أهلا وسهلا بالأخت أنسـام يوسف
بين إختبار حُّبِ اللهِ العظيم للأنسان وشقاءِ هذا الأنسان رغم ذلك الحُّب إحتارت أنسام بماذا تؤمن وبمدى مسؤولية الله ، فكتبت تقول :
1- هل الله مسؤولٌ عن كلِّ ما يحدثُ لي من : ألم ، هموم، مشاكل وأمراض؟
2- إذا كان اللهُ يُحِّبُني لدرجة الفِداء فلمــاذا يسمحُ بأنْ أتـأَّلمَ ؟
3- هل الصلاة تُعَّبرُ، في هذه الأحوال، عن واقع الحال ؟
4- ما ذنبُ الأطفال المُصابينَ بالسرطان؟ هل الله هو المسؤولُ ؟
رأى الله أنَّ كلَّ ما صنعه حسَنٌ جِدًّا !
قبل كلِّ شيء يفرُضُ إيماننا بالله بأن نقبلَ ونفهمَ ثوابتَ الوجودِ والحياة. الذي هو بذاتِه ” الوجودُ” وأوجدَ كلَّ شيء ، أي أعطى الحياة لكل ما في الكون، هو ” الله “. هذا الله يقولُ عنه إيمانُنا أنه أعطى الوجودَ من ذاتِه. وكلُّ ما هو موجودٌ مُوَّجَّهٌ لخدمةِ من هو قمَّةُ ورأسُ كلِّ الكائنات. ورأسُ الكائنات هو ” الأنسان” لأنه لا فقط يشتركُ في وجود الله بل ويشبَهُه لأنه صورةٌ منه. إذ نالَ حياتَه لا من كلمةٍ منه ، كما يصنعُ المهندسُ السيارة أو أية آلةٍ، بل كنفخةٍ منه مثلَ طفلِ من والديه. ويقول الأيمان” ورأى اللهُ أنَّ كلَّ ما صنعَه حسَنٌ جِدًّا” (تك 1: 31). هذا يعني أنَّ اللهَ خلق الأنسانَ” كاملاً” لا عيبٌ فيه ولا نقص. ويقول الأيمان ايضًا أن اللهَ وضعه في جَنَّةٍ ، أي حالةِ راحةٍ وسعادة بلاهَمٍّ ولاغم، لا يمرضُ ولا يتعبُ ولا يتألمُ (تك2: 15-16). إذن لا يوجدُ خللٌ من جهةِ الله، لا في طبيعتِه ولا في فعلِه. لا يريدُ اللهُ أيَّ عيبٍ أو نقصٍ في الأنسان،لأنه جزءٌ منه. وكان الأنسانُ فِعلاً يتمتَّعُ بالعافية والراحةِ والفرح والأستقرار، وسيادةِ الكون دون أيّ إشكال.
تكون الأرضُ ملعونةٌ بسببكَ !
إذا أردنا أن نعرفَ مسؤولية سوءِ حالِ الأنسان لا نبحث عنه في الله، بل في الأنسان نفسِه. أرشدَ الله الأنسان الى حُسنِ التصَّرف ليُحافِظ على إمتيازِه. أن يسمعَ له، وله فقط لئلا يُخْدَعَ من غيرِه. لكن الأنسانَ تبطرنَ فتبَختَرَ فجَرَّبَ حظَّه في تجاهلِ وصيةِ الله. سقطَ الأنسانُ في حفرة الشهوة وأخطأ ولا فقط خسرَ إمتيازَه بل وأصابَ الخللُ الخلائقَ كلَّها، وذلك بسبب سوء تصَّرف الأنسان معها. فقَـدَ الأنسانُ راحتَه وسعادتَه فصار” يأكلُ خبزَه بعرق جبينِهِ”، لأنَّ الأرض تتعبُه و” تُنْبِتُ له شوكًا وعوسَجًا ” (تك3: 17-24). فدخل الألمُ وآزدادَ الهَّمُ وظهر المرضُ. وبسبب تعامل الناس مع بعضهم بشكل سَّيئٍ تضاعفت المشَّقاتُ والضيقات. هكذا أصبحَتْ خطيئةُ الأنسان هي سببُ كلِّ مآسيه. أصبح الأنسانُ بطبيعتِه مَيَّالا الى الشر. والشَّرُ ينقلبُ على صاحِبِه فيُؤذيه. و كلُّ فردٍ يصيبُه نصيبُه من مآسي الحياة الأجتماعية. و قد حَذَّرَ الربُ يسوع من أنَّ مآسي الحياة لا بُدَّ منها ، بسبب كثرة الناس وآختلاف طبائعهم و مصالحهم. وأدان من يُسَّببُ تلك المآسي بآتّباعِه طريق الشَّر (متى18: 7). لم يُبِدِ اللهُ الشّريرَ ولا يُفني الأشرار. لو فعل يفقُدُ الأنسانُ حريتَه وكرامتَه. وإذا فقد حريته لم يبقَ بعدُ صورةً حقيقية لله. وبالنتيجةِ لا يتصَّرفُ مثلَ الله ولا يرثُ خيراتِه. بعكسِ ذلك عكسَ اللهُ البِرَّ والخيرَ ودعا الناسَ الى الأنتصار على الشر والأشرار بفعل الخير:” لا تدعِ الشَّرَ يغلِبُك. بل إغلبِ الشَّرَ بالخير” (متى5: 38-42؛ رم12: 21).
والله أظهرَ محَبَّتَه لنا !
أمَّا عن إذا ما كان الله قد أحبَّنا، لمَّا كنا بعدُ في حالة الخطيئة (رم5: 8)، فقد أظهر الله فعلا أنه قد أحَبَّنا ” إذ أرسلَ إبنه كفّارَةً لخطايانا “(1يو4: 9-10). فلا شَكَّ في حُبِّه العظيم لنا (يو13: 1). ولكن هل حُبُّه العظيمُ لنا يُحَّتِمُ حمايتَه لنا من وجع وألم وضيق؟. نحن البشر نرفضُ الألم ، وفعلَ يسوع ذلك بآسمنا في بستان الزيتون فطلب من الآب أن يُجَنِّبَه، ونحنُ معه، شُربَ كأسِ الألم. لكنه لم يُصّر عليه فلم يتبعْ شهوته مثل آدمَ ولم يرفُضْ مشيئة الله ، بل إستسلمَ لمشيئة الله (متى26: 39)، وهي أن يشهدَ للحق أمام السلطة الدينية ، رؤساءِ الكهنةِ والقادةِ الروحيين (متى26: 63-64)، ثم أمام السلطة المدنية، بيلاطس (يو18: 37). الله لا يريدُ المرض للناس بل شفى مرضًى كثيرين. الله لا يريدُ أن نغتَمَّ كثيرًا وننشغلَ بهموم الدنيا بل يريدُنا أن نبنيَ مملكته على الأرض، بآتّباع الحق ونشرالحب والأخاء (متى6: 33 )، عن طريق الأقتداء بالمسيح.
لما أحبنا الله أظهر حُبَّه بأنه تجَرَّدَ عن حبِ ذاته وتنازل عن مجدِه وعرشِه وجاء فحملَ الصليب وماتَ دافعًا ثمن خطايانا حتى لا نموت نحن ونتعَذَّبَ للأبد (في2: 6-8). وإذا كُنّا نحن نحبُ الله ،أ فلسنا مُستَّعدين نحن أيضا أن نحملَ صلبان حياتنا تكفيرًا عن خطايانا ؟ إذا كان الله قد برهن لنا عن حبِّهِ بموتِه على الصليب فهل يكون كثيرًا أو نقصًا أن نتشَبَّه به فنتألمَ بسبب الصمود في الحق والسلوك في الروح لا في الجسد؟. يقول مار بولس إذا شئنا أن نشاركَ مجدَ قيامةِ يسوع وآنتصارَه على الشرّير وأعوانِه يجب أولا أن نشترك معه في آلامِه بحملِ صلبان الألم والوجع والظلم والأهانات (في3: 10-11). أ كثيرٌ أو نافلٌ علينا أن نشترك في آلام المسيح؟. بينما يُحَّرضُنا بولس الى التخَّلقِ بأخلاق المسيح (في2: 5). و يؤّكدُ بأنَّ ما نقاسيه من ألم وضيق في هذه الحياة ” لا يُقاسُ بالمجد الذي سيتجَّلى فينا مقابل ذلك” (رم8: 18). لقد إكتسبَ الألمُ في تعليمِ المسيح وشهادةِ سيرتِه قيمَةً تطهيريةً وفدائية. لا أعني الألمَ المفروضَ علينا والمرفوضَ من قِبلنا بل الألمَ الناتجَ عن عدم مقاومة الشر بشر، وعن رفض الأنجراف وراء السوء، أو عن أداء شهادةٍ للمسيح وللبر. يقول مار بطرس : ” أيُّها الأخوة لا تتعجبُّوا مما يُصيبُكم من محنةٍ تصهُرُكم بنارها لآمتحانكم، كأنه شيءٌ غريبٌ يحدثُ لكم ، بل إفرحوا بمقدارِ ما تشاركون المسيح في آلامِهِ ، حتى إذا تجَّلى مجدُه فرحتُم مُهَّللين ” (1بط4: 12-13). هكذا يأخذ الألم في الأيمان المسيحي بُعدًا عميقًا وقوَّة خارقة. الناس يُبرهنون عن قوتهم بالعنف وعن حكمتهم بالحيلة. أما الله فبرهن عن حكمته العظيمة بالحب وعن قوته بالصليب إذ تحَّملَ الألم القاسي بدلاً من البشر الذين يُحّبُهم وكسرَ رأس ابليس عدو الحق والبر بالثبات فيهما حتى الموت بسببهما (1كور1: 18-25). فألمُنا يُقاسُ بمدى حُّبنا لله و للقريب وثباتِنا في الحق. وهذا هو مُبَّررُ الله عندما يسمحُ أن يُصيبَنا ضيقٌ أو سوءٌ حتى نُبرهن عن نقاوةِ إيماننا وقوة محبتنا له وثقتِنا به وآلتزامِنا بوصيته رغم قساوة الظروف. يُعطينا الله فرصةً لنغلبَ جهادَنا ضدَّ الشرير بحمل صليبنا. وقد أكَّد يسوع أنَّ هذا هو سبيلنا في الحياة، وبهذا نبَّين أننا نحبه، عندما قال :” من أراد أن يكون لي تلميذًا يكفر بنفسِه، و يحمل صليبه و يتبعُني (متى16: 24). و أضاف :” ومن لا يحملْ صليبَه ويتبعْني لا يقدرْ أن يكون لي تلميذا” (لو14: 27). فلأنَّ اللهَ يُحبنا ويريدُ أن نكون جديرين بحبه ومجدِه يسمحُ أن تنتابَنا الصعوباتُ والآلامُ حتى ننَّقي بها دربَنا الى السماء.
صَلوا كلَّ حين ولا تمَّلوا !
إنه من الطبيعي أن نصَّلي عندما تنتابُنا المشَّقات والأوجاع، إن لم يكن للتخَّلص منها فأقلَّه للتغلُّبِ عليها بالصمود في الحق والقدرة على حمل الصليب الذي هو طريقُ المجد. إننا ضُعفاءُ وقد لا نقوى دومًا، لوحدنا، على مجابهةِ التجارب والآلام. أما بقوة الله فنقوى على كل شيء (في4: 13). إنما نحاول أن نجعلَ صلاتَنا في يدي الله فيتصرفُ هو كما يراه أفضل لنا ونقبل النتيجة بإيمان مثل يسوع فنقول :” لتكن مشيئتك لا مشيئتي”. لأنَّ الصلاة هي أصلا شَّدُ العلاقةِ بيننا وبين الله. وعندما نكون بآتصال معه فلا بُدَّ وأننا نتجَنَّبَ أخطاءَ كثيرةً منها سوءُ التصَّرف.
وما ذنبُ الطفل يمرض بالسرطان ؟
صادفَ يسوعُ وتلاميذُه يومًا رجلا أعمى منذ مولده. ومثل كلِ اليهودِ إعتقدَ التلاميذُ أن الأصابةَ بالعمى هي بلا شك سببُ خطيئةِ الرجل أو والديه. فسألوا يسوع عن ذلك. وكان جوابُه بسيطًا جدًّا :” لا هو أخطأ ولا أبواه. بل” ليظهرَ فيه عملُ قدرةِ الله ” (يو9: 3). لا ذنب للطفل، ولا لأيِّ إنسان آخر، بأن يُصابَ بأيّ مرض. ولا يريدُ الله مُطلقًا أن يمرضَ وإلا لما شفى يسوع المئات منهم، إن لم يكن الآلاف!. الأمراضُ مثل المظالمِ والأوجاع هي ثمرُ خطيئة الأنسان كما نوَّهنا أعلاه. الطبيعة تشَّوهت وآنجرحت فتزورها المصائبُ بسبب سوءِ عمل الأجهزة البيولوجية أو لسوء تصرف البشر على بعضهم البعض. يقدر الأنسان المصابُ أن يستعيدَ عافيته بقدرة الله أوالعلاجات الطبية ، والعقل نعمة وطاقة أخرى زوَّدَ الله بها الأنسان لخدمته. أو لتكون علامةً لمصيبةِ الأنسان فـيحاولُ أن يتغلبَّ عليها بحمل الصليب بإيمان والمشاركةِ في آلام المسيح.
كانت في الأجيال المسيحيةِ الأولى مُغَنّيةٌ وثنية مصابةٌ بالشلل من طفولتها ترتزق من موهبتها. لكنها لم تسعد بما كانت مهنتها تدُّرُ عليها من مال. كانت تتألم جدًّا لرؤيتها الشابات يتمشين ويتغنَّجن ويقفزن ويمرحن كالغزال. لم ينفعها أي علاج. سمعت بيسوع وأنه يشفي المرضى. سألت عنه وتتبعت أخبارَه إلى أنْ تعَّرفت على تلاميذ ليسوع. إبتهجت جدا لأن بارقة أمل دخلت حياتَها. وأفلحت في لقاء أحد منهم. وسألت بشغف ولهفة عن طريقة الأتصال بيسوع ليشفيها. ولما عرفت ان يسوع قد مات من قرون حزنت. لكنها أحَّبت أن تعرفَ قصَّته. ولما علمت بتفاصيل حياةِ يسوع وتعاليمِه أحَّبت شخصَه وتعَّلقت بحُّبِه. طلبت العماد. ويوم عمادها طلبت من يسوع، أ تعلمون ماذا؟. تتصورون الشفاء من عوَقِها. كلا. قالت له:” أشكرك على حبك العظيم إذ أعطيتني أن أتشَّبَه بك وأتحمَّلَ الألم. لا أريد بعد أن تشفيَني. أطلب فقط ألا تحرمني من مشاركة حياتك في السماء، وأن تساعدني حتى أبَّشرَ بك بالترنيم وبحمل الصليب”. وظلت طوال حياتها مقعَدةً تُنشدُ بفرح أخبار يسوع وتَهدي النفوسَ إليه. عندما نمرض أو يمرض قريبٌ لنا لا نقلقْ ولا نضطربْ، ولا نتشَّكَ أو نتذَّمرْ. بل بهدوء نعالج الموقف بالألتجاء أولا الى الأطباء لأنهم يُعالجون ما للجسد. وعلاجهم هو بذاته نعمة خاصة من الله. وأيضا الألتجاء الى الصلاة ، ولا سيما في الحالات الحرجة الى قبول سِـرِّ المسحةِ بالدهن المُكَّرس لشفاء المرضى. إنَّ أحد الأسرار السبعة التي أسسها المسيح لخدمة الأنسان هو سر مسحةِ المرضى الذي يتكلم عنه يعقوب الرسول في رسالته (5: 13-16). وإذا لم يُشفَ المريضُ، طفلاً كان أو شيخًا، فلا داعي الى الحزن أو فقدان الأيمان وكأنَّ الله ظالمٌ ،أو كأنه موظف عندنا يجب أن يُلَّبيَ كلَّ مطاليبِنا. أولاً يعرفُ اللهُ أحسنَ منا خيرَ كلِّ إنسان. وثانيا ربما يكون موتُ المريض أفضل من شفائِه. وثالثًا هي الحياة نعمة من الله نقبلها بحلوها ومرها، بقصرها الزمني أو طولها. خلاصُ الأنسان ليس بطول العمر، ولا سعادته بعد الألم. فالموت ليس قصاصًا بل أحيانا نعمةً كبيرة. لنتعلم أن نكون شاكرين و حامدين الله في السَّراء والضراء.
هل الله مسؤولٌ عن كلِّ شيء ؟
طبعًا لا. الله يسمحُ للأنسان أن يتصَّرفَ بحريتِه. لا يُلزمُه بشيءٍ ولا يمنعه عن شيء. الله أبٌ وفَرَّ للأنسان كلَّ ما يحتاجُه في الحياة وأرشدَه الى سواءِ السبيل حتى لا يظلَّ الطريق ولا ينقُصًه شيء. ويبقى الأنسان حُرًّا أن يسمعَ كلامَ الله أو يرفُضَه. كما يحترمُ الله كرامة الأنسان ولا يَحرِمُه حُرّيتَه في اختيارِ حياتِه كذلك يحترم الله النظام الكوني ولا يتدخل في إيقافِه إلا إذا رأى الله في ذلك نفعًا لخلاص الأنسان. فالأنسان يتفاعل مع الطبيعة ومع جميع الكائنات فيفلح أحيانا ويفشل أخرى. ونتيجة هذا التفاعل تحدثُ الأمراضُ والهموم والمشاكل والآلام. إذا شاءَ الله فهو” قادرٌعلى كلِّ شيء” ليوقف نظامَ الكون أو يصُّدَ سوءَ البشر. ولكن لن يتم ذلك ضد المخطط الألهي لمسيرة الكون. ولن تخدَعَ اللهَ آراءُ البشرأو حتى صلواتُهم بقدر ما يسهرُ على تحقيق مشروعِه ، والذي يطلب من الأنسان أن يشترك فيه ويتجاوب معه لا أن يُعارضه ويسبب لنفسه الحزن والضيق. وإذا لم يُصادفِ الأنسانُ مرضًا أو ضيقا أو فقرًا أو غربةً أو خطرًا فكيف يمارس المحبة والرحمة والصدقة ، أو يعيش الفرح و الراحة ؟. البشرية حديقة فيها أنواع الورود كالأشواك ، وأنواع الأثمار كالحشرات. الكمال لا يتحقق على الأرض بل يُبنى ويبلغُ حَـدَّه في السماء.