أهلا وسهلا بالشماس العزيز
سألَ شماسٌ عن نزول المسيح الى الجحيم وكتب :” في نؤمن نقول بالسورث ” نخِثْلِى لْشْيولْ”، بينما لا توجد العبارة في الفُصحى. فأين ذكر الأنجيل لدى قيامة يسوع أنه نزلَ الى عمق الجحيم، وأصعدَ معه الموجودين هناك ” ؟
بين الفصحى و اللهجة !
هذا الإختلافُ موجودٌ أيضا مع النَّص العربي الذي لا يذكرُ بدورِه هذا الأنحدار. فليس الإشكالُ في اللغة. لأنَّ قانون الأيمان، في جميع اللغات، لا يستعمل تلك العبارة. ولعلمي ليست كثيرة الرعايا التي حتى في الكنيسة الكلدانية تتبنَّى تلك العبارة. أمرٌ غريبٌ عجيب!. يبدو أنَّ ذلك يعودُ لجهدِ وتدخل مُثَّقفٍ بالكتاب المقدس وعالم أيضًا بالعلم الليترجي بحيث علِمَ من بطون الكتب التأريخية أنَّ هذه العبارة أُستُعمِلَت فِعلاً في بعض الأمكنة والأزمنة.
إستعملَتها ليترجيات العماد في بعض الكناس، كالمصرية والحبشية، في القرن الخامس الميلادي. فكان المعتمِدُ يُعلن إعترافَه بـأنَّ” المسيح مات وقام وأنحدرِ الى الجحيم وحَرَّر المُقَيَّدين، وصعد الى السماء”. وأُستُعمِلَت في كنائس أخرى في صيغة إعلان كلَّ الحقائق الأيمانية لدحض الهرطقات، مثلا في جنوب فرنسا.
ويبدو أنَّ قانون الأيمان المنسوب الى الرسل كان يحوي هذه العبارة، إذ يقول:” .. مات و دُفنَ وآنحدر الى الجحيم وفي اليوم الثالث قام من الموتى”. بينما قانون إيمان قسطنطينية (سنة 380م) لا يذكر تلك العبارة. ربما كان عالِمُنا المُثَّقَف اكليريكيا في منصبٍ مُتنَّفِذ فأدخلَ العبارة، بشكل فردي ومحَّلي، الى النص المستعمل رَسميًا دون أن يشملَ كلَّ الرعايا الكلدانية، ودون أن تتدخل السلطة الرسمية لا لمنعه ولا لتعممه على كل رعايا البطريركية. وهذا شيءٌ معروفٌ بأن أمورًا كثيرة وسلوكًا طقسيًا غريبًا شَقَّ طريقَه الى الطقس الكلداني دون أن يكون لا موجودًا في الكتب الطقسية، المخطوطة والمطبوعة، ولا مُقَّرَرًا تَبَّنيه من طقوس أخرى بشكل رسمي وعلني. هي إجتهادات فردية تأخذ أحيانًا مسارًا عَّـامًا.
هذه الحقيقة والكتابُ المُقَدَّس !
حفظ لنا الكتابُ المقَدَّس نَصَّين يشيران الى هذه الحقيقة. الأول وهو حرفي صريحُ العبارة، ويقول : ” ماتَ في الجسد، ولكنَّ اللهَ أحياه بالروح. فآنطلقَ بهذا الروح يُبَّشرُ الأرواحَ السجينة، التي تمَّرَدت فيما مضى” (1بط3: 18-20). وأكمَلَه وفَسَّرَه مار متى عندما كتب : “..وتزلزلت الأرضُ، وتشَّققَت الصخورُ، وآنفتَحت القبورُ، فقامت أجسادُ كثيرٍ من القديسين الراقدين..” (متى27: 51-52). وللخبر بُعدُهُ الأيماني تعترفُ به الكنيسة وتُعلنه على الملأ. ذكر لوقا أن أبرار العهد القديم لم يتمتَّعوا برؤية الله بل إنتظروا الخلاصَ الموعود ” في حِضن إبراهيم” بعكس الهالكين الذين كانوا يحترقون في النار(لو16: 22-26).
كل البشر يموتون، يسوع أيضًا مات. وقام من بين الأموات كما تقول الترتيلة البيزنطية القديمة (المسيح قام من بين الأموات!). وهذا يعني” بأنَّ يسوع أقامَ قبل القيامة في مقَّر الأموات… إلتحقَ بهم لا سجينًا بل مُخَّلِصًا، مُعلنًا البشرى للنفوس المُحتجزَة هناك” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 632). ذهب ليُبَّشرَ الأموات أيضًا بالأنجيل (1بط4: 6). فالأنحدارُ ” الى الجحيم هو ملءُ إتمام بشرى الخلاص الأنجيلية “( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 634)، وإتمامٌ للعمل الفدائي بآمتداده الى جميع البشر،في كل زمان وفي كل مكان. بقيَ يسوع زمنًا في جوفِ الأرض مثل يونان (متى12: 40)، وقد هبط الى الهاوية قبل أن يصعدَ الى السماء (رم10: 6-7). أكد بولس ذلك :” نزلَ أولاً الى أعمق أعماقِ الأرضِ. وهذا الذي نزل هو نفسُه الذي صعدَ الى ما فوقَ السماوات كلِّها ليملأَ كلَّ شيء” (اف4: 9-10). وكلام الرسل ليس سوى صدًى، تعبيرًا وتفسيرًا لكلام الرب يسوع نفسِه : “ستجيءُ ساعةٌ، بل جاءَت الآن، يسمعُ فيه الأموات صوتَ آبنِ الله، وكلُّ من يُصغي إليه يحيا “(يو5: 25). يسوع قام. وأوحى” أنا الحَّيُ!. كنتُ ميتًا، وها أنا حَّيٌّ الى أبدالدهور. بيدي مفاتيحُ الموتِ ومثوى الأموات” (رؤ1: 18). وتُعَّلمُ الكنيسةُ بأنَّ ” قانون الأيمان يعترفُ، بهذه العبارة، أنَّ يسوع مات حَّقًا، وأنَّه بموتِه عَّنا تغَّلبَ على الموت، وعلى ابليس الذي له سُلطانُ الموت، ويُحَّررَ الذين كانوا طوالَ حياتِهم في العبوديةِ خوفًا من الموت ” (عب2: 14-15) { التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم636 }.