صورة العذراء أم المعونة على حذاء

أهلا وسهلا بالأخ أكرم ال غالية.

شاهد الأخ أكرم صورة لحذاء طُبعت عليه صورة مريم العذراء أم المعونة، فعَلَّقَ قائلاً :

# ” خَّلي نْشوفْ شو راحْ تِعْمَلو. هل راحْ تِسْكِتون علْ هلْ شيء” ؟.

لا تقاوموا من يُسيءُ إليكم ! (متى5: 39)

تخرجُ علينا كلَّ يوم وسائلُ التواصل الأجتماعي بإعلانات إستفزازية وبأخبار تدنيس المُقَدَّسات المسيحية وتحقير الرموز والتراث الأعلامي لأيماننا وقتل مسيحيين، محاولةً بذلك النيل من الأيمان المسيحي، ولا سيما لآستفزاز المسيحيين، ولخلط الأوراق حدَّ التعَّصب ، و إضرام نار الخلاف والسجالات كي تنتهي بعدِاءٍ سافر لغير المسيحيين، فتتبرَّرَ بذلك حملاتٌ إرهابية تهدفُ إبادة المسيحية والقضاء عليها. فهل نُشهر السيفَ كلَّ يوم بوجه من يُعادينا ولا يتحَمَّلُ نجاحَنا وكرامتنا؟. ما هو الحل؟. إنْ كنا مسيحيين حقيقيين فالحَّلُ عند المسيح الذي نسيرُ خلفه ونؤمن أنَّه يحمينا ويريدُ لنا ما أراده لنفسِه من راحة وكرامة ومجد. عاداه اليهود، إِستفَّزوهُ ، حاربوه، أهانوه، وأخيرًا قتلوه، و كان قادرًا على أن يوقِفَهم حَدَّهم ، بل على أن يُبيدَهم ويفنيَهم (متى 26: 53). ماذا فعل يسوع ؟ هل جابَ الشوارع متظاهرًا مع تلاميذه ضد الظلم مُطالبًا بحقوقه وببراءة سلوكه من كل خطأ وبإدانة الظالمين؟. أم جمَّع عساكرَ و سَلَّحَها وأعلن الحربَ على المستَفِزّين ليعاقبهم؟. بل تركهم على سوئِهم. أمَّا هو فآستمَّر على بِرِّهِ وإعلان الحق.

فمَن يُهين رموز دين أو يستفز لا يهين صاحب الرمز ولا ينال من قَدرِ المؤمن به وكرامتِه ، بل يُهينُ نفسَه، لأنَّه يُشهرُ على الملأ جهلَه ودناءَة نفسِه. فهو شخصٌ أو جماعةٌ لا تُقَّدرُ حَّقًا  كرامةَ الأنسان وحُرِّيَته وحقَّه في آختيار ما يؤمن به. وإذا أهان كرامة إنسان فقد أهان نفسَه لأنَّه هو أيضًا إنسان ، ولا فضلٌ لأنسان على غيره إلا بأعماله. وإذا آختلف أحدٌ مع غيره فالعقلُ يوصي بالحوار لا بالإهانة أو العُنف. والله لا ينظُرُ الى المُهان كخاطيء، ولا يطلب منه أن يُحاسبَ المُهين، بل يقولُ ” دعوا الثأرَ لي”، لأنَّ الله يعرفُ خفايا فكر الأنسان وقلبه ، ما قد يجهَلُه المُهان نفسُه. لذا ليستمِرّ المُهان على بِرِّهِ، أمَّا المُهينُ فسيدينُه الله.      

هنيئًا لكم إذا عَيَّروكم وآضطهدوكم وقالوا عليكم كَذِبًا ! (متى5: 11)

من قال بأننا نحن المسيحيين نبني إيماننا على الصور والتماثيل والرموز الخشبية أو المعدنية حتى نثور لأِهانتها؟. ومنذ متى نفرضُ شعائرنا وتراثَنا على غيرنا؟. إننا نؤمن بشخص إلهيٍّ  ، قبلنا تعليمه ونلتزم به لأننا نعرفُ أنَّه الحق، وأنَّ غيرَه باطل لأنه بشَرٌ ومن البشر. هل يُعَّيروننا بصلباننا وصورنا؟ نحن نفتخرُ بها ونجُّلُ رمزَها وصاحِبَها. كما عمل لاعب إسباني شهير دعوه إلى ترك دينِه فصار من ذلك اليوم يلبسُ الصليب علنًا على صدره إفتخارًا به. و كما فعل الرسل الذين بقدر ما إضطهدهم اليهود وضايقوا عليهم فعذَّبوهم بقدر ذلك فرحوا بضيقهم وآشتَّدوا في الشهادة ليسوع قائلين :” الحَّقُ عند الله أن نطيعَه هو. فلا يمكننا إلا أن نتحَدّث بما رأينا وسمعنا “(أع4: 19-20؛ 5: 29)، ثمَّ ” جلدوهم وأمروهم ألا يتكلموا بآسم يسوع.. خرج الرسل فرحين لأنَّ اللهَ وجدَهم أهلاً لقبول الإهانة من أجل اسم يسوع ” (أع5: 40-41).         

إِغفِرْ لهم لأنَّهم لا يعرفون  ما يعملون ! (لو23: 34)

قال الرب كونوا ” حكماء كالحيّات و ودعاء كالحمام ” (متى10: 16)، أي واجهوا الأمور بالعقل لا بالعاطفة وبالمنطق لا بالإحساس، وتصَّرفوا باللطف لا بالعنف وبالسلم لا بالسيف. لا تسَّلطوا أنفسَكم حكماء على غيركم، فلا تدينوهم حتى إذا أخطأوا ، لئلا تزِّلوا أنتم. دعوا حتى الشّرير حُرًّا ليخطأ. صاحبُ الحق هو الله فدعوه هو يدينُهم. أمَّا أنتم فتعلموا سلوك درب الحب والرحمة. سيروا في درب الكمال مثل أبيكم السماوي، وآغفروا للمهينين والمسيئين و المستفزّين وللجُهلاء، فتكونون نورَ الحق وملحَ البِرِّ وخميرة الرحمةِ والبذل. الرب لم يّدْعُنا الى جهل ما يحدث ولا الى نسيان ما يحصل. إنَّه يُعَّلِمُنا أن نحَّولَ الشرَّ المُبَّيَت لنا الى خيرٍ يخدمُ الأنسانية. يطلب منا ألا نعتبرَ لحظة الإهانة بل ننظرإلى صليب المسيح والى توبة لصِّ اليمين، والى زكَّا المُهتدي الى الحق، وإلى اسطيفانوس الذي يغفر لراجميه، والى قافلة ملايين الشهداء عبر الأجيال الذين قبلوا أن يسفكوا دماءَهم البريئة من أجل المسيح ورفضوا أن يلجأوا الى العنف دفاعًا عن الحَّق. مؤمنين أن الحَّقَ يعلو مهما زاغ أهلُ الزمن وقسوا أو طال العذاب، لأنَّ لله وحدَه القُدرةَ والمجدَ والحياة الأبدية. والمسيحي يقيسُ كلَّ شيء في منظار تلك الحياة ، وليس في لحظة الإهانة أو زمن الإضطهاد القصير.

فبالنتيجة نحن مدعوون ألا نثور لكل إهانة أو إستفزاز. بل أن يكون لنا سِعةُ صدر لنصبرَ عليها، ونحسبها في قياس الله ومشيئتِه. روح العالم يدفعُ الى مقاومة كل شر ورفض أيِّ مَسٍّ بكرامة الأنسان أو المعتقد أو المؤسسة أو الحزب. روح العالم يدفع الى فرض العدالةِ و الحَّق بالقوة، وبردع الأشرار بعنف. لا يقيمون الحساب لضعف الأنسان، ولا لتدَّخل الشرير ابليس لجر الناس الى السوء، ولا للمحبة والغفران. لعدم إيمان أهل العالم بالله قدَّسوا مبدأَ ” العين بالعين”. وبسبب ضُعفِهم روَّجوا للقوَّة والسيف. أما المسيح الإلَه ، الخالق والمحب و الرحمان الرحيم ، فخطَّ طريقَ المحبة والسلم والرحمة والغفران. حُكِم على المسيح لأنَّه قال الحق ولم يكذب بأنَّه اللهُ المتَجَّسد، ورفض استعمال السيف لأنَّه أحبَّ جميع الناس حتى صالبيه، لأنَّ حياتهم ووجودَهم من حياته، فلم يرد أن يخالفَ مبدأ الحب والرحمة فقبل الآلام ولم يقبل أن يضعفَ أمام الشَّر المُحدق به ولا أن يقلل من محبته. بالصليب برهن أنه قوّيٌ و محِّب، وبالصليب كسب البشر الى درب الحق وليس بالسلاح والترهيب.              

المسيحية تتقوى وتتقدَّم وأعداءُ المسيح يتقهقرون ويندحرون الواحد تلو الآخر. لا يحميهم و لا يخدمهم لا تهديدهم ولا تقتيلهم. المسيحية في آزدياد وآنتشار مُطّرد بقوَّة الله والصليب الحي( لا صلبان الخشب او الأيقونات). لا يطلبُ منَّا الله أن ندافع فنحميَ رموز الأيمان، بل يُطالبُنا بأخلاقٍ تتماشى مع روح المسيح وأخلاقِه. تلك شهادتنا للمسيح وقوَّتنا في الدفاع عن إيماننا. لنا نحن فكرُ المسيح (1كور2: 16) ونموذجه (يو13: 15) في التعامل مع مضايقينا . هذه هي حكمة الكنيسة : ” أَحِبُوا أعداءَكم. أحسنوا إلى مُبغضيكم. باركوا لاعنيكم. صَلُّوا لأجلِ المُسيئينَ إليكم” (لو6: 27-28). والطوبى لمن يتبعُها. أما إذا لم يقتنع بها أحدٌ فهناك أيضًا حكمةُ العالم التي تقول :” القافلة تسيرُ والكلاب تنبحُ “. أي تتبع الناسُ حياتَها الخاصَّة ولا تُبالي بمشاكسة ومضايقة المُتطَّرفين. لا تُعرقلُ مسيرتها بسبب سوءِ غيرِها.