أهلا وسهلا بالأخ أ. ب.
حضر الأخ السائل قداس الأحد الماضي، الأول للميلاد حسب التقويم الكلداني، وسمع نصَّ إنجيل متى 2: 1-12 و 16-18، سرد فيه خبر قدوم مجوسٍ من المشرق للسجود للمسيح، وكيف إلتقوا بآلملك هيرودس ليستدلوا منه مكان ولادة المسيح فيذهبوا ويسجدوا له، وقال : ” من هم المجوس؟ ولماذا إستفسَر هيرودس من رؤساء الكهنة ومعلمي الشعب، أَ لم يكن يعلم من الكتاب أن المسيح يولدُ في بيت لحم؟. ولمَّا عرفَ المكان وأرسل المجوس طلبَ إليهم أن يعودوا إليه ليذهب بدوره ويسجد له : لماذا لم يذهب بل أمرَ بقتل أطفال بيت لهم؟. هل إنتقامًا من آلمجوس؟. هل كان أهل بيت لحم اعداءًا له ؟. ما السبب “؟.
من هم المجوس ؟
يبدو المجوس وكأنهم ملوكٌ. هكذا صّورهم التقليد المسيحي. يتصلون بملك اليهود، لكن لا ترافقهم لا جيوش ولا حتى حماية!. إِنَّما الهدايا التي قدَّموها للمسيح هي مما يستعمله الملوك : ذهب ، بخور، مُّر. من جهة أخرى لهم دلائلُ علماء الفلَك. رأوا نجمًا غريبًا في الفضاء فسَّروه أنَّه دليل ولادة ملك عظيم، بل ملِكٍ يسودُ بقية الملوك. كما يبدون إشاراتٍ تدُّلُ على أنَّهم مُلِّمون بالكتاب المقدَّس ولهم شأنٌ مع الشعب اليهودي. بآختصار يرون تحقيق نبوءة بلعام عن ظهور الملك المسيح الموعود (عدد24: 15-19)، من نسل داود، و” الذي يملكُ على بيت يعقوبَ إلى الأبد، ولا يكون لمُلْكِه نهاية ” (لو1: 32-33). فالمجوس إِذن من عَلِّيِةِ آلقوم وحكمائه، وليس مُسبعَدًا ان يكونوا غصنًا من بقايا اليهود في فارس. لا ذكر لهم في التواريخ المدنية. ينفردُ متى بذكرهم ليوُّثق رؤيته عن موقف اليهود السلبي، ملكًا وقادةً دينيين، عن المسيح مقابل إِعتراف الغرباء.
لماذا يستفسرُ هيرودس ؟
كان هيرودس آدوميًا لا يهوديًا. يجهلُ الديانة اليهودية وأركانها. تهَّوَد في زمن الرومان ليُصبح مَلكًا على المملكة اليهودية عميلا للرومان. فلا فكرة له لا عن المسيح ولا عن النبؤات عنه. وكما قال متى ” إضطرب هو وكلَّ أورشليم لخبر المجوس”. وإذ عرف أنَّ الأمرَ مُتَعَّلِقٌ بولادة ملك الهي لزمه الرعبُ كمن يشعرُ أن الأرَضّ تهوي تحت عرشِه. فآستعجلَ في التحقيق في آلأمر. وحَقَّقَ مع كل مجموعة على حِدَةْ. عرفَ من القادة الدينيين عن مكان ولادة المسيح. وعرفَ من المجوس” سِرًّا “، كي لا يكتشف احدٌ خُطَّتَه وما يجول في فكره الأسود، منذ متى رأوا النجم، وكم طال سفرهم ليُحَدِّدَ بذلك عمر الملك المولود، و كَلَّفَهم بخدمة معرفةِ مكان وجود الطفل بدِقَّة كي لا يخطأَ ولا يُثيرَ شكوك أحد فيُفسِدَ عليه الخُطَّة. تظاهرَ أنَّه سيذهب ليسجد له مقَدِّمًا له خضوعَه بينما ضمرَ قتله في قلبه ، ليتخَّلَصَ منه حالاً قبل أن تقوى ساعدُه فيُهَّددَ عرشَه.
قتل أطفال بيت لحم ؟
ولمَّا لم يعُد المجوسُ اليه، لم يكن بعدُ بوسعه أن يقصدَ توًّا ومباشرةً مسكن الطفل. فآضطر الى تفيير خُّطَته. لا إنتقامًا من المجوس، ولا من أهل بيت لحم يكون بسبب عِداءٍ قديم. بل لأنَّه لا يريد أن يكتشف أحدٌ ما رسمه وما ينوي فعله. وإِذ عرف من المجوس منذ متى ظهر لهم النجم، وكم طال سفرهم قدَّر أن يكون الطقل قد أكمل سنةً من عمره. وإذ لا يعرفه ، ولكي لا ينجو هذا الطفل الملك ، قرَّرَ آلتخَّلُصَ من كل آلأطفال، في بيت لحم، من عمر سنتين فما دون، ليتأكدَ من أنَّه قضى على منافسه ومُهَدِّدِ عرشِه.
لقد شَدَّدَ متى على التعارض والتضادد بين موقفي المجوس وهيرودس. أولئك غرباء و بعيدون عرفوا أن يقرأوا علامات الزمن فآمنوا بوحي الله وآلتزموا به فخضعوا لمن أرسله الله ملكًا على البشرية، وتحملوا مشقة السفر ونوعية الهدايا لئلا يُقَّصروا بواجبهم تجـاه الله الخالق. أما هيرودس الذي يدَّعي خدمة الشعب بقيادته لم يكن سوى دخيل وذئبٍ مفترس يمتص دماء شعبه. إستغَل آلسلطة وتمَّسكَ بها رغم كره الشعب له لآجل لذاته ومصالحه. وقد نعَتَ يسوعُ هيرودسَ أنتيباس، حفيد هيرودس الكبير قاتل الأطفال، بـ ” الثعلب ” لأنه كان أيضًا يريد أن يقتله (لو13: 31-32)، بينما وبَّخه يوحنا المعمدان على جرائمه (لو3: 19-20)، وأهان يسوع وآستهزأَ به هو وجنودُه (لو23: 11).
نقرأ هذا آلأنجيل في جو عيد الميلاد كيف تفاعل الرعاة البُسطاء لكنهم مؤمنون، وكذلك المجوس الأقوياء وآلأغنياء لكنهم أيضًا مؤمنون، كذلك اليوم أيضًا بين قادة العالم من يؤمن بالله، لكنهم قليلون في حين يكثر المؤمنون بين البسطاء والوضعاء من الناس. لا زال يسوع المسيح موضوع شك وإيمان بين البشر، من زمن هيرودس، عبورًا بزمن متى الرسول ، كاتب الخبر، وإلى يومنا. نبوءة سمعان الشيخ ما تزالُ ترُّن في آلآذان :” هذا الطفل إختاره الله لسقوط كثيرين من الناس وقيام كثير منهم .. إنَّه علامة من الله يقاومونها لتنكشف خفايا أفكارهم ” (لو2: 34-35).