما جاء في النص يشيرُ فعلاً الى وحشية إراقة الدماء وإلى قساوتها ” إذبحوهم.. أو إضربوا أعناقَهم”، كما فعل هيرودس أوبيلاطس الذي خلط دماء أعدائه بذبائحهم (لو13: 1) ، أو كما يفعلُ عملاءُ الشيطان في هذا العصر. إنه عملٌ إرهابي من تحريض الشيطان” قاتلِ الناس منذ البداية ” (يو8: 14). ذكرَ الأنجيلُ القتلَ لا ليدعو إليه أو يُؤَّيدَه ، بل ليَدينَه ويمنع تلاميذه عن اللجوء إليه لحَّل خلافٍ أو تصفيةِ حساب. هكذا لا تُؤخذُ كلمةٌ أو عبارة وحدَها معزولة عن النَّص الذي وردت فيه. بل تُقاس وتُفَّسر ضمن إطارها وبالتوافق مع كلِّ تعليم الكتاب المقدس. فلو كان يسوع ، أو الرسل/ الكنيسة من بعدِه، يُشَّجعون القتلَ لماذا إِذًا منعَ يسوعُ بطرسَ من إستعمال السيف والقتل دفاعًا عنه ؟(متى26: 52). وحتى الرسل لماذا لم ينتقموا من أعدائهم عندما عذبوهم بل سامحوهم ؟ (أع5: 40-41)، كما سامح يسوع صالبيه (لو23: 34).
هكذا إذا جاء ذكر كلمة ومفردةٍ في الأنجيل تفوح منها رائحة الشؤم والشر والفساد فلا يعني ذلك أنَّ الأنجيل يُؤَّيدها ويُشّجعُها. يجبُ الأطلاعُ على النص الذي جاءت فيه، بل وعلى الكتاب المقدس كله، لأدراك معناها وأسبابِ ذكرها.