الأحد السادس للقيامة

تتلى علينا اليوم القراءات  :  أع10: 1-8 ؛ اش51: 9-11 +52: 7-12 أف2: 4-10 ؛ يو17: 1، 11-19

القـراءة : أعمال 10 : 1 – 8 :– يُبَّشرُ الرسلُ أولاً مدن اليهود، ثمَّ يُفهمُهم الرب برؤيا أن ينتقلوا الى تبشير الوثنيين أيضًا ، وفي كلِّ الأقطار.

القـراءة البديلة : اشعيا 51 : 9 -11 + 52 : 7 – 12 :–يصرُخ النبي الى الله طالبًا أن يُظهرَ مجدَه وجبروتَه ضِدَّ الشّريروعُملائِه، مُشيرًا الى نصر الرَّب وإلى فِدائِه.

الرسالة : أفسس 2 : 4 – 10 :–  يُعَّلمُ الرسول أننا لم نستَحِّق الخلاص. فالخلاصُ نعمةٌ مجّانية من لطفِ الله. ونحن المؤمنون نُشَّكلُ مع المسيح جسدًا واحدًا هو ” الكنيسة “.

الأنجيل : يوحنا 17 : 1 ن 11 – 19 :– صلاة يسوع يسألُ فيها الآب توحيدَ المؤمنين به بوحدته الألهية الساكنة والعاملة في كُلِّهم. إِنَّ وحدَتَهم عاملٌ قوِّيٌ للشهادة له.

رفع يسوع عينيه الى السماء  !

 ونحن ايضًا نرفع كلَّ يوم، عندما نُصَّلي، ألحاظنا وأيادينا الى العُلى ..الى فوقِنا .. بآتجاه الفضاء.. السماء.. نحو أبينا الذي في السماوات. السماء أو السماوات، ماذا نقصُدُ بها؟. هل نُحَّددُ مكانًا في الكون، وكأنه مسكنُ الله خالقنا وراعينا ومُخَّلِصِنا؟. نتصَّورُ بفكرنا، ولا نقدر أن نتمَّلصَ من التعبير إلا بحواسنا، بأنَّ الله أرفعُ منّا، فوق رؤوسِنا، فنرفعُ إليه عيوننا وكلَّ صلواتنا. الله فوقنا!.. ونحن نعلم ونُعلنُ إيماننا بأنَّ الله لا يُحُّدُه لا مكانٌ ولا إتّجاه.إِنَّهُ موجودٌ في كل مكان وبكل إتّجاه. رأى حزقيال مجدَ الله على عرشٍ، فوقَ قُبَّةٍ ، ترفعُها دواليبُ أربعة متداخلة كأنها دولابٌ واحد” تسيرُ على جوانبها الأربعة ولا تدورُ حين تسير”، ولكلَّ دولاب إطارٌ مُغَّطى بالعيون من كلِّ جهة “، تحملُها أربعة كائناتٍ ” تسيرُ كلُّ واحد بآتّجاه وجهِه، .. وكلُّها تسيرُ إلى حيثُ يشاءُ الزوح، دون أن تدور”(حز1: 5-28). الله روحٌ. والروح لا يقدر لا الزمن ولا المادة أن تُحَّددَه. والبشرُ غيرُ قادرين على أن يستوعبوه. هذا ما أكَّده يسوع لنيقوديمُس:” مولود الروح يكون روحًا” فلا يمكن تحديده في قيامه وحركته (يو3: 8).

عندما نفكر أو نتحَدَّث عن الله لا ننطلقُ من الله بل من ذواتنا. نحن نقفُ على أرجلنا، على الأرض، ورأسنا بآتجاه الفضاء. ورأسنا فوق أرجلنا. فأصبح إتّجاه الرأس ” العُلى، الفوق”. وما يُداسُ بالأرجل مُهانٌ ولا كرامة له. وعندما نُكَّرمُ أحدًا نقول له ” على عيني و رأسي”. والأرضُ تحمل، تحتَ أقدامِنا، الطينَ والأقذار التي توحشُ وجه التراب والعشب وكلَّ ما يزول وينتهي حتى أجمل الزهور وأسنى الورود وأبهى النباتات. أشياءُ لا قيمة لها في ذاتها بل بما توَّفره للأنسان من قوتٍ أو راحةٍ أو وسيلةٍ لبناء الحياة. ولاسيما بعلاقتها بنا نحن الذين يدوسون عليها كشيءٍ ذليل وحقير رغم نفعِه، وضيعٍ وبائس إذ لا يقدر أن يعترضَ علينا مهما فعلنا به ، ولا أن يُقاومَنا.

بينما توضَعُ فوق الرأس دلائل الزينة والكرامةِ والتبجيل. فمن الـ” فوق”، الفضاء الفارغ و الجميل يهُّبُ علينا النسيمُ العليل والهواءُ المُنعِش، وتُحيينا أشِّعةُ الشمس وحرارتُها، وتزورُنا الثلوج والأمطار لتُنبتَ الزهر والخضار والفواكه، وتستثمرَ الأرضَ وتُخرجَ كلَّ ثمارِها. لذا إعتبرنا الفضاء موقعَ أو مصدرَ كلِّ نظيفٍ وجميلٍ وكريمٍ وقدير. وكلُّ خيرعلى الأرض قد أوجده الله. وكلُّ “عطيةٍ صالحة وهِبةٍ كاملة تنزلُ من فوق من عند أبِ الأنوار” (يع1: 16) . فالله هو الأسمى والأبهى والأجمل والأكرم والأعظم والأقدر. فأين يكون؟. لابُدَّ و” فوق”، بين لآليء النجوم والنَّيرات!. هناك النقاءُ والجمال والقداسة والحق والبر!. وضعُ الأنسان على الأرض حقيرٌ وتعيس مقابل وضع الله المجيد. فإليه نرفع قلوبنا الحاملة آمالنا وأدعيَتنا، لا لأنَّ مسكنه فوقَنا بل لأنَّه البارُ القدوس والراعي القدير.

الى هذا البار القدوس، الذي لا يتحَدَّدُ لا بمكان ولا بآتّجاه، وجَّه يسوع أنظارَه. وفعل ذلك لا لأنَّ الله بعيدٌ عنه. بل لم يتركه أبدًا وظلَّ متّحدًا به بالفكر والروح ،” الذي أرسلني هو معي، لم يتركني وحدي” (يو8: 29). إنه رفع عينيه من الناسوت الى اللآهوت ليتحَّدث الى الله بآسم البشرية، ويُعَّلمَ الناس كيف يُحاورون الله، نعم كأبٍ أسمى منهم ولكن لا كغرباء عنه. إنَّ اللهَ الآب والأبن يعملان دومًا معًا لأنهما واحد (يو10: 30؛ 14: 11) ويسكنان لا فوقُ بل في قلب الأنسان حيثُ ينبُتُ الحُّبُ ويزدهر(يو14: 23). مكان الله هو ملكوته. وملكوتُ الله في داخلكم، قال يسوع (لو17: 21).

وحيثُ يكون الله ويتمَجَّد سيتواجدُ معه (يو14: 3 ؛ 17: 24) من آمنوا به وأحَّبوه وحملوا معه الصليب ليُتابعوا ويُكَّملوا آلامَه لفداء جميع الناس (كول1: 24). وهكذا مثل الله لن يكون ملكوت القدّيسين والمُخَّلصين مكانًا مُحَدَّدًا، بعُلُّوٍ وعمق أو طول وعرض، بقدر ما هو حالة قداسة الروح ونعيمها مع الله، الذي يكون هيكلَهم ونورَهم (رؤ21: 22-23). و مثلَه الجَهَّنم أيضًا ليس مكانًا مُحَدَّدًا في الكون بقدر ما هو أيضًا حالة تعاسة وشقاء مُستّمرين في عذاب ندم أبدي على عدم محبة الله وسماع كلامه ترمز إليه ” البُحيرةُ الملتهبة بالنار و الكبريت. وهذا هو الموتُ الثاني ” (الهلاك . رؤ21: 8). هناك يلتحقون بسَيِّدهم إبليس و أعوانه ” ويكابدون ـ معهم ـ العذابَ ليلا ونهارًا أبدَ الدهور” (رؤ20: 10).

ومثلهما ” المطهر” ليس مكانًا محددا بل حالة ندم وعذاب نفسي، تكفيرًا عن خطايا غُفِرَتْ بالتوبة إِنما لم يُعَّوَض عنها ، ولم يسترجعُ التائب حالة القداسة التي تلزمه ليتمتع مع قداسة الله ومجده. يدفع ديونه الأخيرة ليتطَّهرَ عن لكَّات الخطيئة المُتشَّبثة به (متى5: 26). لذا ليس المطهر أبديًا بل هو حالةٌ ندم وألم وقتي سينتهي مع نهاية العالم، في حين يستمرُ وجود الملكوت والجهنَّم (متى25: 46).