الصـوم : بين الميلادِ والصعود !

أهلا وسهلا بالأخت ريتا غنـام

كتبت الأخت ريتا تقول :

  • هل يمكن أن يصومَ أحدٌ، أيّام الأربعاء والجمعة، أم ينتظرُ صعودَ يسوع الى السماء حتى يصوم ؟. وبررت سؤالَها بقولِها :
  • لقد أوصانا المسيح بألا نصوم ما دام العريسُ معنا. ويسوع هو عريسنا وهو معنا !. وأنهت سؤالَها :
  • وماذا { إذا لم نصُم الآن !} عن صوم العذراء وقد أوصتنا بـ ” الأربعاء والجمعـة “؟

لا تركنوا إلى كلِّ روح !

لقد عَّودتنا وسائل الأتصال الأجتماعي بأن تُطلعَ علينا كلَّ يوم بـ ” تقليعةٍ جديدة ” للأيهام و إغواء المؤمنين البسطاء. أسألُ بدوري قرّائي الكرماء :” هل المسيحُ عريسُنا وحاضرٌ معنا فقط في الفترة بين عيدَيْ الميلاد والصعودْ ؟. وهل يُغادِرنا بعد الصعود ويدعنا في مهَّب عاصفة الشَّر وتحتَ رحمة ابليس فنحتاجُ إلى التسَّلح ضِدَّه لنحميَ أنفسَنا من تجاربِه و فخاخِه ؟. وهل نحن نحمي أنفسنا بقوة ذراعِنا، أم نسألُ، بالصوم والصلاة والصدقة، المسيح الحاضر معنا أن يُنصِرَنا على دسائس الشّرير؟. أمْ ، أ لا نؤمن أنَّ المسيح حاضرٌ معنا في كلِّ يوم من عمرنا ؟. إن كُنّا لا نؤمن فكيف نفهم ونُفَّسر وصَّية المسيح الأخيرة :” هوذا أنا معكم طوال الدهر؟” (متى28: 20). أ لا نُفَّكرُ أنَّ من يزرعون أفكارًا مثلَ هذه هم أعداءُ المسيح ؟. بل يمكن. بل هو أكيد أنَّ ابليس يُعَرقلُ، بواسطة عملائِه، مسيرتنا الخلاصية فيُقَّللُ في أعيننا ممارسة بعض وسائل عيش إيماننا. يقول مار بطرس:” إنَّ ابليسَ خصمَكم كالأسدِ الزائر يرودُ في طلب فريسةٍ له ” (1بط5: 8). ويكتب مار بولس لتلميذه طيمثاوس :” يأتي يومٌ لا يحتملُ فيه الناس التعليم الصحيح، بل يتخذون طائفةً من المعَّلمين وفقَ شهواتِهم، لِما فيهم من حِكَّةٍ في آذانِهم، فيصُّمون مسامعَهم عن الحَّق ليُقبلوا على الخُرافات. أمَّا أنتَ فكن حَذِرًا ..”(2طيم4: 3-5). ويكتب لأهل كولسي فيُحَّذرُهم لئلا يخدعهم أحدٌ بكلامٍ مُمَّوَه، ويقول:” إيّاكم وأن يخلِبَكم أحدٌ بالفلسفةِ والكلام الفارغ القائم على سُنَّةِ الناس وأركان العالم، لا على المسيح” (كو2: 8). و كلُّ هذا التحذير ينقلُ ويُفَّسرُ تعليم المسيح الذي حَذَّرَ من تعاليم خاطئة يبُّثُها ” معلمون كذابون..يأتونكم بلباس الحملان وهم في الباطن ذئابٌ خاطفة “(متى7: 15؛ أع20: 29). إذًا لنحذر مما نسمعه من ” أَيٍّ كان”، ولنثق بتعليم الكنيسة.

العُرسُ والصوم !

تصَوَّرت القارئة الكريمة فترة ” ميلاد ـ صعود” عُرسًا لأننا نحتفل بميلاد المسيح وحضور الله معنا { عمانوئيل}. وفعلاً شَبَّهَ يسوع نفسُه زمن حضوره بالجسد بيننا بـ” عُرس” هو فيه العريسُ والأنسانيةُ المحتفية به. بشَّر الله الأنسانية يوم ميلاد المسيح بالفرح (لو2: 10). و الصوم علامة الحزن. فلم يكن لائقًا بمن عرفوا المسيح ورافقوه أن يحزنوا بل أن يفرحوا لأنّ خلاصَهم إقترب. كان الأولى بهم أن يتعرَّفوا بعمق على الجديد الذي أتى به وعلى سبُل عيشِه. كان الفريسيون قد شوَّهوا روح الشريعة وهدفها الأصيل وقدَّموها للناس بثوبٍ بالٍ. و جاء المسيح ليرفع عنها الغبار ويكشف الحقيقة كما أوحى بها الله. فلهذا لمَّا قال يسوع بأنَّ أهل العرس لا يصومون َأضافَ بأنَّ التعليم الجديد/” الخمرة الجديدة”/ يحتاجُ إلى ثوبٍ جديد/” زقاقٍ جديدة”. يحتاج إلى روحيةٍ جديدة، الى الأيمان قبل أعمال الشريعة، وأنَّ أفعال الأنسان يجب أن تنطلق من الأيمان فتشُّعَ حقيقة العلاقة بين الأنسان والله. فكان ضروريًا أن يتعَّلم الرسلُ ما هو جوهر الأيمان وكيف يُعاش حتى يصبح نورًا يُضيءُ في العالم و مِلحًا يُضفي طعمًا على الحياة اليومية. وإذا كان لهم هذا الأيمان فلا يحتاجون أن يُفرَضَ عليهم صومٌ بل سيدركون من أنفسِهم قيمتَه وضرورته، وسيمارسونه طوعًا لا كرهًا. يسوع أعطاهم المثل بأنه صام. ويسوع شَدَّد على قلة إيمان الرسل، وأوصاهم أن عندما يصومون لا يتظاهرون به. بل يكون الصوم نفسُه مبعثَ فرحٍ لا الحزن. فكانت فترة مرافقة الرسل للمسيح عُرسًا يفرحون بالخلاص الذي أتاهم ويتعلمون منه قدوَتِهم كيف يشهدون له بالتعليم و الآداب المسلكية. تلك الفترة إنتهت بموت المسيح وقيامته وصعوده. أما بعد صعود المسيح فلن يولد ثانية كلَّ سنةٍ ويموت حتى تنقسم السنة المسيحية إلى فترتين “العرس والحزن”. و من يدَّعي بها لن يكون سوى مُضَّللٍ، خادعٍ مَخدوع. السنة بكاملها، من بدئها الى ختامها، هي عرسٌ مع المسيح لأنه يحيا معنا، وفيها نصوم ونحن مسرورون و مرتاحون.

هذا الجنس لا يُطرَدُ إلا بالصوم والصلاة !

نقل لنا مرقس(9: 29) أن الشيطان يُقهرُ فقط ” بالصوم والصلاة”. ولم يقل يسوع ” فقط بعد صعودي”، بل في حضورِه بينهم لمَّا فشلوا في شفاء المصروع. ليس طرد الشيطان سِحرًا يُمارَس، بل هو أيمان وآتكال كلي على الله. وهذا يتطلب من المؤمن الموت عن الذات بالصوم والألتجاء الى الله بالصلاة ليحيَ فيه المسيح. والمسيح هو يطرد الأرواح الشريرة. فأصل الصوم وضرورته يعودان إلى تعليم المسيح، وإلى تنظيم الكنيسة. ليست مريم العذراء من وصَّت بصوم يومَي ” الأربعاء والجمعة ” بل الكنيسة كما يشهد على ذلك كتاب ” تعليم الرسل” من نهاية القرن الميلادي الأول: الجمعة تكريمًا لآلام المسيح، و الأربعاء تكفيرًا عن خيانة يهوذا وخيانات كل واحد منا بسلوك درب الخطيئة. وقد قَلَّصته الكنيسة ففرضته فقط ” يوم الجمعة” أسبوعيًا. وعندما يقع عيد أو تذكار يوم الجمعة فلا تفرض فيه الكنيسةُ الكلدانية صومًا. كما بإمكان المؤمن الذي أُضطُرَّالى كسرصوم الجمعة أن يُعَّوضَ عنه بيوم آخر. ورفعت الصوم بين القيامة والصعود فقط. أما الأصوامُ التي طلبتها مريم وأهمُّها ” صوم السبت”، لأول سبت من كل شهر مدة خمسة أشهر متتالية مع التوبة بالأعتراف والتناول في القداس، فهذه طلبتها مريم العذراء في فاتيما عند ظهوراتِها سنة 1917م. وهذا الصوم لا يُلغي ولا يُعَّوض عن أصوام الكنيسة في أيام الجُمَع. لقد دأبت الكنيسة أن تُعلن للمؤمنين أصوامها وكيفية أدائها. وأهم وسيلتين إستعملتها هي نشرها في كتاب خاص بشكل رسمي وتبليغها الى أبنائها بواسطة المجلات المحلية ولاسيما عن طريق تقويمها ” الطقسي” ، سنة بعد سنة. وأيضًا عن طريق تذكير المؤمنين بها في المواعظ والتوصيات خلال المراسيم الدينية قبل مواعيدها بأيام ليسهل على المؤمنين أن ينتبهوا إليها ويلتزموا بحفظها.

القس بـول ربــان