أهلا وسهلا بآلأخ نشوان
أرسلَ آلأخ نشوان سؤالا من أخت في شبيبة آلكنيسة تقول :” نعرفُ أنَّ آلمُختَلَّ عقليًا لما يغلط أو يرتكب جريمة لا يُحاسبُه آلقانون مثل الذي عنده إدراكٌ تام. فآلسؤال هو : شخصٌ مريضٌ نفسيًا، ربَّما أَثَّر شيءٌ عليه منذ آلطفولة، لمَّا كبُرَ إِرتكبَ بسبب ذلك أغلاطًا بحَقِّ غيره ، دون أن يدري أنَّه يؤذي آلآخرين. كيفَ يُحاسبُه آلله في هذه آلحالة “؟.
إِن كنتُم أنتم آلأشرار تعرفون ..! متى7: 11
قال ألرب يسوع :” سأجازي كلَّ واحدٍ حسب أعماله ” (متى16: 27؛ رم2: 6). الله هو الذي يحاسب (رم12: 19)، ويطلب من آلأنسان ألا ينصبَ نفسَه قاضيًا يحكم آلآخرين (عب 10: 30؛ تث32: 35). لأَنَّ آلأنسان يحكم بموجب مقاييسه البشرية (يو8: 15)، و إِن كانت بعضُها مُستوحاةً من آلكتاب آلمقدس. خاصَّةً وأنه ينطلق من آلشريعة وآلقوانين التي سنَّها آلأنسان نفسه، للحفاظ على آلنظام في آلمجتمع، وليس دومًا لتحقيق آلعدالة، أو لصيانة كرامة آلحياة. لذا قد لا تكون دومًا عادلةً ومستقيمة. لذا طلب آلمسيح عدم آلإِتِّكال على آلمظاهر(يو7: 24). أمَّا آلله فيُحاسبُ آلأنسانَ على ما أعطاه من حياتِه وخيراتِه التي هي مُلكُه، محَبَّةً وتكريمًا، ورحمةً وإحسانًا. ومنه تعلم آلأنسان أن يُحسنَ آلعطاءَ، لأن آلله مصدر” كلِّ عطية صالحة وكلِّ هبةٍ كاملة “(يع1: 5 و17)، وأن يشارك غيرَه بخيراته التي هي من آلله (2كور8: 12-15؛ 9: 6-15). فإِذا كان آلبشر يُمَّيزون بين صحيح آلعقل أومُختَّله، و بين مريضَ آلجسد أو مريضَ آلنفس ، فكم بآلحري خالقُ آلأنسان ومُحييه وقاضيه يُمَّيزُ بين مَن يعودُ آلخللُ إلى جسده وآلذي يعودُ إلى نفسِه، ويعرفُ كيفَ يعدلُ في حكمه عند محاسبة كلِّ واحد، لأنَّه فاحصُ آلكلى وآلقلب، ويَعرفَ أن يُقَدِّرَ مصدرآلشر و نوعَه ، و مدى مسؤولية آلمرءِ عنه. ليست آلمحاسبة حُكمًا. هي خطواتُ آلتحقيق في طبيعة آلأفعال، علَّتِها وهدفِها ونتائجها، وبعد ذلك يصدرُ آلقرارُ بآلتبرئة أو آلإدانة. ليست ليكتشفها آلله. قبل أن يموت آلواحد يعرف آلله بآلحال وبآلنتيجة. آلمحاسبة هي كشفُ حقيقةِ كل واحد لجميع آلناس، وما تُسَمَّى بآلدينونة آلعَامّة. أما آلمصير آلفردي فهو معلومٌ لكلِّ واحد بين جماعته، بعد آلموت مباشرةً (لو16: 22-22-26؛ متى25: 6-13).
كأس ماءٍ بارد أجره لا يضيع ! متى10: 42
لأنَّه مقَدَّمٌ عن محبةٍ بآسم آلمسيح، بوعيٍ وتصميم وبهدف آلمساعدة. وليس للتظاهر بين آلناس، أو مُرغَمٍ ، أو بيعًا بمال. فعلٌ مثل هذا له قيمة في عين آلله، لأنَّه شبيهٌ بفعله و برغبته. بينما وصفُ واحدٍ بـِ ” أحمق”، عن غضبٍ وحقد ” يستوجب نار جَهَّنم” (متى5: 22). لأنَّه تحقيرٌ لصورةِ آلله، وكبرياءٌ تعاليًا عليه. فـ” كلَّ كلمةٍ باطلة يُحاسبُ آلناسُ عليها يوم آلدين ” (متى12: 36). وبين هذين آلنوعين من آلأفعال الصادرة عن وعي وقصد، توجد أفعال ربما تقليدية أوغريزية، أي لا أساس لها لا ذهنيًا ولا إراديًا، مثل عنف آلأطفال ، فلا جزاءَ عليها لا مكافأَةً ولا عِقابًا.
وحالات إختلال آلعقل تدخل نوعًا ما هذا آلصنف. أما آلأمراضُ آلنفسية فتدخلُ أغلبها في إطار آلسلوك آلأرادي. قد يكون عقل آلواحد سليمًا لكن آلإرادة إنحازت نحو سلوك معيَّن، مُهينٍ أومُؤذٍ أحيانًا، بسبب أحداث كان ضحيَّتها في طفولته، أو بسبب تربيةٍ تلقَّاها بآلمثل من مجتمعه لاسيما من آلأهل. يجب آلبحثُ عن مدى إرادة آلمريض آلنفساني وقوَّة إمكانية إختياره بين ردود فعلٍ متباينة. يهوذا باع يسوع لأنَّه كان متأثرًا بنزعة إقتناء آلمال بأيِّ شكلٍ كان. يقول آلأنجيل بأنَّه ” كان لِصًّا، وأمينَ آلصندوق، يختلسُ ما يُودَع فيه” (يو12:
6). ولم يذكر آلأنجيل إِن كان ناويًا على مشروع ما، ولا ظهرت بعد موته نتائجُ سرقاته. كان مريضًا نفسيًا، حتى لم يترَدَّدْ عن قبلة تسليمه. لم يُعاقبه يسوع لكنه نبَّهه على مسؤوليته عن سوء فعله، وعن عقوبته آلشديدة آلمأساوية :” الويل لمن يُسَّلِمُ إبنَ آلإنسان. كان خيرًا له أنْ لا يُولد ” (متى26: 24).
لا تدينوا ! متى 7: 1
ألأنسانُ من طبعه فضولي، يريد أن يعرفَ كلَّ شيء لاسيَّما أسرارَ آلله. أيوب ينتقدُ حكمةَ آلله ويطلب أن يعرفَ أسباب بليَّتِه :” لماذا تُخاصِمُني، أَخبِرْني ” (أي10: 2). يزدادُ مَلَحَّةً لِيعرفَ بماذا يتَّهمُه، مع أنه بريء :” كم هي آثامي وخطاياي؟ عَرِّفني معصِيتي وخطيئتي” (اي 13: 23). إلى أن يرُدَّ آلله عليه أنْ بأَيِّ حقٍّ يريدُ أن يعرف مشيئة آلله :” أَ تريدُ أن تنقضَ حُكمي، وأن تدينني لِتُبَّرِّرَ نفسَكَ ” (اي40: 8). أن نسألَ عن مصيرَ آلآخرين آلأبدي يُشيرُ إلى شكٍّ في عدالة آلله. وهل نكون نحن أعدَلَ منه؟. بينما آلله يدعونا إلى أن نسمعَ كلامَه وندخلَ معه في عِشرةٍ روحية عميقة ولا نسأل حتى عن آلغد :” أُطلبوا أوَّلا ملكوت آلله وبرَّه … ولا يهمكم أمر آلغد ” (متى6: 33). بل إلى درجة ألا نُحِبَّ حتّى والدينا أكثر من آلله (متى 10: 37).. دعانا إلى أن نشهد له بسلوكنا ونثقَ به، لا أن ننتقده أو نشُّك في أحكامه (أع1: 8؛ يو16: 33). الله يُحاسبُ حسب آلأعمال. وهذه تنبثق من آلضمير، ويدفعُ إليها ألأيمان. وحتى هذه كلَّها مجتمعة لا تبني ولا تُنقِذ إذا فرغَتْ من آلمحبة لله وللآخرين :” لو تكلمت بلغات… لو كنتُ عارفًا كلَّ سِرٍّ وكلَّ علم، وليَ آلأيمانُ آلكامل أن أنقل به آلجبال …وليس لي محَبَّة، فما أنا إلاَّ نحاسٌ يَطُنُّ أو صُنجٌ يرُنُّ ” (1كور13: 1-2).
الحياة هي مُلكُ آلله. آلملكوت جنتُّه وبيته. ألحَّقُ وآلعدل سيرتُه. هو آلقداسةُ بآلذات. هو فاحصُ آلكلى وآلقلب. وإذا للبشر شيءٌ من آلحق وآلعدل وآلمعرفةِ فهي ليست إلا قبسًا من نور آلله وحكمته. فهل يوجدُ أفضلُ منه لِيُقَرِّرَ عمَّن يُرضي آلله، وبمن يُسَّرُ ومن يقبلُ في ملكوته؟. ما لنا نحن آلبشر نُشغلُ أنفسَنا بما لا يخُصُّنا ، فنقع في تجربة إهمال خلاصِنا بحِجَّة معرفة آلحقيقة. يومَ كشفَ يسوع لمار بطرس مصيرَه ” الميتة التي سيموتُها فيُمَّجدَ بها آلله ” تفاضلَ فسألَ لِيعرف أيضًا مصير زميله يوحنا، فأجابه يسوع :” لو شئتُ أن يبقى إلى أن أجيء، فماذا يُعنيكَ ؟. أنتَ إِتبَعْني ” (يو21: 19-22).
نعم نحن مدعوون إلى أن نتبع يسوع، نسلك آثارَه، نعلن في حياتنا مبادئًه. أن نصمدَ في إيماننا. وأن نكون واحدًا ونتقَدَّسَ في آلحَّق ِلِيُؤمن آلعالم بيسوع آلمسيح، ويُشركنا في مجدِه الذي ناله من آلآب (يو17: 19-22). هذه هي دعوتنا ” إتبعني”، وآلباقي عملُ آلله ومهمتُه.