أما ذلك اليوم …فلا يعلمُه ولا الأبن !

أهلا وسهلا بالأخ ريبوار ايليا داود

تحَّدثَ الأخ ريبوار عن مر13: 32 الذي يقول:” أما ذلك اليوم وتلك الساعة فما من أحد يعلمهما، لا الملائكة..ولا الأبنُ، إلا الآب” وأضافَ ريبوار هنا “وحدَه” أى ” الآب وحدَه”. وقد أدارَ الآية في فكره ، لاسيما وهو يعرفُ أنَّ ما يعرفُه الآب يعرفه الأبنُ أيضا. لأنهما واحد :”أنا والآب واحد” (يو10: 30). كما يعرفُ أيضا أن الأبن كائن قبل أن يكون ابراهيم (يو8: 58). ربما إحتارَ قليلا ، فســأَلَ :

++ عندما لا يعلمُ الأبنُ (المسيح) عن الساعة أَ ليسَ هذا إنكارًا للاهوتِ المسيح ؟

إطــار الحـديث !

لكي نفهم آية ًمن الكتاب المقدس يجب أن نقرأَها ضمن الإطار الذي جاءَت فيه والنص الذي هي جزءٌ منه. هذه الآية هي جزء من الفصل الثالث عشرالذي يتحدث عن موضوع ” نهاية الهيكل”، ومعه زوال إمتياز اليهود كونه شعبَ الله المختار، ومنها ينتقل الى نهاية العالم ، قائلا: “وبعد هذه الشدة ـ خراب الهيكل ـ تُظلمُ الشمسُ ويفقدُ القمرُ ضوءَه، وتتساقطُ النجوم من السماء، وتتزعزعُ الأجرامُ في السماء. وحينئذ يرى الناسُ ابنَ الأنسان آتيا في الغمام {كما صعد أع1: 9-11} وله العزة والجلال”(آية24-26). هكذا وصف مار بطرس أيضا مجيء المسيح (2بط3: 10). وينتهي الفصلُ بالدعوة الى اليقظة والأستعداد، ” إسهروا”. واليقظة والسهرُ ضروريان لأنَّ يوم مجيء الرب غير مكشوفٍ ولا مُعلن للبشر. فالتركيزُ إذن على فجائية مجيء المسيح كالسارق الذي لا يُعلن لصاحب البيت عن زمن وصوله ومحاولته نهب الدار. وهذه المباغتة تتطلبُ إذن الحذر والسهر:” إسهروا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت : أ في المساء، أم في منتصف الليل، أم عند صياح الديك، أم في الصباح ، لئلا يأتيَ بغتـة ًفيجدكم نياما. وما قلته لكم أقوله لجميع الناس : أى إسهروا”.

إطار رسالة المسيح !

حاول الأحبارُ والشيوخ إيقاف يسوع عن تحَّديهم والتصَّرف في الهيكل كما يشاء فآعترضوا عليه وسألوه ” بأي سلطان تفعلُ هذا”؟. إشترط يسوع عليهم الجواب أن يعلنوا رأيهم في يوحنا المعمدان. ولمَّا تنَّصلوا عن الجواب رفضَ أن يُلَّبيَ مطلبَهم مبديًا بذلك أنَّ معرفة الحقيقة مقيدة بنزاهةِ الفكر وآستقامةِ النيةِ والأستعداد الباطني لقبولها. وإذا لم تتم الشروط أو لم تُضمَن سلامة الإستعمال لن يُكشَفَ عن وجه الحقيقة (متى21: 22-26). وقبل أن يفارقَ يسوع الرسل ويصعدَ الى السماء سأله التلاميذ حرفيا :” رَّبَنا أ في هذا الزمن تُعيدُ المُلكَ الى إسرائيل”؟. قال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والآونة التي وقَّتها الآبُ بذاتِ سُلطانه ” (أع1: 6-7). لم يقل لهم :” لا أعرفُ موعد ذلك”. بل قال بصراحة :” لمُ تُعطَ لكم المعرفة التي تبحثون عنها”. وأضاف” المهم أنتم أدوا دوركم المطلوب منكم وآشهدوا لي في العالم”. إذن ليس من عناصر رسالة المسيح أن يكشف للبشر “الأزمنة والأوقات” الخاصة بأعمال الله الكبرى. تلك جزء من مخطط الله ، وليست من صلب رسالة المسيح، حتى لو كان هو واحدًا مع الآب. لأن معرفتها ليست ضرورية للخلاص.

أنا والآب واحد !

عندما قال يسوع بأنه والآبَ واحدٌ لم يعن ِ بالتأكيد أنه هو” الكلمة ” والآب” القدرة ” واحدٌ داخل الثالوث. لا !. ليست القدرة والمعرفة واحِدًا. إنهما مختلفتان ومتميزتان. لكن القدرة والمعرفة واحد داخل اللاهوت. كما يتميز النور والحرارة ويختلفان بينهما، لكنهما واحد داخل الشمس. أقنوم الآب يختلف عن أقنوم الأبن. لكنهما واحد في اللاهوت. وهكذا قال يسوع ” من رآني رأى الآب”. أى من رآه رأى الله، لأنه هو الله. وكذلك” أنا والآب واحد ” أى لا فرق بيننا لأنَّ كلينا أقانيمُ في الله الواحد. لقد تعَّود الكتاب المقدس، وخاصة العهد الجديد، أن يُطلقَ لفظة ” الآب ” بمعنى” الله ” وليس “أقنوم الآب” المتميز عن أقانيم الأبن والروح. يقول مار بولس: ” ثم يكون المنتهى حينَ يُسَّلمُ المسيحُ المُلكَ الى الله الآب” (1 كور15: 24). أى في نهاية العالم سوف ينتهي حتى دور المسيح كرسالة ، ” فيكون الله ـ ” اللاهوت “ـ كلَّ شيءٍ في كل شيء”. ولما يقول ينتهي دور المسيح لا يقصد أن دور الله الأبن/ الكلمة ينتهي. بل كما كان منذ البدء وبه كُّون كلُّ شيء (يو1: 1-3)هكذا يبقى الأول والأخير(رؤ1: 18)، البداية والنهاية (رؤ 22: 13)، و” آسمه كلمة الله “(رؤ19: 13).

ماذا يعني : الأبنُ لا يعلم !

ما سبق يقودنا الى التفكير بأنَّ يسوع “الكلمة الألهية” يعرفُ كلَّ شيء. وهويكشفُ الغد.

فالنهايةُ قريبة جِدًّا كما نبَّه :” إعلموا أنَّ الوقتَ قريبٌ على الأبواب” (مر13: 29). في هذه الحال يدعو المؤمن به إلى الأستعداد بالسهر. والمؤمن الساهر يترَّقبُ النهاية بقلق وبلهفة. ويتمنى لو ضبط توقيت النهاية لينظّمَ الباقي من حياتِه. وقد تلهيه أيضا هذه المعرفة عن الأهتمام الكلي بما لله وللأبدية. فهو قد يتكلُ على الساعة الأخيرة. وربما سيقضي الساعات السابقة في ما يبعده عن هدفه الأبدي ويخسر بذلك جهاده مثل العذارى الخمس الجاهلات. فليس من صالح المؤمن أن يعرف ساعة موتِه ولا من صالح البشرية أن تعرفَ نهاية شوطها على الأرض. تدفع الفضولية الأنسان إلى معرفة ذلك. لكن هذه المعرفة قد تعيقُ الأيمان. لذا يبدو أنَّ الحكمة الألهية وضعت في تدبيرها ألا يكشف المسيح للناس توقيت النهاية بل أن يدعوَهم الى أن يقضوا حياتهم كلها في صداقة الله وليست الساعات الأخيرة فقط من حياتهم. يدعوهم الى الأهتمام بأن يعيشوا من الآن سماءَهم على الأرض في علاقةٍ حميمة مع الله طوال الحياة.

وإن كان الأبن الألهي يعرفُ ما يعرفُه الآب ، عن توقيت النهاية، إلا إنَّ كشفَ كل ذلك لا يدخل ضمن مهمة ابن الأنسان، لأنه سّرٌ إلهي محض. وهكذا ما قاله مرقس عن لسان يسوع بأنْ ” حتى الأبن لا يعرفُ توقيت النهاية ” لأنه يُضيفُ ” بل الآب ” يعني أنَّ معرفة توقيت النهاية لا تدخل ضمن حدود الرسالة الخلاصية ولا هي من حق الأنسان بل تبقَى حكرًا على الله/الآب وحده. هكذا شرحه مفسرو الكتاب المقدس قائلين :” لا يريد الأنجيل أن ينتقصَ من مساواة الأبن للآب. ولكنَّ العالم اليهودي يعلن أنَّ الله وحده يعرفُ النهاية و يُحَّددُها ، فجاءَ كلام يسوع يؤكدُ إمتيازات الله”. هذا الأمر مثبتٌ عند الله منذ الأزل ، ولا داعي للأنسان أن يُشغل باله ويُضيع وقته بما لا يعنيه، لاسيما وأنه متعَّلقٌ بالله. وقد ذكر مرقس إمتيازات أخرى لله دعا الأنسان إلى أن يعترفَ بها ويحترمها. مثل: ” الله وحده صالح”، وحده ” قادر على كل شيء” ، وحده ” يوزع المواهب والمناصب ” (مر10: 18، 28، 40). أما الأنسان فلا يحُّقُ له أن يعرفَ أسرارَ الله و” ما حدَّدَه بسلطانه “(أع1: 7).

القس بـول ربــان