أهلا وسهلا بالأخ أحمد الهلالي
كتبَ الأخ أحمد : ” أرغبُ أن أتعَّرفَ على حقوق الشباب وعن أهميتهم في الديانةِ المسيحية “.
أتيتُ لكيما تكون لهم الحــياة !
هذا كلام الرب يسوع المسيح (يو10:10). فرسالة المسيحية، جوهرها ومفعولها وهدفها ، ضمان الحياة الحقة في الراحةِ والسعادة لكل إنسان. لأنَّ حياة الأنسان نفخةٌ من حياة الله و من وجوده. والله روحٌ أزليٌ وأبدي، في شباب دائم، لم يولدْ ولم ينْمُ ولن يشيبَ ولن يموت. إنهٌ شبابٌ دائم في عنفوانِ قوته وعِّزِ عطائِه. إنه الحياة. والأنسان صورته ونفخٌ منه. فهو روحٌ مثله، وإن كان مغَّلفًا بالجسد الذي سيزول، وحياةً لها بداية ولكن بلا نهاية. لم يخلق الله الأنسان طفلا. بل خلقه شابًّا في عِّز قوتهِ. جسدُه ينمو ويشيبُ ويموت، أما روحه فهي شباب دائم مثل الله لأنها هي حياته الحقيقية، وهي في تجَّدُدٍ مستمر(مز103: 5). الطفولة والشباب والشيب والعجز كلها صفاتٌ تنطبق فقط على الجسد. أما الروح، أما الحياة فنضارتها دائمة ولا تنقص ولا تزيد، وهي التي تُحيي الجسد وتَنشُط من خلالِه. ولما يشيخُ و يُصبحُ عاجزًا عن التفاعل معها تُغادرُه فيزول وهي تبقى للأبد. هذا هو إيمان المسيحي.
ففي هذا المنظار لا تتوزع الحقوق والمهام على الأنسان حسب عمرِه، ولا حسب جنسِه. في الأيمان لا يوجد لا صغير ولا كبير، لا شابٌ ولا شايب، لا رجلٌ ولا إمرأة بل يتساوى الكل في المسيح كونهم أصبحوا، بالأيمان به، أبناءَ الله (غل3: 26-28). ممكن أن تتمَيَّزَ المهام والمسؤوليات حسب قابلية الفرد ونضوج فكره كإنسان، أما كمسيحي فتختلف الخدمات التي يؤَّديها حسب موهبته وقدرته على الأداء. والله هو الذي يوزع مواهبه وخدماته لأجل تكامل الحياة الأجتماعية وبُنيان الخير العام. يقول مار بولس :” كلُّ واحد ينال موهبة يتجَّلى فيها الروح (القدس) للخير العام. فهذا ينال من الروح كلام الحكمة، وذاك كلام المعرفة، وآخر الأيمان، وغيره الشفاء … هذا كله يعمله الروحُ الواحد نفسُه موَّزعًا مواهبَه على كل واحد كما يشاء”(1كور12: 4-11). ليس للشباب مهامٌ خاصة، كشاب، حتى يكون له بالمقابل حقوق خاصة. في المسيحية، كما أسلفنا، خدمات يؤدي كل واحد نوعا منها كما سكبَها الله في طبيعته. والخدمة واجب وليست حقًّا حتى يُجازى عليها.
يبقى أن المجتمع البشري يخضعُ لنظام. فالأجيال المتقدمة تُطالبُ بالتمَّتُع بخبرة أوسع و حكمةٍ أٌقدر إشعاعًا بينما يُطالبُ الشباب بقوة خدمية أفضل. يطالبُ الشباب بالتعلم من الأسبقين كما يطالبُ الأقدمون بالسلوك الأمثل. يطالب الشباب بآحترام الوالدين والطاعة للمسّنين كما يطالبُ الآباء ” أن يُحسنوا رعاية أولادهم.. ومن يحسن الخدمة ينال مكانة رفيعة (عند الله) وثقةً عظيمة في الأيمان بالمسيح” (1طيم 3: 12-13). ليس المطلوبُ من الشباب أن يكون لهم حقوق أو مهمة خاصة ، كشباب، بل أن يعيشوا بشكل مثالي كما يريده الله وتقتضيه طبيعته الروحية مع تجسيدٍ حَّي لصورة الله في الأنسان. أن يكونوا نموذجًا حَّـيًا ناطقًا للحياة. هكذا يقول مار بولس مُوَّصيًا تلميذه تيطس :” عِظ الشبان ليكونوا متَعَّقلين. و كن أنتَ نفسُك( لأنه كان شّابًا) قدوةً لهم في العمل الصالح” (تيط 2: 6).
وبما أن المستقبل، من كل جيل وفي كل قطاع للحياة، هو للشباب الطالع لذا فالمسيحية تهتم بتربيتهم بشكل جيد يؤَّهلهم لأداء دورهم بشكل بناء. تقول الكنيسة بأنه ” يجبُ تثقيف الشبان تثقيفًا ملائما في الزمان والطريقة” (النعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 1632)؛ وتتابعُ القولَ : ” يُطلب من المسؤولين عن التربية ( الوالدان ، والحكومات وكل المؤسسات التربوية ) أن يُلَّقنوا الشبيبة تعليما يحترم الحقيقة، ومحاسن القلب، وكرامة الأنسان الأخلاقية والروحية ” (ت.م.ك.ك. رقم 2526). وتعطي المسيحية أهمية خاصة للشباب لكونهم يعيشون الحياة ” فكرًا وفعلاً “، يزخرون بالأفكار والتطلعات المستقبلية في مواكبة التطور، ويقرنون الفعل بالقول، لذا تحاول المسيحية أن تُشركهم في قيادةِ جوانبَ كثيرة من الحياة، لاسيما الثقافية، لتدربهم بذلك على تطعيم الحياة الأجتماعية للبشرية بمباديء المسيحية وذلك بعيش تعاليم المسيح وتطبيقها عمليا في الأهتمامات اليومية. تطالبُ المسيحيةُ كلَّ فئات المؤمنين ومن جميع الأعمار، كلٌّ في بيئته وظرفه وطاقته، أن يكون بسلوكه شاهدًا للمسيح في العالم. تبقى شهادة الشباب أقوى وأهم لأنهم يقودون الحياة الى الأمام.
طلبَ شابٌ من يسوع المسيح ما المطلوب منه أن يفعله حتى يضمن الحياة مدى الأبدية. أجابه يسوع” إحفظ وصايا الله : لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم والديك، وأحبِبْ قريبَك كنفسك” (متى19: 16-19). وهذه الوصايا تشمل كلَّ الأعمار، ومن جميع الفئات. وليست حقوقا تمتاز بها فئة محدودة ، بل هي واجبات و”خدمات” تمارسُها جموعُ المؤمنين بالمسيح. وليست مهماتٍ يمكن تغييرُها أو الأستغناءُ عنها، بل هي هذه ” الحياة “. والحياة هي واحدة، كما أسلفنا، لا تختلفُ من واحد لآخر إلا عندما يتعلقُ الأمر بالسلوك حيث يختارُ كل واحد بنفسه، ولا يُكَّلفْ ، أن يفعلَ ما يشاء وكما يشاء.