أهلا وسهلا بالأخت رنا وليد
كتبت الأخت رنا تقول بأنها كلَّما قَدَّمت هديةً أو عطية راودتها فكرة ” عندما أُعطي أنا ، يُعطيني الله فيُعَّوضُ عنه. وفي الواقع : كلَّ ما أعطيتُ شيئًا أعطاني اللهُ مقابلَه شيئًا”. لكنها تحتارُ، وأحيانًا إلى حدّ الخوف، فسأَلَتْ : هل تفكيري خطَأ ؟. هل يُعتَبَرُ أنانيًا، ويتعارضُ مع التعاليم المسيحية ؟.
أَعطـُوا تُعْطـَوا !
نقَلَ مار لوقا تعليم المسيح بهذا الشكل، ويُضيفُ:” بالكيل الذي تكيلون يُكالُ لكم” (لو6: 38 ). ويُضيفُ عليه مار مرقس :”.. يُكالُ لكم، وتُـزادون” (مر4: 24). كما قال لوقا ” إِغفِروا يُغفَرُ لكم” مُعَّبرًا بذلك عن تعليم المسيح :” إنْ لم تغفروا للناس زَلاّتِهم لا يغفِرُ لكم أبوكم السماوي زلاّتِكم” (متى6: 15؛ 18: 35). وهذا يعني أن يسوع قد دعانا الى التشَّبُه بالله في سلوكنا. وقد أكَّدَ عليها مار بولس لأهل فيلبي :” تخَّلقوا بأخلاقِ المسيح” (في2: 5). أي أن نخرج عن ذاتنا البشرية لنمتلك الفكرَ الألهي وحُبَّه الشامل. ولا يترَّدَد ما ر بولس في التأكيد على أنَّ نحن المسيحيين ” لنا فكرُ المسيح ” (1كور2: 16). والله هو محبة. والمحبة هي عطاء. فنحن مدعوون إلى المحبة والعطاء. لأنَّ حياتنا نفسَها عطاءٌ من الله. ولأجل ديمومةِ الحياة وفَّر الله لنا كلَّ الخيرات. ولم يبخُل على أحد بعطاياه عندما إحتاج إليها وطلبها منه. وكلُّ ما نملكه هو خيرٌ مُعطًى لنا من الله. فما نملكُه ليس لنا بل هو مُلك الله:” للرَّبِ الأرضُ وكلُّ ما عليها، الدنيا والمقيمون بها ” (مز24: 1؛ أح25: 23). ما أعطاه الله هو لخيرالناس أجمعين. فيريدُ الله أن يتقاسمَ الناسُ الخيرات وهو كفيلٌ بألا ينقُصَ أحدًا شيءٌ. الله هو الذي يقيتُ كلَّ الكائنات، حتى النبات، ويهتَّمُ بألا ينقُصَها شيء. فكم بالأحرى يهتم بالأنسان. يقول الرب بأنَّ الأنسان أكرم وأفضل من النبات والطير والحيوان. إنه صورة الله. لذا يدعوه الله أن يعيش في الحق والمحبة، والرحمة والعدالة، مثل الله، فقال،: ” أُطلبوا أولا ملكوت الله و بِرَّه “، أما لحاجة العيش” فستُزادون الباقيَ كله ” (متى6: 25-34). من هذا المنطلق وهذا الأيمان يكون العطاء جزءًا من الحياة. وما نُنقِصُه بالعطاء يُعَّوضُه الله و يُزيدُه حتى لو لم نطلبَ منه. مع ذلك حسَنًا نفعلُ عندما نُصَّلي بعد كل وجبة طعام ونقول: ” الله يُزيدُهُ “!. ولهذا قال الرب : ” أَعطوا تُعطَوا “. وإذا كان لنا هذا الأيمان فنحن لا فقط لسنا أنانيين عندما نفَّكر بأنَّ الله يُعَّوِضُ لنا عمَّا إستهلكناهُ أو وَهبناه لغيرنا، و لا مخالفين لله { وهل يخطأ من يتشَّبه بالله ويتبعْ إرشادَه؟ }، بل طوبى لنا إذ لنا ثقةٌ بكلام الله. أمَّا إذا لم نُعطِ ولم نخسر فعن ماذا سيُعَّوضُنا الله؟. أو لماذا يُزيدُ في دخلنا إنْ كُّنا لا نوَّزع منه على المحتاجين؟. هولا يُقَّللُ من كفايتنا، ولكنه لا يبذرُ حيثُ لا ينمو ولا يُثمر. أمَّا من يستعملُ خيرات الله للبر فيُكافَأُ ويُزادُ خيرُه (متى25: 26-29).
مَجّانًا أخذتم فمجّانًا أَعطوا !
هكذا وَصَّى الرب (متى10: 8). ولهذا كان ترَّددُ السائلة الكريمة في محَّلِه. أي وإن كان إيماننا صحيحًا بأنَّ الرَّبَ يُعَّوضُ عمَّا نصرِفُه في سبيل الله لغيرنا، واجبًا أو إحسانًا و صَدقَةً، إلا أنَّ ذلك لا يعني أن نطمع في خيراتِ الله أكثر من حاجتنا. ولا نستعملَ وسائلَ الخير للأغتناء. لأنَّ الطمع ليس طلب الحاجة بل هو حُبُّ الغنى وزيادة الثروة على وجهٍ غير مستقيم. فلا نتَّصَدَّق على غيرنا أو نُكرمُه بما لنا، ونحن نريدُ في قرارة نفسِنا أن يُزيدَ اللهُ في خيرنا وليس في بالِنا في المقام الأول تقديمُ العون للمحتاج. هنا خطر الأنزلاق الى الطمع وآستعمال طرق الخير بنية سَّيئة. لا نُعطي المحتاج مثلا مبلغًا قليلا حتى نحصل من ورائه مبلغًا مُضاعَفًا. يُصبحُ الأمرُ عندئذ تجارةً لا فعل رحمةٍ، وضِدَّ المحَّبة، ولن يرضَ عنه الله. لذا لا نتوَقَّع أن يستجيب الله لرغبتنا بسبب سوءِ نيَّتنا. لأنَّ كلَّ أفعالِنا يجب أن تتم بنيةٍ مستقيمة وفكر صالح وقلبٍ نقِّيٍ و بريء. عندما كرَّمنا الله بخيراتِه لم ينوِ إستغلالَنا ولا إستعمَلَنا آلاتٍ ” مصرفية ” لزيادة كنزه هو. كلُّ ما فعله وأعطاه لنا فعله مَجَّانًا من دون رغبةٍ نفعية. كان دافعَه الوحيد حُبُّه العظيم ، الفائق كلَّ قياسٍ، ليجعلَ من الأنسان نموذجًا مُصَّمَمًا على الأصل الألهي. وهكذا فعندما يعطي الواحد شيئًا لمحتاج ينوي بذلك أنْ يرفع ذلك المحتاج الى مستواه هو الذي أنعمَ الله عليه خيرًا وافرًا. وبهذا الغعل يُكَّملُ وصّية الله ” أحبِبْ خير قريبِك كنفسِك”. فتكون المحَّبة الدافعَ الأول والأخير لفعل الرحمة أو التكريم الأجتماعي. فمن هذا القبيل ليس صحيحًا ما يفعله بعضُ المؤمنين، عندما يُقيمون أحيانًا إحتفالاً ويدعون بعضَ” الأصدقاء” الخَّاصين لا محَّبة ورغبة في مشاركتهم إفراحَهم بل طمَعًا بهداياهم. بالمقابل طلب الرب مساعدة من لا يقدر أن ينفعَك بشي (لو14: 13-14)، وآستجابة طلب المحتاج ضعفَ ما يطلب منك (متى 5 : 40-42).