أهلا وسهلا بالأخ رونسي
لاحظ الأخ رونسي أنَّ المسيحيين { شعبَ الكنيسة } يعتبرون القس” أبًا لكلهم”، فسألَ : هل القس يعتبرنا مثلَ أبنــائِه ؟
وإذا لم يحترم الأبُ أبناءَه هل تبقى علاقةٌ بين الأب {الأقدس} وأبناء الكنيسة ؟
أنصحُكم كأبنائي الأحّباء !
إنَّ لقبَ ” المسيحي ” لمن آمن بيسوع المسيح وتبعه أطلَقَهُ أولاً المجتمع المدني الغريب. أما لقب” الأب” فقد يكون أولَّ من أطلقه هي الكنيسة. بطرس رئيس الكنيسة دعا مرقس معاونه وأولَ كاتبٍ للأنجيل ” ابنَه”(1بط5: 13). وتزامن معه بولس الرسول فدعا معاونه وتلميذه طيمثاوس” إبنه “(1كور4: 17؛ 1طيم 1: 2 و18؛ 2طيم 1: 2؛ 2: 1)، وكذلك أونيسِمُس (فل 1: 10). كما سَمَّى” أبناءًا ” أو”أولادًا” كلا من أهل كورنثية وتسالونيقي الذين كتبَ لهم يقول:” عاملناكم معاملة الأب لأولاده” (1كور4: 14؛ 2كور6: 13؛ 1تس2: 11). وبعدهم إستعملَ يوحنا الأنجيلي عبارة ” أبنائي” أو” أولادي” في رسائله (1يو2: 1 و18 و 28؛ 3: 7؛ 4:4؛ 5: 21). لقد شرح بولس للكورنثيين مُبَرّرَه لآستعمال هذا اللقب فقال:” قد يكون لكم ألوفُ الحُرّاس في المسيح. ولكن ليس لكم عِدَّة آباء، لأني أنا الذي ولدَكم، بالبشارة ، في المسيح يسوع ” (1كور4: 15). وآستعمل مُصطلح “الأيلاد” لأُونيسِمُس ايضا قائلاً:” الذي وَلَدْتُه في القيود”(فل1: 10).
فهذه العلاقةُ روحيةٌ مبنية على الأيمان بالمسيح. الأُبُوَّة والبُنُوَّة تقومُ على إعطاء الحياة. و بولس أعطى ، وأيُّ رسول يُبَّشرُ بالمسيح يُعطي مثلهُ، الحياةَ لمن آمن على يده وتعَّلمَ منه من هو المسيح وماذا فعل وماذا قال وماذا يريدُ لأتباعِه. بولس هو الذي أدخل أهل كورنثية و تسالونيقي الى حظيرةِ الأيمان بالمسيح لأنه هو بشَّرَهم وعلمهم وأعطاهم ، في حياتِه ، نموذجًا كيف يسلكُ المسيحي. هذا ما كتبه بنفسه لتلميذه طيمثاوس إذ يقول: ” أما أنتَ فقد تبِعتني في تعليمي وسيرتي ومقاصدي وإيماني ومحَّبتي ورِباطةِ جأشي والأضطهاداتِ و الآلام التي أصابتني”(2طيم3: 10-11).
أيُّها الآباء لا تُغيظوا أبـناءَكم !
وكان من الطبيعي أن يدعوَ المؤمنون الرسلَ، مُبَّشريهم ومعلميهم، ” أباءًا “، إعترافًا منهم بفضلهم على حياتِهم الأيمانية والروحية، ولاسيما بثقتهم بهم أنهم لو لم يكونوا ” آباءًا ” فعلا لما قاسوا التعب والمشقة والذل والإهانة وحتى الأضطهاد في سبيل تبشيرهم. وقد لاحظوا فيهم، بالأضافة الى ذلك، إهتمامهم ورعايتهم الأبوية لهم بحبٍ وتفانٍ وتضحية. هكذا كان القُسُسُ / الرسل الأوائل. وهكذا طلبوا من خلفائِهم رسلِ العصر أن يشعروا ويسلكوا تجاه رعاياهم فيخدموهم بإخلاص ” مثل آباء”. فهـذا بطرس يكتبُ للرعاة الكنسيين ، أساقفة و كهنة :” أما الشيوخ الذين بينكم فأعظهم أنا الشيخ مثلهم … أن: إرعوا قطيع الله الذي وُكِلَ إليكم وآحرِسوهُ .. كما يريدُ الله .. ولا تتسلطوا على الذين هم في رعيتكم، بل كونوا قدوةً لهم ” (1بط5: 1-3). أما بولس فيكتب لتلميذه طيمثاوس أسقف أفسس :” كن قدوةُ للمؤمنين بالكلام والسيرةِ والمحبةِ والأيمان والعفاف..” ويُضيفُ :” أناشدك في حضرة الله والمسيح أن تحافظ على ذلك ولا تحابي أحدًا ولا تفعلُ شيئًا عن هوى .. ولا تكن شريكًا في خطايا غيرِكَ وآعتصِم بالطهارة “(1طيم4: 12؛ 5: 21-22). كما طلب منه، ومن خلفائِه أمثاله، أن :” أُثبت على ما تعلمتَه .. أعلن كلام الله وألحَّ فيه، بوقتِه وبغير وقتِه، و وَبِّخْ وأنذِرْ وعِظ بصبرٍ جميل ورغبةٍ في التعليم “(2طيم 3: 14؛ 4: 2).
وَّبخِ المذنبين منهم ! 1طيم5: 19-20
طلبَ الرسول من الكهنة أن يؤَّدوا رسالتهم بأمان ويخدموا كآباء ومعلمين حتى بالتوبيخ. كتب بولس لطيمثاوس يقول:” لا تُعَّنِفِ شيخًاأ بل عِظه كأنه أبٌ لكَ. و عِظِ الشبان كأنَّهم إخوةٌ لكَ، والعجائز كأنهنَّ أُمَّهاتٌ، والشابات كأنَّهن أخوات..” (1طيم5: 1-2). مع هذه التعليمات يصعبُ على الكاهن الأب ألا يحترمَ أبناءَه ما دام تلك التعليمات هي عنصرٌ للخدمة نابعٌ من صلب الرسالة الكهنوتية. ولكن رغم ذلك يمكن لكاهن أو حتى أسقف أن يخطأ ويخالف مشيئة الله ومتطلبات مهمته. لأنهم ليسوا معصومين من الخطأ. إنما لا يُغَّيرُ ذلك من طبيعة العلاقة التي تربطهم مع أبناءِ رعاياهم. رسالتهم المبنية على المحبة والخدمة بطريقة اللطفِ والسلام لا تتغَّير ولا تزول. تبقى العلاقة بين المسؤول وأبناء الرعية علاقة أبٍ بأولاد وبالمقابل ردَّ فعل أبناءٍ مع آبائِهم الروحيين. فحتى إذا قصَّر الأبناء في إحترام الكاهن عليه هو أن يخدمهم كأبنائه. أو إذا قصَّرَ الكاهن في إحترامه ومحبته لأبنائه عليهم هم أن يطلبوا خدمته ويحترموا كهنوته لأنه من الله.
والقداسة المطلوبة أن ترعى تلك العلاقة تشملُ الطرفين في آنٍ واحد، ولا تسمحُ للواحد منهما أن يخطأ لأنَّ المقابل سبقَ وخالفَ فأخَلَّ بواجبه. ما دامت تلك العلاقة والقداسة نابعة من طبيعة الرسالة ومطلوبة من الله، مصدرِالرسالة ومُرسِلِ المسؤولين، فلن يؤثرَ فيها خللُ الأطراف. إرادة الله لن تتغَّير وطبيعة الرسالة لن تتبدل، لأنها ليست وظيفة تؤَّدى مقابل مكسب مادي، بل هي دعوة الهية ثابتة للخدمة على غرار المسيح الذي جعلَ من نفسه قدوةً لرسل كل الأجيال في الخدمة والتواضع (يو13: 15). والله سيحاسبُ كل واحد ويُقَّيمُ خدمتَه ويجازيه على أمانتِه أو على مخالفتِه. ليس للبشر أن يُحاسبوا سلوك الرُعاةِ لأنهم ليسوا هم من كلفوهم بالمهمة. الله وحده يُجري ذلك لأنه هو مُرسِلهم ومكلفهم بها (يو20: 21). وكما لا يخلو العالم من المذنبين هكذا لن تخلوَ الكنيسة أيضا من المُقَّصرين والمذنبين لأنَّ الحنطة والزؤان، الخيروالشر(متى13: 24-30)، يستمران ينموان معا الى يوم الحصاد أى الدينونة والمحاسبة حيثُ يُحَقِّقَ الله العدالَةَ لكل إنسان.