أهلا وسهلا بالأخ براء حبيب.
قرأ الأخ براء كتابا قالَ فيه مؤَّلفُه بأنَّ مشاهيرَ العالم وُلدوا أغلبهم في 25/12 كانون الأول ، و من أم عذراء ، حسبَ الأسطورة الخاصّة بهم ، وتطابقت أغلبُ تفاصيل حياتهم مع أحداث حياة يسوع المسيح. وأغلبُ تلك الشخصيات هي سابقة للمسيح في زمن ظهورها. ويبدو أنَّ الكاتبَ إستخلصَ أنَّ تاريخ المسيح منسوخٌ من الأديان الباقية ، وتكادُ قصة حياتِه لا تكون سوى ” إستعارة أخرى من أساطير الحضاراتِ القديمة “. وذكرَ الكاتبُ أنَّ الذين سبقوا يسوع في نيل شرف ولادة عذرية هم : آوزيس ، أوزيريس ، حورس ، أتيس ، بوذا ، كريشنا ، زرادشت ، ديونيس ، هراقليس ، ميترا ، باكو ، ساتورنو و هركوليس.
فتساءَل براء :
1- هل هذه القصص صحيحة ؟
2- هل كان يسوع موجودا حَّـقًا ، أم هو أسطورة ؟
من فمِكَ أدينُـك ! لو19: 22
لقد إعترفَ الكاتبُ أنَّ أخبار شخصياتِه المذكورة هي ” أساطير”. والأُسطورة يُعَّرفُها قاموس اللغة العربية بـ ” الحديث الذي لا أصلَ له “. إن كان هو متيَّقِنًا من أنَّ قصصَ حياة نماذجه هي مُزَّورة ومُلفَّقة ، وأنَّ التفاصيلَ المذكورة خيالٌ ودجَل فكيفَ يُقَّدمُها نماذجَ منافسَةً لقصة حياة يسوع؟. أو كيفَ يُقارنُ أخبارَهم بشخصية تأريخية يدينُ له العالم بثورة فكرية وآجتماعية ، ويقُّرُ له التأريخ بوجودٍ وتعليم ونفوذٍ ؟.
وإنْ كانَ يُقّرُ بأن قصصَهم أساطيرُ فكيفَ يُصدقُ أن أصحابها ولدوا مثلَ يسوع في 25/12 وعن طريقةٍ عُذرية؟؟. وكيفَ يُقَّدمُ مقارناتٍ وشُبُهاتٍ بأعمال يسوع وأقوالِه وهو يعلمُ مسَّبِقًا أنها “لا أصلَ لها”؟. وهل يجوز لكاتبٍ نزيهٍ بل وعاقل فقط أن يُناقضَ نفسَه؟. من جهةٍ يُقّرُ أنها غير موجودة ومن أخرى يوازيها بحقائق يسوع؟. إنَّ في إستقامةِ نية الكاتب لَـشَّكًا. و كتابٌ مشكوكٌ في نزاهةِ مؤلِفِه لا يجوزُ أن يكون مصدرًا يُعتمدُ عليه. بل يُلقى كتابٌ مثلُ هذا في سَّلةِ المهملات بعدَ فضحِ تفاهَتِه وسوءِ نيةِ كاتبِهِ.
يُحَّرفُ الكتبَ من لا علمَ له ولا ثبات ! 2بط3: 16
لقد عُرفَ إبليس بتحويرالحقيقة عندما جَّرَب آدم وحواء وآدَّعى أنَّ الله منعهما من كلِ أشجار الجنة. ثم أنَّ المنعَ بسبب حسدِ الله من ألا يتساويا به. وتبيَّنَ سريعًا كِذبُهُ. ودعاه يسوع ” الكَّذاب وأبو الكَذِب ” (يو8: 44). وقد كثرَ تلاميذه الذين يُقاومون الحَّقَ ويرفُضونَه. قاومَ رؤساء الشعب اليهودي يسوع ورفضوا الأعترافَ بهِ حماية ً لمركزهم ومصلحتِهم فقال لهم يسوع ” أنتم أولادُ أبيكم ابليس”. وأولادُ ابليس اليومَ لا يُحصون. ويريدون أن يمسحوا إسم يسوع من التأريخ لأنه هو وتعليمه يقفان في وجه دجلِه وفسادِه. حاول اليهود أن يتخَّلصوا منه ويُهلكوه (مر3: 6) لآ لأنه كان مجرما ، بل لأنهم حسدوه (مر15: 10)على حَّقانيتِه ، بينما كانت أعمالهم هم سَّيئة (يو3: 19).
وكلنا يعلم خبر إعادةِ كتابةِ التأريخ لبعض الفئات الذي يُشَّوهون الحقائق ليُرَّوجوا لآرائِهم وينشروا ضلالَهم فيخدعون قُرّاءَ كتبِهم ومشاهدي برامجهم. قبل أقلَ من عقدٍ ظهرَ فلمٌ أتعس من Jesus Super Star فيه يطعنُ بكرامةِ يسوع وعّفتِه إذ يُصَّورُهُ أنيسًا Boyfriend لمريم المجدلية، يُنجبُ منها أطفالاً وهما لم يتزوَّجا!!. وآدعى مُخرجُ الفلم أنه إستندَ الى كتابٍ قَّـيِم ٍ سَّماهُ Davinci Kod هو مخطوطة قديمة. وتبَّيَن بعدَه أنَّ الكتابَ المذكور كتبَ قبلَ حوالي خمسين فقط ، أى في خمسينات القرن الماضي، من جماعةٍ معادية للمسيحية وينتمي اليها مُخرجُ الفلم أيضا. بما يعني أنه مخطط ٌ قديم لتشويه سمعة يسوع فكتبوا أولا كتابا بالمعنى المرغوب ثم أخرجوه فلمًا ليكون مفعوله أوسع في المجتمع.
كما حدثَ في تأريخ مسيحيي العراق. منذ الأنقلابِ الجمهوري ظهرت بوادر نيةِ إفراغ العراق من مسيحييه. ثم إتخذوا بعض الخطوات الفعَّالة في تشويه صورة المسيحيين وزيادة التعَّصب لدى غيرهم. ثم أعادوا كتابة تأريخ العراق بـ 23 مجَّلدا ولم يذكروا فيه المسيحيين وطمسوا أخبارَهم ودورهم البنَّاء. كلُّ العالم يعرفُ دورهم في التأليف والترجمة والطب في زمن الخلفاءِ العباسيين ، بحيثُ أداروا بيتَ الحكمة الذي فتحه المأمون ، ومع ذلك ذكروهم في أربع صحائف فقط من أصل أكثر من سبعة ألاف صفحة. ثم نعتوهم بالأقلية. ثم منعوا عليهم تسمية أطفالهم بأسماء مسيحية ، ثم بدوا بتفجير كنائسهم الى أن وصلوا الى طردهم قسرا من مدنهم وعلنا فارضين عليهم إما الجزية أو الإسلام أو ترك البلد أو الموت!. فهل كلُّ ما إدّعوه ضد المسيحيين كان صحيحًا ؟. كلا. ولكن هذا ما يُدعى بتحويرالحقيقة و تزوير الأحداث ليَخرجوا بالنتيجة التي يبتغونها وهي : تشويه صورة المسيح وسمعَتِه بغيةَ التخَّلصِ منه ، والتلاعبُ بأقدار الأنسانية.
إنكم ما تُصَّدقوني لأني أقولُ الحَّق ! يو8: 45
ما قالَه الكاتب عن مشابهة أشخاصِه بالمسيح ،و بالإضافة الى كونِه أسطوريا، ليس مذكورًا في المصادر التأريخية الرزينة. و حتى إذا وجدَت بعض التشابيه بين هذا أو ذاك والمسيح في بعض تفاصيل الحياة هذا لا يعني أنَّ قصَّة َ حياة يسوع هي خيالية منسوجة من أساطير السلف. بالأضافة الى أننا نعرفُ بأنَّ التأريخ ذكرَ أشخاصًا تعتبرهم المسيحية رموزًا لما سيحدثُ للمسيح. اسحق ابن ابراهيم والكبش الذي فداه تعليمٌ بعدم تقديم ذبائح بشرية للـه ، بالإضافة الى إدخال فكرة الفـداء الذي سيقومُ به يسوع إذ يموتُ هو فداءًا عن الأمَّـة (يو11: 50). ويوسف صورةٌ ليسوع المظلوم والبريء الذي بيع ثم أُتُهِمَ وحكم عليه (تك فصول 37 و39). وموسى صورة ليسوع قائد شعبِ الله (يو5: 46؛ تث18: 15-19). لماذا لم يذكر مؤلفُ الكتابِ هؤلاءَ وأخبارُهم تَصدعُ الجبال، وتمسَّكَ بالأسطوريين الذين رفضهم هو بنفسِه ؟. الهدفُ واضحٌ : رفضُ يسوع المسيح ، وبالتالي رفض الحَّـق!.
نحنُ نشهد أنَّ اللهَ أقـامَهُ ! أع2: 32
قصَّة حياة يسوع يشهدُ عليها التأريخ. لو لم تكن قصته حقيقة واقعية ، بل أسطورة منسوخة لماذا يُحاولون طمسَها ويُعلنون الحربَ على أتباعها؟. لا أحد حاربَ بوذا أو زرادشت أو… و لا أحد يُعطي لهم أهمية. لماذا لم يتبع اليهود نصيحةِ جملائيل :” لا تُعنوا بالرسل ، بل دعوهم و شأنَهم. فإن كان سعيُهم من عند الناس فإنه سيزول. وإن كان من عند الله فلا تستطيعوا القضاءَ عليه. وأخشى أن تكونوا أعداءَ الله “؟ بل رغم ذلك “جلدوهم ونهوهم عن التعليم بآسم يسوع “؟(أع5: 38-40). لم يكتب الرسل قصصا خيالية :” لم يكن ذلك منا آتباعًا لخرافاتٍ مصطنعة بل لأننا عايَّنا جلالَه .. إذ كنا معه على الجبل المقدس “(2بط1: 16-18). ولرؤساء اليهود قال :” يسوع الذي أسلمتموه وأنكرتموه .. وشهدتم ضدَّه بينما سألتم العفو عن قاتل (أُقتل هذا وأطلق لنا برأبا لو22: 18)، فأمَّتُم ملكَ الحياة ، فأقامه الله من بين الأموات ونحن شهودٌ له بذلك” (أع3: 13-15).
ويوحنا يقول عن يسوع :” الذي سمعناه ، ورأيناه بعينينا ، وتأملناه ، ولمسته يدانا من كلمةِ الحياة ..نبَّشرُكم به لتشاركونا أنتم أيضا..” (1يو1: 1-3). في اساطير السابقين بحثَ كتابُ سيرهم في نقل كل شيء سمعوه وتضخيمه للتبجيل والتشويق. أما في قصة يسوع فيقولُ الأنجيل :” أتى يسوع أمام تلاميذه بآياتٍ أخرى كثيرة لم تُدَّون في هذا الكتاب”(يو20: 30)، ولو ” كتبت مفَّصلة ً لحسبتُ أن الدنيا نفسُها لا تسعُ الأسفارَ التي كتبت فيها “(يو21: 25). إختصرَ الرسلُ حيثُ توَّسعوا غيرهم وأضاف. لم يتوخوا غير إيصال الحقيقة ، ولأجل ضمان الحياة لكل من يؤمن (يو20: 31). هذا ما قاله الرسل شهود عيان الأحداث.
شهادة تلاميذ شهود العيان !
بالأضافة الى متى ويوحنا ومرقس شهود العيان ، كتب عن يسوع أيضا بولس ولوقا وهما لم يُعاينا يسوع على الأرض بل عرفاه من شهادةِ الرسل. فيقول لوقا بأنه يُدَّون الأحداث كما ” نقلها الينا الذين كانوا منذ البدء شهود عيان للكلمة ، ثم صاروا لها عاملين” ، وأنَّه تحَّققَ قبل كتابتها في كلها ” من أصولها غاية التدقيق”، وهدفُه أنْ ينقلَ لنا الحقيقة :” فتتـيَّقَن صحَّة ما تلقيتَ من تعليم ” (لو1: 1-4). بينما يقول بولس أنه عرضَ بشارتَه على ” أعيان الكنيسة دون غيرهم ” وهم” بطرس ويوحنا ويعقوب” (غل2: 2-9) ، ولهذا حَّذرَ أهل غلاطية من الأنزلاقِ وراء الذين ” حادوا عن الطريق المستقيم وضَّلوا ..” (2بط2: 15)، الذي ” سلكوا طريق قائين وآستسلموا الى ضلال بلعام طمعا في المغنم ..” (يهوذا 11) فتركوا الحق ليتبعوا ضلال المفسدين. ونَّبهَ مار بولس ضد كل تعليم يخالف بشارة الأنجيل ، قائلا :” فلو بشَّرناكم نحن أو بشَّركم ملاكٌ من السماء بخلافِ ما بشَّرناكم به، فليكن ملعونا “(غل1: 8). وتلاميذُ يوحنا شهدوا أنه هو قالَ الحق ولم يكذب (يو21: 24).
إيَّـاكم أن يُضِلَّكم أحد ! متى24: 4
لقد نبَّهنا يسوع بأنه يظهرُ ” أنبياءُ كذبة “(متى24:24)، وأنَّ العالم سيُعادي يسوع ويضطهدُ المؤمنين به (متى5: 10-12؛ يو16: 2) بقيادة الحية القديمة ، التنين الذي ” مضى يُحاربُ سائرأولادِ ” الكنيسة (رؤ12: 17) بالسيفِ أو بالتشهيرأو بالتعذيب وبكل ما أوتي به من سبل. وأهم وسيلة هي ضرب الراعي واذا تم ذلك تتبَّددُ الرعية (متى26: 31) كما حصلَ عند القبض على يسوع فآنهزم التلاميذ. فالعالم وأتباعه يُريدون تشويه حقيقة يسوع وأخباره وإزاحَتَه من الوجود حتى لا يوجعُهم كلامه ولا يُؤَّنبُهم ضمير. ولا يفعلون ذلك لأنَّ المسيحَ أسطورة ٌ أو أتباعهُ أغبياء ، بل لأنهم ” لم يعرفوا الله ولا عرفوا يسوعَ ” نفسَه (يو16: 3). لقد حَّذرنا يسوع من أعداء كل الأزمنة والأمكنة والألوان. ولم يقُل ” قاوموهم ، أُقتلوهم ، أُمحوهم من الوجود “، لأنهم باطلٌ وسيضمحلون. بل طالبَنا أنْ نُحّبَهم ونشهدَ لهم بكرم أخلاقِنا وطيبِنا بأنَّ يسوعَ حَّيٌ فينا لأنه وحده الحقيقة التي تضمنُ الحياة.
يسوعُ إذن حقيقة ، لا خيال كما ظَّنَّ تلاميذه الذين” توَّهموا أنهم يرون روحا. فقال لهم: ..لِمَ ثارت الأوهام في نفوسِكم؟. أنظروا يدَّي ورجلَّيَ ، أنا هو بنفسي. إلمسوني وتحَّققوا فإنَّ الروحَ ليس له لحمٌ ولا عظمٌ كما ترون لي” (لو24: 37-39). ولا هو أسطورةٌ نسخَها الرسل من التأريخ لأنه لم يكن لديهم حتى ولا فكرة عن الأشخاص الذين ذكرهم الكتابُ المُفَّخَخ إذ ” كانوا أُمّـيين لا علمَ لهم ، ولكنهم كانوا قبلا من صحابةِ يسوع ” (اع 4: 13).