أهلا وسهلا بالأخ لؤي عقراوي
كتب الأخ لؤي يقول بأنه، وحسب وصية الرب، يجب التناول تحت الشكلين معا. إنما إستوقفتني عبارتُه :” أن نأكل الخبزَ كجسد ونشربَ الخمرَ(الخالية من أي نسبة كحول) وقت التناول”!. ثم تساءَلَ : $ لماذا لا تعطي كنيستنا الكلدانية الشرابَ كرمزٍ{هكذا!} لدم الرب ؟. الذي قال : كلوا جسدي قال ايضا إشربوا دمي “. وأضافَ بأنَّ الأرثذوكس و الأنجيليين يُعطون الجسد والخمر!
بماذا يؤمن السائل ؟
إنَّ عباراتِ السائل الكريم مُحَّيرة لأنها تارة تشيرُ الى جسد الرب ودمه وأخرى الى الخبز والخمر. إن كان ذلك مقصودًا فهي مُخَّيبة. وإن كان ذلك عن جهل فهي مؤلمة ومُحَّبطة. أيَّ معنًى تحملُ الكلمات : هل يدور الكلام عن “خبزٍ وخمرٍ مبارَكَين فقط”، أم يدورُ الكلامُ عن خُبزٍ وخمرٍ مُكَّرَسَين في القداس مُتحَّوِلَيْن الى ” جسد ودم المسيح “؟. أن نتحَدَّثَ عن” نأكلُ الخبزَ كجسد ونشربَ الخمرَ” يُشيرُ الى عدم الأيمان بحضور المسيح الذي تحَّوَلَ الخبزُ الى جسدِه والخمرُ الى دمِه. فإذا بقيَ الخبزُ، بعد التكريس، خُبزَا والخمرُ خمرًا ذلك يعني أنَّ “كسرَ الخبز/ القداس” لم يتم. وعند ذلك ما القيمة في توزيعه وما النقصُ في عدم إعطائِه؟. أو إذا كان القربان (الجسد) أو الشرابُ رمزًا فقط، لا حقيقة، إيماننا باطل ويكون القداسُ مهزلة لا عبادة. ومار بولس صريحٌ وشديد اللهجة بهذا الخصوص. يقول:” من أكلَ وشربَ وهو لا يرى فيهِ جسدَ الرب، أكلَ وشربَ الحُكمَ على نفسِه” (1كور11: 29).
ومن جهةٍ ثانية تحَدَّثَ السائل عن ” الخمر، الخالية من أيِّ نسبةِ كحول”!. أيُّ خمرٍ تكون وهي خالية من كحول؟. إنها عصيرٌ لا أكثر. لم يستعمل يسوعُ عصيرًا “شَربَتْ” للقداس. بل خمرًا من الذي كان يُستَعمَلُ في عشاء الفصح. يبقى الخمرُ من عُصارَة العنب لكنه ليس عصيرا إعتياديًا فقط، بل هو عصيرٌ مُختمَر وله درجة كحولية معروفة أقَّله 10%. إنَّ ما تفعلُه الكنيسة ليس إلا تلبيةً لأمرِ الرب وآقتداءًا به، هوالذي ” أخذ الكأسَ بعدَ العشاء { أى كأسًا إضافية خاصة بما نوى فعله}، وقال: هذه الكأسُ هي العهدُ الجديدُ بدمي.. إصنعوا هذا لذكري”(لو22: 19-20). لم يقل : هي خمرٌ رمز دمي. بل هي العهد بدمي. ومار بولس أكَّد بأنَّ هذا الجسدَ المكسور وهذا الدمَ المُراق” يُؤَّوِنان ذبيحة المسيح” لأنهما ” يُخبران بموتِه”. مُهِمٌّ جدًا أن نُمَّيزَ بين الخمر والدم في القداس.
تناولُ الدم !
أما لماذا تمتنعُ الكنيسة الكلدانية عن توزيع الدم أيضًا في القداس، فهي ليست الوحيدة تفعلُ ذلك، بل الكنائس الكاثوليكية عامَّة وأغلبُ الكنائسِ الأخرى. ولستُ مُتأكِدًا من أنَّ الكنائسَ الأرثذوكسية كلَّها تقوم به. أما الأنجيليون فأستغربُ أن يتم فيها ذلك، لاسيما وأنها لا تكسرُ الخبز، لا تقيم القداس إلا بعضُها وذلك في خميس الفصح فقط ، و لا تؤمن بآستحالة التقادم الى جسد ودم المسيح. ربما توَّزع خُبزًا وعصيرًا عاديين. كنيسةٌ واحدة تُجري ذلك في كل قداس هي كنيسة المشرق الآثورية.
أما سببُ عدم إعطاء الدم مع الجسد للمؤمنين فهو إجتماعي. أولاً : صعوبة توفير كمياتٍ كافية لكثرة المؤمنين وكثرة القداديس المُقامة. ثانيًا : صعوبة عملية التوزيع. في حين تسهلُ عملية توزيع الجسد، لأنه يُجَزَّأ الى قطع قصيرة يمكن وضعُ عشراتِ المئات منها في آنيةٍ واحدة ويوزعها واحدٌ. بينما يتطلَّبُ توزيع الدم أوانٍ كثيرة وأشخاصٍ كثيرة مُخَّوَلة بأداء تلك الخدمة. وقد لا تُسَّهلُ هندسة كل الكنائس تقديمَ مثلِ هذه الخدمة. ثالثًا : بدأَ على الأكثر التوَّقفُ عن توزيع الدم مع الجسد لأسبابٍ صحية، لاسيما عند آنتشار الأوبئة المُعدية خوفًا من تنقُل العدوى بسرعةٍ وسهولةٍ وكثرة. رابعًا : لكنَّ أهَّمَ الأسبابِ اللاهوتية هي لحماية الأيمان من هرطقة أنَّ الجسدَ لا يكفي وحدَه للتناول. المسيحُ حاضرٌ كلُّه في كلِّ واحدٍ من العرَضين، وحتى في كل جُزءٍ منه. فلو تناول المؤمنُ من الدم مثلاً قطرةً واحدة أو عشرات منها لا يفرقُ الأمر. المسيحُ حاضرٌ كليا في القطرة الواحدة وفي لترٍواحد أو حتى في إجَّانة واحدة. لا يوجد غير مسيح واحد لا فقط في القداس الواحد ولكنيسة واحدة، بل في كل القداديس ولكل كنائس العالم. وبنفس الشكل يسوع حاضرٌ كامل في الجسد وفي الدم دون نقصٍ أو خلاف. وإذا تناول المؤمنُ الجسدَ وحده يكون قد تناول المسيحَ كُلَّه. وكذلك بالنسبة للدم. ولتثبيتِ هذا التعليم ، وإضافةً الى المُبَّرراتِ الأخرى، لم تترّدَّد الكنيسة في الأكتفاءِ بتوزيع الجسد وحدَه.
إنَّ إقامة كسرِ الخُبز/القداس شهدَ تغييراتٍ كثيرة من عشاء الفصح وتأسيس سر القربان الى يومنا. لو أعدنا قراءَة نص تأسيس القربان نلاحظُ سريعًا أنَّه تمَّ أثناء العشاء. بالأحري ختمَ الرَّبُ العشاءَ بالقربان. وقد قَـلَّدَه المسيحيون الأوائل بتناولهم العشاءَ معًا وكسرِ الخُبزِ. إلى أن أساءَ المؤمنون ذلك فأبطلت الكنيسةُ عادة العشاء المشترك والأكتفاء بالأحتفالِ بالقربان وحده. يُخبرُنا مار بولس عن ذلك حيث كتبَ لأهل كورنثية يقول:” إنكم لا تجتمعون لتناول عشاءِ الرب، بل كلُّ واحدٍ منكم في وقتِ الطعام يتناولُ عشاءَه الخاص. فإذا أحدُكم جائعٌ و الآخرُ سكران. أفليس لكم بيوتٌ تأكلون فيها وتشربون، أم إنَّكم تزدرونَ كنيسة الله ..”؟ (1 كور11 : 20-22). لقد إفتهمت الكنيسة من المسيح، ثم من إرشاد الروح القدس لها، بأنَّ إيمانها لا يتوقفُ على وجهٍ ثابت لا يتغَّير. جوهر إيمانها هو المسيح. وأما ممارسةُ إيمانها، كيف تُعلِنُ المسيح وتتبعه، ذلك يخضعُ لظروف الأنسان والزمان والمكان. ولهذا خَوَّلَها الرَّبُ سلطانه وصلاحياتِه في الحَّل والربط (متى16: 18-19؛ 18: 18) لكي لا يُعيقَ حرفُ الأيمان روحَه، ولا يكون إيمان المسيحيين سطحيًا يتبع التقاليد فقط ، فيتَشَّوه. الأيمان حياةٌ ، والحياةُ تتطوَّرُ فـتتفاعلُ وتتجاوب مع كل الظروف وكل الحضارات وكلِّ الأجيال.