لغَــةُ يسـوع ولغَتُــنا نحن الكلدان !

أهلا وسهلا بالأخ العزيز لؤي صليوا بـتو

أرسل الأخ لؤي أسئلة حول لغة الحديث ليسوع وللشعب الكلداني ، وســأل :

بأي لغةٍ تكلم يسوعُ المسيح ؟

نحن الكلدان ما هي لغـتُـنا ؟ هل هي: الآرامية ، أم السورث، أم اللغة السُريانية ، أم لغــة ً محكــية أخرى ؟

لماذا يُطلقُ علينا ” الناطقين بالسريانية ” ؟ هل السريانية هي الأصل ؟.

لغــة المســيح 

لا شَّكَ أنَّ يسوع تحدَّثَ باللغةِ التي كانت سائدة بين الشعب اليهودي. ذكر الأنجيل مفردات من لغة الشعب المستعملة، الدارجة او اللهجة المحكية، التي تساعدنا على معرفة اللغة التي كان اليهود يستعملونها عفويًا على عهد يسوع. فمثلاً “ربوني” ومعناها ” يا معلم”(يو20: 16؛ مر10: 51) هي عبرية كما صرَّح الأنجيل نفسه. بينما كلمة “رابي” وتعني ايضا “يا معلم ” ، و” كيبا أو كيفا ” وتعني” صخرًا”(يو1: 38 و42)، وكلمة “إتْـفتحْ ܐܸܬܼܦܲܬܼܚܝ” و تعني” إنفتحْ”(مر7: 34)، وكلمة “طـْليثا قُومْ ܛܠܝܼܬܼܵܐ ܩܘܼܡܝ” ومعناها “يا صبية قومي” (مر5: 41) هي كلدانية أو السورث المستعمل خاصة في العراق بين المسيحيين عامة و لاسيما الذين يُسَّمون أنفسهم بـ ” الكلدان”. يبدو لقاريءِ الأنجيل أنَّ اللغة أو اللهجة الشعبية المحكية كانت أقرب الى اللهجة المعروفة بالكلدانية مما الى اللغة العبرية. وكما “السورث” هو للكلدانية هكذا اللهجة المحكية في فلسطين كانت للعبرية.

ويذكرُ التأريخ أيضا بأنَّ الشعبَ اليهودي كان يتكلم العبرية المسَّماة عفويا باليهودية، لأنَّ اللغة تُنسبُ الى الشعب الذي يتحدثُ بها تماما مثل الكلدانية، لكن بعضًا منه كان يفهمُ ” الآرامية ” حتى طلب ألياقيم بن حلقيا، رئيس وفد الملك اليهودي حزقيا، من معاون رئيس أركان ملك آشور المحاصر لأورشليم والذي تحدثَّ الى الوفد بالعبرية/اليهودية، أن يحدَّثهم بالآرامية كي لا يفهم حراس السور و لا يصيب الهلعُ الشعب (2مل18: 26). وما دام اللغة الآ رامية هي أصل اللغات العبرية والكلدانية والعربية ، فيمكن القول بأن لغة يسوع كانت لهجة من لهجات الآرامية العديدة.

لغــة الـكلــدان !

نوَّهنا أعلاه بأنَّ اللغة تأخذ اسمها من الشعب الذي يتحدثُ بها. وكذلك الشعوبُ تأخذ إسمها وتُعرفُ بالبقعة الجغرافية التي تعيش عليها. فاللغة سُّميتْ بالكلدانية نسبة الى الشعب الذي إستعملها وهم “كلدان” جنوب وادي بين النهرين. فالمنطقة الممتدة من شمال بغداد والى البصرة معروفة بـ ” كلدو”. ولهذا سُّمي ابراهيم كلدانيًا لأنه كان يعيش في أور إحدى مدن كلدو الشهيرة. وقد آشتهرت المنطقة بعلماء الفلك وسُّموا بـ”الكلدان”. والعاصمة بابل كانت عاصمة الشعب الكلداني، ثم تغَّلبَ بعده اسم ” الدولة البابلية” بسبب شهرة مدينة بابل. إذن اللغة الكلدانية ما هي أصلية أُمًّا لفروع أخرى. بل هي فرعٌ من اللغة “الآرامية” المنسوبة الى آرام ابن سام ابن نوح. فنقدر أن نقول إذن بأن لغتنا الكلدانية هي فرع أو لهجة من اللغة الآرامية.

أما ” السورث” فيمكن القول بأنها اللغة المحكية التي تختلف ، كما في كل اللغات، عن اللغة الفصحى المكتوبة. وكانت الآرامية لغة الدبلوماسية والدواوين وآختلفت عنها اللغة المحكية في البيوت والسوق.

أما ” السُريانية” فهي لفظة أطلقت على اللغة الآرامية المحكية في وادي بين النهرين القادمة من المنطقة ” السورية” والشعب الناطق بها وهم “السُرْيان” المعروفين باللغات الغربية بـ ” Syriaques ” وأدبُهم بـ ” Litterature syriaque ” وليس “السِريان” المعروفين بـ ” Syrians “. فلفظة السُريان واللغة السُريانية تشمل السريان والكلدان والموارنة وحتى الروم الذين استعملوا السُريانية في طقوسهم الى حوالي قبل مائتين وخمسين سنة ثم غيّروها الى اليونانية والعربية.

النـاطقــين بالسريانية !

إنها عبارةٌ تعني الذين يستعملون هذه اللغة الآرامية من أيِّ قـوم ٍ أو أُمَّـةٍ كانوا. ولكنها أُطلقت في العقود الأخيرة ، وخاصّة ً في بلدان الشرق الأوسط ، لتضليل من بيدهم مقاليد السياسة والقيادة لاسيما الدولية ولمحو هوية الشعوب الأصيلة الساكنة في منطقة الشرق الأوسط وللترويج لقومية واحدة هي العربية. لا توجد دول مستقلة تتحدث بالسريانية حتى تحمي أبناءَها. لقد تقَّطعت وتوزعت الأقوام الناطقة بالسريانية في دول حكمتها فئاتٌ غازية أقلية. و بقدرة قادر وبسياسات التكاثر من جهة، ومضايقة السريان من أخرى بشتى السبل ، إضطرتهم إما الى الهجرة أوالأستشهاد أو تغييرالدين والقومية و أصبحت تلك الفئات هي صاحبة الأرض والسلطان والحق. ومع مرور الزمن سيطروا لا فقط على كل مرافق الحياة الأجتماعية والفكرية والقيادية بل وصاروا الأكثرية ، يحاولون طمس الحقيقة التأريخية و رفض الهوية الخاصة المختلفة داعين للأندماج بالهوية الواحدة الحاكمة. كان زمن التعريب وتصهير القوميات في بوتقة واحدة!.

فالسُريانية إذن ليس تسمية ًأصلية للغة الآرامية بل هي إشارة الى عرين اللغة الآرامية، التي هي الأصلية ، أو المنطقة الجغرافية التي منها إنحدرت نحو جنوب بين النهرين.

للمزيد من التفاصيل العلمية أدعو السائل والقراء الكرام الى مطالعة الكتب المختصة بالمادة مثل : أدب اللغة الآرامية ، للأب البير أبونا، و كلدو وآثور، للمطران أدي شير، وتأريخ الشعوب لآبن العبري، وغيرها كثيرة.

القس بـول ربــان