الأحد الأول للكنيسة

  سابوع الكنيسة ، الأخير من السنة الطقسية  

ويقعُ وجوبًا في الأحد الرابع ، قبل الأحد الأول من سابوع البشارة ،

أي بين 30 /10 أوكتوبر، و 5 /11 نوفمبر

تتلى علينا اليوم القراءات  :   اش6: 8-13؛ خر40: 17-38 1كور13: 1-13؛ متى16: 13-20

القـراءة : إشَعْيا 6 : 8 – 13 :– يرى النبيُّ اللهَ تُحَوِّطُه ملائكةٌ تُسَّبحُه وتصرخُ ” قدّوسٌ”. ويُطَّهرُ النبيَّ بجَمرةٍ ويُرسِلُه ممثِلاً لهُ عند الشعب.

القـراءة البديلة : خروج 40 : 17 – 38 :–  ينصُبُ موسى خيمةَ مسكنِ الرب ، يضعُ فيها تابوتَ العهد حيثُ يحضرُ اللهُ بشكل الغمامةِ نهارًا والنار ليلاً.

الرسالة : 1 كورنثية 13 : 1 – 13 :–  نشيدُ المحَّبة. هي أعظمُ الفضائل،وبدونها لا ينفعُ حتى الإيمان. وحدَها تُسعِدُ الأنسان ، وتدومُ للأبد.

الأنجيل : متى 16 : 13 -20 :–  يهتَمُّ يسوع بمعرفةِ رأيِ الناسِ خاصَّةً الرسل عنه. يُعلنُ بطرس بآسم الرسل أنَّه هو الموعودُ المنتَظَرُ، المسيحُ إبنُ اللهِ الحَّي.

إبنُ الأنسان !

كان يطيبُ ليسوع أن يًسَّميَ نفسَه بـ ” ابن الأنسان”، وكأنَّهُ يُعيدُ بذلك الى أذهان سامعيه ما سَّجلَه عنه الأنبياء حزقيال (8: 2)، خاصَّةً دانيال (7: 13-14). ربَّما إمتَّدَ فكرُ يسوع ونظرُه إلى أعمق من ذلك في جذور التأريخ، أعني إلى ” الأبن الموعود “، نسل حوّاء الذي سيسحقُ رأسَ الحَّية الخبيثة (تك3: 15)، ويُعيدُ إخوته البشر الى الفردوس المفقود، الحياة مع الله. فإبنُ الأنسان لا يعني أقَلَّ من أنَّه “” إنسان””” كامل بكل ما تعنيه الكلمة. فيسوع لم يكن شبَحًا تخَّيلَه الناس. ولا وهمًا من نسج الأساطير. كان إنسانًا من عظم ولحم (تك2: 23) مثلنا، إبنًا لآدم. لم يكن خيالاً أو تهَّيُؤًا يزول حالما يستعيد المرءُ أنفاسَه ويستفيقُ بعد صدمةٍ تغوَّشُ له رؤيةَ الفكر وآضطراب الحوّاس. وقد حدثَ للتلاميذ مرَّةً فـ ” توَّهموا أنَّهم يرون روحًا “، كان ذلك بعد أحداثِ صلب يسوع وموته المؤلم ودفنِه، وسمعوا أنَّ يسوع قد إختفى من القبر. ثم رأوهُ فجأةً واقفًا أمامهم دون أن يدخلَ من الباب مثل كل الناس، كاملَ الجسم معافًى من كل جرح بعد كل تلك العذابات الوحشية التي عاينوها، ومنظرُه وسيم وبهي بعدَ أن لم يكن له منظر يُشْتهى ” إذ كان مضروبًا، مجروحًا، منكوبًا، مسحوقًا،.. سيقَ كنعجةٍ للذبح” (اش53: 2-11). لم يُصَّدقوا عيونهم إلى أن طمأنَهم يسوع: ” لماذا ثارت الأوهامُ فيكم … إلمسوني وتحَقَّقوا فالروحُ لا لحم له ولا عظمٌ .. وأكلَ بمرأَى منهم” (لو24: 37-43). إنَّه إنسانٌ لا غِشَّ فيه.

إبنُ داود ، إبنُ إبراهيم  !

هكذا قال عنه الأنجيل (متى1: 1). لكنه ليس، مع ذلك، إنسانًا مثل بقية الناس. له ما يُمَّيزُه و يُفَرِّقُه عن كل الناس. كان يُثيرُ حولَه علاماتِ إستفهامٍ كبيرة وشديدة!. كان يُثيرُ فضولية الناس وحيرَتَهم وإعجابَهم وأحيانًا أيضًا غضَبَهم وأستنكارَهم. كان غريبَ الأطوار، لكنَّه جَذّابٌ و لطيفٌ الحديثِ والمعشر. ويتساءَلون عنه، حتى من لم يراه، ويقولون ” من يكون”؟. ويشتاقون الى رؤيتِه حتى هيرودس (لو9: 9؛ 23: 8) وزكا العَشَّار (لو19: 3). كان كلامُه مُستطابًا ، قوّيًا يُنعشُ الأرواح لأنَّه يتكلم كمن له سُلطان (متى7: 29). كان يُجري المعجزات ويشفي كلَّ أنواع الأمراض، ويقيم الموتى حتى آنبهر الشعب وصرخ:” لقد قام بيننا نبِيٌّ عظيمٌ وآفتقدَ اللهُ شعبَه ” (لو7: 16). كان يطرد الأرواحَ الشّريرة ويُسكت البحرَ والعواصف (متى17: 27؛ مر 1: 27).ومع الدهشةِ والحيرة تدورُ في أذهان الناس أسئلةٌ كثيرة أهَمُّها ” أَ  يكونُ هذا المسيحُ المنتظر”؟. آمن البعضُ بذلك وأرادوا مرَّةً أن يختطفوه ويُقيموه مَلِكًا عليهم (يو6: 15). لكن بعض تصَّرُفاتِه ، كإجراء الأشفية يوم السبت، كانت تجلبُ عليه الشَكَّ ونقمة الفِرّيسيين (لو13: 14) وتثيرُ ثائرَتهم عليه (لو6: 11)، وتدفعهم الى الحقدِ عليه (لز11: 53). لم يتمالكوا إنفعالَهم وحقدَهم حتى واجهوه قائلين: ” حتى متى تُدخِلُ الريبةَ في نفسِنا؟. إن كنتَ أنت المسيح، فقل لنا صراحةً ” (يو10: 24). أجابهم بنعم أنَّه المسيح مع التأكيد على أنَّه ” اللهُ” لمَّا قال: ” أنا والآب واحد” (يو10: 30). وعوض قبولِه حاولوا أن يرجموه لأنَّه لم يُجاريهم في تقاليدِهم و سُننِهم و مصالحهم. كان هذا موقفَ القادة وقرروا أنَّ كلَّ من يؤمنُ به يطردونه من الهيكل (يو 9: 22).

وماذا عن الناسِ البُسَطاء ؟

هنا كان سؤالُ يسوع لتلاميذِه: ” ما رأيُ الشارع فيَّ”؟. من أنا في نظرهم؟. ماذا يعتقدون عَنّي؟ . عرفنا أن الرؤساء  حددوا موقفَهم منه وقرروا :” من يُؤمن به يعرضُ نفسَه للطرد من المجمع ” وعزله عن الأُمَّة (يو9: 22؛ 12: 42). أمَّا عن يسوع فقد قرروا التخَّلصَ منه (يو11: 53) وقتلِه مع لعازر الشاهد لمعجزة إقامتِه من بين الأموات والدليل بأنَّه فعلاً المسيح (يو12: 10). أمَّا عامة الشعب فكان موقفُه مختلِفًا : يمكن إختصارُه بـ ” مِزاجِيًا ، حياديًا ومصلحيًا “. إنبهروا به. إنتعشَت آمالُهم بالنجاة من الإستعمار وتكوين دولة نموذجية، دينية ومدنية تقودُ العالم بالعدل والمساواة. يسوع نبيٌّ عظيم. إعتبرَته كلُّ جماعة حسب رؤياها وقناعتها، ولاسيما مفهومها عن النبُّوة والأنبياء. حسبه البعض يوحنا المعدان الذي ما تزالُ ذكراهُ حَيَّةً وكلماتُه الأيمانية تُجلجلُ في الآذان. كان يُقارعُ الملوك. ويسوع أيضًا لم يتبعْ أحدًا ولا مال الى رئيس. إنَّه مستقِّلٌ وحُرٌّ و جريء. إنتقاده للرؤساء المنافقين ينزل عليهم كالنار على الهشيم. رُبَّما يكون هو يوحنا الذي قد إحتيا فعلاً كما إعتقد هيرودس 0مر6: 16)، أو تقَّمصَ في يسوع ليتابعَ عمله.

إِعتبره غيرُهم إيليا النبي. كان الشعبُ في آنتظار يوم الرب، يظهرُ فيه المُخَّلِصُ الموعود. وقبل ظهوره يأتي إيليا النبي ليُهَّيئَ لمجيء المسيح فيختم النبوءات والعهد حسب ملاخي (مل3: 23-24). وقد أكَّدَ يسوع على مجيء إيليا النبي قبله في شخص يوحنا المعمدان الذي أدَّى الرسالة المَعزُوَّة الى أيليا (متى11: 14؛ 17: 12) تمامًا كما بلغَّ الملاكُ زكريا :” سيسيرُ أمام  الله بروح إيليا و قوَّتِه … فيُهَّيِئُ للرب شعبًا مُستعِّدًا له ” (لو1: 17). فلا غرابة إذا إعتقد الشعبُ أنَّ واحدًا من الأثنين، يوحنا أو يسوع ، يشبهُ إيليا.

أما إِرميا أو “واحدٌ من الأنبياء” فربَّما لأنَّ إرَمْيا كان أحَّبَ الأنبياء وأقرَبَهم الى قلب الشعب، و كان يُعرَفُ بـ ” مُحَّبِ الأخوة، والمُكَّثِر من الصلوات لأجل الشعب. وأمَّا ” أيَّ نبي” فلربما لأنَّ الشعبَ كان في شوقٍ كبير لظهور نبيٍّ بينهم يُنعشُ إيمانهم. لقد مرَّ زمنٌ طويل ولم يقُم نبيٌّ في إسرائيل. ورُبَّما أيضًا لأنَّ الشعبَ لم يستوعب جيدًا وبعُمق رسالة يسوع الخلاصية، وحتى عن الله تشَّوه إعتقادُه. فلا يعرفُ كيف يصفُه. وفعلاً أكَّدَ يسوع لقادةِ اليهود :” أنتم لا تعرفوني ولا تعرفون أبي” (يو8: 19). وبما أنَّ يسوع يبدو رجُلا لله، ويُحَّدثهم عنه بحماس نادر وبأُسلوبٍ بليغ فلابُدَّ وأن يكون نبيًا. وهذا هو المُهم عندَهم، أن يكون رَجُلَ الله. ولذا يُسرعُ فيستقبله في أورشليم بـ” أُوشعنا لله..”. ولكن ولأنَّ إيمانه مِزاجيٌ وسطحيٌ ونفعي إنقلبَ عليه بسرعة مُذهلة بل مُرعِبة فطالب، بعد خمسةِ أيامٍ فقط ، بموته وصاح :” أُصلُبْه ! أُصلبهُ !”.

والآن ، ماذا عن الرسل ؟

هنا بيتُ القصيد. ما هو رأيُهم عنه وهم يرافقونه منذ ثلاث سنوات، ولا يُفارقونه، وهو يُعَّلِمُهم بنوع خاص (متى5: 2؛ 13: 18و36) ويُشاهدون أعماله عن كثب ويسألونه عن كلِّ شاردة وواردة ويُفَّسرُها لهم!. أين بلغوا في قناعتهم عن هويتِه الجوهرية، عن شخصِه ورسالته؟. لقد مروا بتجاربَ كثيرة تسَّهلُ لهم تحديد موقفِهم منه. لمَّا كلَّمهم عن خبز الحياة إِعترضوا عليه قائلين:” هذا كلامٌ عسير من يستطيعُ سماعَه”؟. و” توَّلى عنه كثيرٌ من تلاميذِه وآنقطعوا عن مُصاحبتِه. وكادت التجربةُ تقذفُ حتى بالرسل الإثني عشر أنفُسِهم حتى قال لهم يسوع: ” هل تريدون أنتم أن تذهبوا مثلهم ” (يو6: 60-67). لقد ثبُتَ الرسلُ في قناعتهم أنَّ يسوعَ هو” قدوس الله “، المسيحُ المُنتَظَر. لكن تجربةَ آلامِه وصلبِه كادت تُطيحُ من جديد بكلِّ آمالِهم، وبما بنوه من إيمان. حتى القيامة كادت ألا تمنعُهم من الإنجرافِ وراء التجربة. كان ذلك بعد القيامة لمَّا رجعَ بطرسُ وستةٌ آخرون تبعوه الى صيد السمك (يو21: 3).

أنا ذاهبٌ للصيد !

هكذا أراد بطرس أن يُعالجَ خيبَةَ نُكرانِه، رغم إيمانِه بمسيحانية يسوع. نعم ليس سهلاً أن ترى أمامك إنسانًا لا يختلفُ عنك إلا بقدرته الإعجازية وتؤمن بأنَّه ” إلَهٌ “؟. ماذا عنى بطرس بقوله ليسوع: ” أنت ابنُ الله الحي” ؟. ليس سهلا أن تؤمن به إلَهًا مُتجَّسِدًا  وأنت تراهُ يُخالفُ شريعةً طبَّقْتَها أنت حرفيًا بإيمانٍ وغيرة لأنَّها بآسم الله ؟. ليس سهلاً أن تؤمن برسالته ، رسالة المحبة والغفران والمساواة بين المؤمن والوثني (متى15: 28؛ أع11: 2-3)، وأنت تمَسَّكْتَ بشِدَّة طوال حياتِك بتقاليدَ وسُننٍ لم تهتَّمَ إلاّ بما يخُّصُ الحواس؟. ليس سهلاً أن تُصَّدقَ أنَّه حَّيٌ , أن تُصَّدقَ عيونَك وتقبل بقيامته وأنت دفنتَ جسَدَه الهامد بعدَ أن تحَطَّمَ وأنت شاهدتَ وحشية العذاب الذي قاساهُ؟. لا. ليس سهلاً أنْ تكون قد عِشْتَ حياةً مبنية على أُسُسٍ خاصَّة ويأتي اليوم مَن يُقَّلِبُها رأسًا على عَقِبْ ويُطالبُكَ بأنْ تنسى لا فقط سلوكَك وحياتَك بل وأيضًا ذاتَكَ ، وتحمل مثله صليبك (متى16: 24) ، فتبني حياةً جديدة مختلفة جذريًا عمَّا تعَّودتَ عليه ، وعلى أُسُسٍ جديدة يُعارضُها العالمُ بأسرِه ، وأن تناديَ بهدفٍ غيرَ مُختبَرٍ، وبمبادئَ أقلَّ ما يُقالُ عنها أنَّها ” حماقةٌ وعثرة ” (1كور1: 23). جميعُ هذه الأمور ما كانت قادرةً على بلورة الرسل لأيمانهم و صمودهم عليه لولا أولاً تعَّلُقهم الشديد بحب معلمهم ونزاهته، وعدمهم أمام قدرته، ولاسيما سندَ قوَّة الروح القدس لإيمانهم حتى لا ينهاروا. ثبتوا بقوة الروح القدس على إيمانهم حتى آستنارت قناعتُهم بهوية المسيح فعشقوها وتوَّشحوا بها، محاولين أن يتقمَّصوا شخصيته ويسلكوا كمُسحاءَ آخرين إمتدادًا له ولرسالتِه، أغصانًا مسيحية مُطَعَّمَة على جذع المسيح يحملون ثمارَه الشافية.

فصَرَّحوا، وهذه المرَّة على لسان توما، ” أنت ربُّنا وإِلَهُنا المُتجَّسِد” (يو20: 28).

و ” أنتم ، من تقولون ..” !

لا تقتصرُ ” أنتم ” فقط على الأثني عشر رسولاً أو معهم الأثنين وسبعين تلميذًا، ولألفي سنةٍ خَلتْ. ” أنتم ” هذه موَّجهَةٌ الى كلِّ رسول وتلميذ ومؤمن بالمسيح عبر الأجيال الى نهاية العالم. لا يزال يسوع يُوَّجهُ اليومَ، وكلَّ يوم، سؤالَه الى كل واحدٍ منا : وأنتَ ماذا تقولُ عني؟. من أنا بالنسبةِ إليك؟. لقد عرفتُ موقفَ الديانات المختلفة عني وحتى المناوئة لي. عرفتُ موقفَ الملحدين ومنافقي هذا الزمان، وعرفتُ بمحاولاتِهم التخَّلصَ مني. بل التخَّلص مني ومنك أيضًا لأنَّكَ شاهدٌ لي مثل لعازر. أعرفُ موقفَ الناس اللاأُبالين الذين ينشغلون أولاً باللبس والأكل و الشرب والقصور والسيارات الفخمة والتكوين المادّي وجمعَ ثروات طائلة خيالية. يعرفوني على قدر ما سمعوه من” إدّعاءات”. ويسمعوني على قدر ما لا يتعارضُ مع راحتِهم وثرائِهم. و لا يهمُّهم أن أكون أنا نبيًّا أم لا، ولا أن أكون أنا أو غيري. يهُّمهم فقط ان تسيرَ أمورُهم حسب رغائِبِهم وشهواتهم. بالنسبة اليهم أنا معلمٌ أو طبيب أو .. أيُّ موَّظفٍ يُلَّبي طلباتِهم، ويوَّفر لهم العون اللازم لسندِ مسيرتهم دون إشكالٍ أو إعثار. فأمَّا ” أنتم “. من أنا برأيكم؟ ما هو موقفُكم”؟

وأنتَ  !

نعم أنتَ ” المؤمن بي”؟.الذي يتبعني في إيمانه ويفتخر بي أمام الآخرين، وتشترك في ذبيحة موتي وقيامتي، وتتبع تعاليمي، وتدَّعي بأنَّكَ تحفظ وصيتي، أسأُلُك : هل تعرفني جَّيدًا، من أنا وماذا أُريد؟. هل تنازلت عن ذاتكَ كما تنازلتُ عن مجدي الألهي لأُعَّلمكم درس التواضع و التجَّرُد؟. وهل لبستَني، فتأَلَّهتَ في سلوكك، فكرك وفعلك، كما تجَّسدتُ أنا وقاسمتك الضُعفَ و الألم والظلم وعانيتُ مشاكلك، وأعطيتُك درسًا كيف تتحَدَّاها وتُحَّولها الى بركةٍ ونعمة؟. هل تُحِّبُني كما أُحْبَبْتُك أنا، وما زلتُ أُحِّبُك، وتُحِّبُ الآخرين كما أنا أُحِّبُهم؟. أنا لم أتِ لأُلقيَ درسًا وأتقاضى عليه أُجرة. أنا أتيتُ لأُعَّلمَكم أُسلوبًا جديدًا في الحياة يضمن راحتكم. وأسألُكَ يا مَن لأجلِه مُتُّ على الصليب، هل تعرفُ بأني لا أُحاسِبُكَ بقدر ما أُريدُ مساعدتَك؟. هل تعرفُ أنَّ ما أطلبُه منك لا يُكَّلفُك الـ 1/ 1000 مما كلَّفني فقط من أجلكَ ؟. وهل تعرف أنَّ سلوكَ دربي في المحَّبةِ والبذل والغفران لا فقط ليس مُكلِفًا ولا مُعارضًا للعدل والحق، بل هو الطريق الأَصَّحُ للحياة ، يُرَيِّحُ ويُغْني أكثر من كل ثروة العالم؟.

أنتَ قد حملتَ إسمي. ومن خلالِك يتعَّرفُ العالمُ عليَّ. فكِّرْ إذا شَوَّهتَ صورتي، ولم تعكسْ بساطتي ولم تُشِّعْ براءَتي ولم تُعلن محَّبتي ستظلمُني وتزيدُ ألمًا على ألمي. لقد طلبتَ تلمَذتي و آستجبتُ أنا وقبلتُك في العمادِ أخًا لي وآبنًا لله مثلي. ما أطلبُه منك هو أن تثقَ فقط بي، وتتبع تعليمي ولا تتظلم أو تستصعب مبادئي. أنا لم أكن من العالم، لكن عملتُ لخلاص العالم. وأنت ايضًا، بما أنَّك معي إبنٌ لله، لستَ من فكر العالم وروحِه. أنت تعيشُ في العالم، لكنَّك مواطنٌ سماوي يعمل ليُطَّعمَ أهل العالم بفكر الله. دعَوْتُكَ نورًا مثلي للعالم وملحًا وخميرةً لتنير الناس بالحق وتقَّدسَهم بالبر وتُخَّلِصَهم.

فإِن كنتَ مؤمنًا بي وتُحِبُّني فآسمَعْ كلامي، وَدَعْني أُصقلُكَ فأُرسلكَ لأُكَّملَ أنا بواسطتك رسالتي وأُخَّلِصَ العالم. العالم من حولك يتمَرَّغُ في طين الشر والفساد ويحترقُ بسبب تصَّرفاتِه السَّيِئة الخاطِئة فدَعْني أُنقِذُه من خلالِك. الناسُ من حولكَ يهلكون فدعني أُنيرُ دربَ الخلاص بمثالك. الشِّريرُ يُحاربُك ويُحاربُني من خلال بعض المؤمنين الفاترين فأعطني يدك لأرفعَ الصليب بوجهه وأقهرَه به. ليكن الصليب شعارَ حياتِك ، إضافةً الى رفعِه على صدرك، فهو يختصِرُ المحبَّة والقدرة والحكمة والغفران وضمانَ الحياة في الأمن والسلام.