أهلا وسهلا بالأخ رمزي زهير أومي
تساءَل الأخ رمزي عن مصير أنبياء العهد القديم فكتب :
@ هل مكان أنبياءِ العهد القديم، بعدَ موتهم، هو الملكوت أم أينَ ؟
@@ هل كانوا في مكان آخر غير الملكوت ؟
الملكوتُ في داخلكم !
إنَّ الأنسان محدودٌ بالمكان والزمان. ومثله كل الكائنات. وكذا تعابيره اللغوية تنحصرُ في هذا نطاق الحواس. إنها الأبعادُ المادية التي تُؤَّطرُ الحياة الجسدية الزمنية. أما المصطلحات مثل الملكوت والجحيم والموت والسعادة وغيرها كثيرة فكرية فهي روحية مختلفة لا تخضع للمقاييس الزمنية. نحن هنا نسكن في بيوت مادية محدودة أما بعد الموت فلن نحافظ على جسدنا المادي، بل نحيا حياة روحية مثل الله. لأننا نكون أرواحًا صورة الله الحقة. سوف لن نسكن في بيوت محددة الشكل والأطراف. ولن يكون لنا ليل ولا نهار. بل نحيا كما يحيا الله. سيزول المكان والزمان ” لأنَّ الله القدير والحمل هما هيكلُ الملكوت وفيه يُستغنى عن ضياءِ الشمس والقمر لأنَّ مجدَ الله يُضيئُه، والحمل يقوم مقام مشعَلِهِ” (رؤ21: 22-23).
سأل الفريسيون يوما يسوع :” متى يأتي الملكوت؟. أجابَهم: إنَّ مجيءَ ملكوتِ الله لا يُستَدَّلُ عليه بشيء. ولا يُقال: ها هوذا هنا، أوها هوذا هناك. إنَّ ملكوت الله هو فيكم” (لو17: 20-21). كيف يكون الملكوت في الأنسان إنْ كان مكانًا، بناءًا أو حقلًا أو..؟. فالملكوت إذن تعبيرٌ لحالة روحية وحياةٍ مريحة بعكس الحالة الشقية التعيسة، وليس مُحَدَّدًا بـ”مكان” مُعَّيَن كما تُعَّبرعنه ألفاظنا ومُسطلحاتنا. وكذلك يقول عنه مار بولس بأنْ ” ليسَ ملكوتُ الله أكلاً أو شُربًا، بل بِرٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الروح القدس”(رم14: 17).
ترون جميع الأنبياء في ملكوتِ الله !
مات الناس من آدم ولا يزالون يموتون. وبما أنَّ الناس يتمَّيزون عن بعضِهم بسيرتم هكذا سيتميزون عن بعضهم ويفترقون في مصيرهم الأبدي. قال الرب :” متى جاءَ ابنُ الأنسان في مجده..يفرزُ الشعوبَ بعضهم عن بعضٍ مثلما يفرز الراعي الخرافَ عن الجداء..فيذهبُ الأشرارُ الى العذاب الأبدي والصالحون الى الحياة الأبدية “(متى25: 31-46). والأنبياء يُعتبرون من الصالحين الذين إستخدمهم الله لأبلاغ وحيِه ومشيئتِه الى البشرية. والرب أكَّدَ بأنَّ رُوَّادَ الملكوت الجدد سيرون من سبقهم إليه ومنهم ” ابراهيم واسحق ويعقوب والأنبياء كُلَّهم في ملكوت الله”(لو13: 28). والكلام ليسوع وما بعد موتِه وقيامتِه. فالأنبياء إذن هم حاليُا في ملكوت الله. وأكيدًا لم يكونوا قبلها في جهنم من حيث لا يستطيعُ أحدٌ الخروجَ و الذهاب الى الملكوت (لو16: 26). بل سبقَ يسوع وأكَّد يوم تجَّليه بأنَّ الأنبياء، ايليا وموسى اللذين ظهرا الى جانبِه، يتمتعون بالمجد من قبل موتِه (مر9: 4). لو لم يكونا كذلك لما شاركا مجدَ يسوع الألهي !.
الجالسون في ظلمة الموت أشرق عليهم نورٌ ! متى4: 16
ولكن ماذا يعني ” كان الأنبياء في المجد”؟، ونحن نعلم أن جنة الله أُغلقت في وجه الأنسان ، لما أخطأ، ولم يكن بوسعه أن يشترك في حياة الله قبل تمزيق صَّكِ الخطيئة بالصليب؟. في الكتاب نصوصٌ أخرى يمكن أن تساعدنا. يكتب مار بطرس:” مات يسوع في الجسد، ولكن اللهَ أحياهُ في الروح، فآنطلقَ بهذا الروح يُبَّشرُالأرواحَ السجينة التي تمَّرَدت فيما مضى حين تمَّهَلَ صبرُ الله..” (1بط3: 19-20). إذن كما قالَ يسوع للص اليمين ” اليوم تكون معي في الفردوس”(لو23: 43)، موت المسيح وقيامته فتحت باب مشاركة الناس الأبرار مجد حياة الله. وهذا يؤكده متى في كلامه عن موت المسيح وما حدثَ بعدها، فقال:” تزلزلتِ الأرضُ ، وتشَّققتِ الصخورُ، وآنفتحتِ القبورُ، فقامت أجسادُ كثير من القديسين الراقدين. وبعد قيامةِ يسوع خرجوا من القبور ودخلوا المدينة المقدسة ..”(متى27: 51-53). وقد تنبَّأَ إشعيا عن البشرية الجالسة في ظلام الخطيئة والتي تُخَّيمُ عليها ظلال الهلاك قد أشرق عليها نورالحياة والخلاص (اش9: 1).
كانت الأنسانية تعاني من نتائج الخطيئة، فلم يستطيعوا ” دخولَ دارِ راحةِ الله “(عب 4: 7). لكن وعد الله لن يبطل. لذا ظلَّ وعده قائمًا وتحَققَّ على يد المسيح. لكن عدالة الله مَيَّزتْ من الأول الأخيار عن الأشرار وأبت أن يهلكوا معا وأنجدَت الصالحين. ولكن، كما قال مار بطرس ومار متى، كان وضعُ الأبرار كأنهم في قبر أو سجن بالنظر الى مجد ملكوت الله. إنما لا يبدو أنهم كانوا يتألمون. ولو لم يكن وضعهم مجيدًا نوعا ما لما إستطاعَ ايليا وموسى أن يقفا جنبَ يسوع وهو يتجلى في مجدِه الألهي الأزلي. وبما أنَّ ملكوت الله ليس محددًا في مكان ما بل هو حاضرٌ في كل مكان، ما دام هو حالة، لذا كان ممكنا أن يكون الأنبياءُ في ملكوتِ الله ، في حالةِ السعادة والراحة، دون أن يشاركوه مجدَه “وجهًا لوجه” (1كور13: 12)، كما هي الحالة بعدَ قيامةِ يسوع. كانوا قد ماتوا، ولم يهلكوا، لكنهم لم يكونوا بعد قد قاموا لأنَّ المسيح لم يكن بعد قد مات وقام. وللمسيح الأولوية في مشاركة مجد الله وجهًا لوجه لأنه بكرُ الأموات والقيامة ؛ و” كما يموت كل الناس في آدم كذلك سيحيون في المسيح، ولكلِّ واحدٍ رتبتُه: فالمسيحُ أولا لأنه البكرُ، ومن بعده الذين يكونون خاصّة المسيح ” (1كور15: 20-23)؛ لأنَّ يسوعَ ” رأسُ الجسد، أى رأس الكنيسة، وهو البدءُ وبكرُ من قام من بين الأموات، لتكون له الأولية في كلِّ شيء “(كو1: 18).
إذن كان أنبياءُ العهدِ القديم يحيون في ملكوتِ الله دون أن يشتركوا في مجده وراحتِه وجهًا لوجهًا كما هو حالُهم الآن بعد قيامة المسيح.