درب الصليـب في جـمعــة الآلام !

أهلا وسهلا بالأخت جوليت شمعون داود

كتبت الأخت جوليت عن الجمعة العظيمة تقول :” لماذا لا نعمل مثل إيطاليا 14 مرحلة درب الصليب ؟. نحن نتصَّرف بالمقلوب ، ونعمل كل جمعة درب الصليب الذي ليس له داعٍ. المفروض أن نعملَه في الجمعة العظيمة !. ما رأيُكَ في الموضوع ” ؟.

مثل إيطاليا !!

ليست إيطاليا من تُقيمُ دربَ الصليب، يوم الجمعة العظيمة، في روما بل ” البابا” رئيسُ الكنيسة الجامعة وبآسمها. وهو وحدَه في العالم يقومُ بهذه الرياضة الروحية، وليست الكنيسة اللاتينية. أما كنيسة إيطاليا اللاتينية، وكل الكنائس الكاثوليكية في العالم، فتتأملُ آلامَ المسيح ،وتلك هي الرياضة، خلال فترة الصيام إستعدادًا للقيامة. والأستعدادُ يتم بالتوبة عن الشر أو الخطيئة التي إستعبدتنا في أجسادنا. وآلام المسيح تذّكرنا براءَته من الخطيئة وقبولَه العذاب تكفيرًا عن خطايانا نحن البشر. فنصوم ونتأمل في آلام المسيح ونتحَّملُ إماتة أجسادنا كما قال الرسول :” إذا حييتم حياة الجسد تموتون. أما إذا أمَتُّم بالروح أعمال الجسد فستحيون” (رم8: 13). فهذه العبادة الروحية ترتقي الى القرون الوسطى مارسها القديس فرنسيس الأسيزي ثم آنتشرت وتطورت على أيدي قديسين آخرين مثل القديس ألفونس دى ليغوري وغيرُه. أما طقوسُ الصلاة الفرضية لجمعة الآلام فسبقت ذلك بقرون طويلة، ولم تُغَّير رغم تطورها عبر الزمن. فرياضة درب الصليب ليست إذن ” صلاة فرضية ” تُرفعُ بآسم الكنيسة جمعاء، بل هي ” عبادةٌ تقوية” تمارسُها الكنائس المحَّلية لتغذية إيمان المؤمنين و تقوية مقاومتهم للخطيئة. أما في جمعة الآلام فتحاولُ الكنيسة أن ترفع المؤمنين الى مرتبة وحالة عيش الآلام بالموت مع المسيح ،والأنتصار على الذات وعلى الشرير بالخضوع لمشيئة الله والعيش له بالقيامة بعده مع المسيح لحياةٍ روحية جديدة.

نعمل بالمقلوب !

ما هو المقلوب؟. لم يأمر المسيح بإقامة شعائر مُعَّينة حتى يكون عكسُها مخالفة تُعاب. هي الكنيسة التي نظَّمت وتنَّظم الطقوس الدينية والعبادات التقوية. فيمكن للرئاسة الكنيسة أن تُغَّيرَ كما تقترحين. وربما يحتاج المؤمن أن يُدركَ ممارساتِه الدينية بعمق ويتفاعل معها فيُغَّيرَ هو رأيَه ويتفاعل مع المقترَح عليه أو المطلوبِ منه فيُقَّدسَ على ضوئِه حياتَه. يوم جمعة الآلام نتأمل عادة في ثمار ونتائج آلام المسيح الخلاصية، من زاوية إنتصار يسوع على الشر، وتحريره للأنسان من سيطرة الشرير سيِّد العالم، وعودة الأنسان الى صداقةِ الله والى بُنُوَّتِه. بينما درب صليب الصوم كان يحُّثنا على التوبة والأهتداءِ الى الله. ليس للصلاة أو العبادة التقوية رأسٌ ورجلين حتى نكون قد قلبنا الموازين. في جمعة الآلام نشكرُ المسيح على فدائِه لنا، ولا نبكي عليه بل “نبكي على أنفسنا” ونذرف دمع التوبة من جهتنا ، ودمع الفرح والشكر للرب من جهةٍ ثانية لأنه أحَّبنا إلى الغاية ولم يسمح أن نهلك. قبِلَ أن يموت هو لنحيا نحن، فنقبل أن نموت ويحيا ويملك الحَّقُ الذي كشفه لنا المسيح. إحدى صلوات الطقس الكلداني تقول :” أعطِنا يا رب أن <{ نُـعَّـيِدَ أَلـمَك }>”. في جمعة الآلام نكون قد عبرنا مرحلة الندم والأهتداء الى مرحلة مقاسمةِ آلام المسيح ، فنُصلَبَ ونقوم معه للحياة الألهية الجديدة التي نالها لنا بالصلب والموت والقيامة. ومن المفروض أن تتحَّقق هذه من أجل إستعدادنا أثناء الصوم بممارسة درب الصليب. تلك المرحلة هيَّأتنا وسَهَّلت بلوغنا الى هذه مرحلة مقاسمة الحياة مع المسيح.

درب صليب البابا !

كما نوَّهتُ أعلاه إنَّ ما يفعله البابا هو بآسم المسيحية كلها. في ذلك اليوم أنظار العالم كله متجِّهةٌ ومرَّكزَةٌ على محطة الفاتيكان لتبُثَّ المراسيم التي ليست بالحقيقة تأمُلا في ما حدثَ ليسوع بل في ما يحدثُ اليوم للأنسان المُعاصر ويَشُّدُ المتألمين والمظلومين والمنبوذين و كلَّ المبتلين بمأساةٍ من مآسي البشرية الى المسيح ليغسل له دموعَه ويُداويَ جروحَه ويجبرَ كسورَه. مثلَ لص اليمين يعترف أمام المسيح بخطايا البشرية ونكرانهم جميل الله ويطلبُ منه الرحمة والرأفة ليتخَلَّصَ العالم من بلاياه التي لم تعُدْ تُحصى أو تُحصر. يدعونا الى أن نتحَّد بالصلاة معه ونتَّحدَ مع المسيح بحمل صلبان الحياة فنتسَّلى ونتشَجَّع في مقاومة الشر الذي قصدناه في دروب الصليب الخّاصة بكل جماعة مؤمنة.

فأنا برأيي المتواضع أتصَوَّرُ أنَّ ما يجري حاليًا هو عين الصواب بل نافعٌ جدًّا لبناءِ حياتنا الروحية مع الله. نختلي في كنائسنا أثناء الصوم ونتأمل شَرَّ الأنسان الذي قاد الى مأساة الصلب، ونكتشفُ حصَّة كلِ واحدٍ منا الفردية منها ونتوبَ عنها، ثمَّ في الأخير نتَّحد مع قائدنا الأرضي الذي يسيرُ بنا كلَّنا معا نحو المسيح ليرفعنا بدوره من صلبان الآلام الى فرح الخلاص الأبدي. إنه لعزاءٌ كبير للمؤمنين أن يتحَرَّروا من العزلة القاتلة التي تفرُضُها ظروفُ الحياة الزمنية الأجتماعية، ليشعروا بالمقابل بوحدة العائلة البشرية في المسيح، أقله بما يخُصُّ المؤمنين بيسوع، فيرفعوا معا من أقطارالعالم الأربعة صلاة الأستغفاروالشكر و الحمد. فلو إلتهت كلُّ جماعةٍ كنسية محلية بمراسيمها الخاصّة يفقد المؤمنون طعم الوحدة في الأيمان والعبادة. ولو أبطلنا درب صليب الصوم كيف نستعِّدُ لمقاسمة حياة المسيح في آلامه ثم مجدِه؟. وإذا لم نستعد فمن يضمن لنا رفقة يسوع في الجمعة العظيمة والقيامة؟.

القس بـول ربــان